آخر الأخبار
The news is by your side.

ليبيريا الوجه المشرق للقارة الأفريقية

ليبيريا الوجه المشرق للقارة الأفريقية

كتب: د. محمد علي تورشين
كاتب وباحث في الشأن الأفريقي

ليبيريا هي دولة تقع في غرب أفريقيا تحدها سيراليون من الغرب وغينيا من الشمال وساحل العاج من الشرق . 1820 استعمر المنطقة العبيد المحررون من الولايات المتحدة الأمريكية وهو أصل تسمية البلاد بليبيريا المستمدة من كلمة ليبرتي وتعنى حرية . وفي العام 1847 أسس هؤلاء المحررون جمهورية ليبيريا وأقاموا حكومة على غرار نظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية وسموا العاصمة مونروفيا تيمناً بجميس مونرو خامس رئيس للولايات المتحدة الأمريكية.
لقد عاشت ليبيريا في أتون حروب أهلية طاحنة أثرت على أمن واستقرار دول غرب أفريقيا ، حيث كانت الحرب الأهلية في ليبيريا من العام 1989-1996، ومن دوافع وعوامل تلك الحرب الأهلية الاولى هي استيلاء الجنرال صمويل دو على السلطة بانقلاب عسكري في 1980 فضلا عن التلاعب بنتائج انتخابات 1985 وتزويدها حتى يبقي في السلطة مدى الحياة شأنه شأن النظم الشمولية في القارة الأفريقية ، وفي العام 1989 قاد رئيس الوزراء الأسبق تايلور انتفاضة عارمة تمكنت من إسقاط النظام الدكتاتوري بقيادة صمويل دو لكن حاول استعادة السلطة مجددا إلا أنه سقط قتيلاً وسيطر الجنرال برينس جونسون على السلطة في العام 1990 . حيث انقسمت المؤسسة العسكرية بين مؤيدين لتايلور ومؤيدين لجونسون ودخلت البلاد في حرب أهلية راح ضحيتها حوالي 200 الف قتيلاً . وفي هذه الحرب برز الدور الإيجابي الذي قامت به المجموعة الاقتصادية لدور غرب أفريقيا بنشر قواتها في ليبيريا حتى توقيع اتفاقية ابوجا للسلام وفي 1997 انتخب تايلور رئيساً لليبيريا .
لم تمضي سوى سنوات لتدخل ليبيريا في حرب أهلية ثانية لم تقل خطورة عن الحرب الأهلية الاولى ، في العام 1999 قامت قوات الاتحاد الليبيري من أجل المصالحة والديمقراطية بقيادة سيكو كونيه بغزو ليبيريا بدعم وتمويل من غينيا واستطاعوا السيطرة على العاصمة مونروفيا في حين أن الرئيس تايلور رحل إلى نيجيريا ، وقد شهدت الحرب الأهلية الثانية أيضا جرائم وانتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان وقتل حوالي 300 الف ، وفي اكر عاصمة غانا تم توقيع اتفاق سلام بين طرفي الصراع في 2003 حيث اتفقوا على إنهاء الصراع والعمل على ترسيخ الديمقراطية و التداول السلمي للسلطة واختير جيود براينت رئيساً انتقاليا في العام 2005.
اعتقد بأن الحرب الأهلية الاولى والثانية أسهمت في إعادة تشكيل المشهد السياسي في ليبيريا وفرضت واقع جديد تمثل في إعادة تشكيل قناعات جديدة للنخب السياسية والعسكرية ، ومن أهمها أهمية التداول السلمي للسلطة وإتاحة الحريات واستبعاد خيار الانقلابات العسكرية للاستيلاء على السلطة في ليبيريا وبدأت مراحل التداول السلمي للسلطة بانتخابات 2006 حيث تنافس فيها حوالي 20 حزبا فضلا عن ائتلاف حزبي وترشح اكثر 21 مرشحاً رئاسيا ومن أبرزهم سيرليف و جورج وإياه ، وفازت بالانتخابات الرئاسية سيرليف لتصبح اول امرأة تصل إلى حكم بلد افريقي عبر صناديق الاقتراع. أما على صعيد الانتخابات التشريعية نجد بأن حزب المؤتمر من أجل التغيير الديمقراطي بقيادة وإياه حصل على أغلبية المقاعد في البرلمان ،عدم حصول حزب الوحدة بقيادة الين سيرليف على الأغلبية البرلمانية في ظل نظام حكم رئاسي عزز مناخ الديمقراطية و أتاح قدر كبير من التوافق بين القوى السياسية فيما يتعلق بإجازة القوانين . في تقديري الانتخابات الاولى بعد الحرب الأهلية عززت رؤية الانتقال من آثار الحرب الأهلية إلى تشكيل واقع ديمقراطي جديد بعيدا عن الاقتتال.
بالرغم من أن الرئيسة المنتهية ولايتها الين سيرليف فازت بولاية ثانية في العام 2011 فضلا عن ذلك حصل حزب الوحدة بزعامتها على الأغلبية البرلمانية عكس انتخابات 2006 ، يعني ذلك في واقع كثير من النظم الشمولية بأن الحصول على أغلبية برلمانية فرصة مواتية لإجراء تعديلات دستورية حتى يتسنى لهم الترشح لولاية ثالثة والفوز بها . الا أن الين سيرليف لم تفعل ذلك بالرغم من أن شعبيتها في تزايد مستمر عطفاً عن التأييد الإقليمي والدولي لذا ينبغي التأكيد بأن الين سيرليف مفتاح تحول ليبيريا من دول تعاني من ويلات الانقلابات العسكرية و الحروب الأهلية الى ديمقراطية حديثة .
دور جورج وإياه لا يقل أهمية في تعزيز ثقافة التداول السلمي للسلطة في ليبيريا بل أعتقد بأن له الدور الأهم في ترسيخ التجربة الديمقراطية الوليدة بعد فوزه في انتخابات 2017، وحصول حزبه التحالف من أجل التغيير الديمقراطي على الأكثرية في البرلمان ، لذا فإن الفرصة كانت سانحة له للحصول على ولاية ثانية باعتبار أن وإياه له إسهامات كبيرة في الشؤون العامة وبرز ذلك منذ أن كان نجما لكرة القدم ، بالرغم من أن وإياه قدم برنامج انتخابي متكامل يعالج كل الثغرات كانت في دورته الأولى بما في ذلك الاتهامات المرتبطة بالفساد وعدم مراعاة المصالح العليا للبلاد الا أنه خسر الانتخابات الأخيرة في 2023 لصالح منافسه جوزيف بواكاي في جولة الإعادة بفارق ضئيل جدا لكن حافظ حزبه التحالف من أجل التغيير الديمقراطي على الأكثرية في البرلمان ، لولا ايمان جورج وإياه بأهمية التداول السلمي للسلطة كان بالإمكان التلاعب بنتائج الانتخابات أو تزويرها لكن النتائج الأخيرة للانتخابات تؤكد حقيقة ماثلة بأن القوى السياسية في ليبيريا باتت تؤمن بالانتخابات وتثق في المؤسسات التي تديرها لذا لا أتوقع أن تحدث تحولات جذرية تعيد ليبيريا إلى خانة النظم الشمولية المستبدة أو لنظام الحزب الواحد بعد ترسيخ تجربتها الديمقراطية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.