آخر الأخبار
The news is by your side.

دولة المصالح المتجذرة وغياب التشريعي

الاقتصاد السياسي للسودان .. دولة المصالح المتجذرة وغياب التشريعي

بقلم: د. سبنا إمام

سبق وان قلنا وكررنا حد الملل ان السودان يعد اقتصادا ريعيا وهو على المستوى السياسي دولة مجموعة من الرعاة تمثل نخبا سياسية واقتصادية وعسكرية وكبار موظفي الدولة والاخيرة كانت حتى عهد عبود مستقلة ولكن منذ عهد نميري اصبح كل كبار الموظفين ذوي انتماءات حزبية واصبحت الخدمة المدنية معتركا للتنافس السياسي الذي دمر واحدة من افضل نظم الخدمة المدنية في العالم وادخل البلاد في النفق المظلم الذي نعيشه اليوم فاليوم لا يوجد رجال دولة بالمعنى العلمي المعروف في السودان. ورعية مغلوبة على امرها تمثل غالبية الشعب الذي يرسخ اكثر من 20مليون من مواطنيه تحت خط الفقر.

وعليه فكل الاصلاحات الاقتصادية التي تستهدف السياسات لن تجدي في معالجة الازمة الاقتصادية. فنحن بكل سطحية نقول ان فلانا قد فشل على الرغم من كم الخبرات والشهادات ولكن الفشل في جزء كبير منه يعود لفساد قالب الاقتصاد وتركيبته الريعية التي لا تسمح بتنامي الطبقة المتوسطة. وهنا اود ان اقرر حقيقة علمية وهي انه لا يمكن على الاطلاق ان يقوم النظام الرأسمالي والديمقراطية المستدامة في بلد تكاد تنعدم فيه الطبقة المتوسطة وهي طبقة دافعي الضرائب ولعل الحديث عن ضعف الايراد الضريبي يتجاوز خطره الاقتصادي الملموس الى الخطر الاكبر وهو صلابه واستمرارية الديمقراطية.

والان نعود لدولة المصالح وهي الفئة التي لم تتضرر قط من ناحية السلطه والنفوذ حتى حين كانت تأخذ جانب المعارضة للنظام القائم منذ عهد الاستعمار الانجليزي فهذه الدولة لا تريد احداث تغيير جوهري في تركيبة الاقتصاد بشكل يسمح بزيادة حجم ونوعية الطبقة المتوسطة بشكل يدعم التحول الديمقراطي.

وتغييب التشريعي المتعمد هو تغييب للإرادة السياسية للرعية الغائبة اصلا عن الاقتصاد وهو تمظهر من مظاهر سلوكيات دولة المصالح المتجذرة فهم لديهم دائما القدرة على خلق تحالفات تضمن ان يكونوا هم المستفيدين دائما من اي تغيير يحدثه الشعب في طوقه للحرية والعدالة ونصيب ولو يسير من موارد ارضه. وتضمن ان لا يخرج توزبع ريع السلعه الواحدة التي يعتمد عليها الاقتصاد خارج هذه الفئة . ولذلك يحاربون الانتاج حتى لا يتعقد الاقتصاد وتتنوع مصادر دخله لدرجة يصعب معها السيطرة على الريع ويكثر المتنافسون عليه بشكل يهدد انصبتهم التاريخية. وما شهدنها من المضاربة على الذهب والدولار هو مظهر من مظاهر التنافسي الريعي بين اطراف طبقة المصالح يدفع ثمنه المواطنون فهل هنالك بالله عليكم مواطن يمتلك دولارا او ذهبا ليضارب به؟

اليوم اذا لم تحدث ثورة ديسمبر تغييرا جذريا في توزيع السلطة والثروة بشكل يشرك اغلبية الشعب في امتلاك موارد الإنتاج وفرص الاستثمار لن تبارح ازمتنا الاقتصادية مكانها ولن تجدي كل السياسات الاقتصادية الفاشية منها والعلمية في اخراجنا من عنق الزجاجة . لابد من زيادة الطبقة المتوسطة من دافعي الضرائب ولكن هذة الزيادة ستكون على حساب طبقة المصالح المتجذرة التي تعرفونها جيدا.

ان العدالة والحرية والديمقراطية تصبح بمثابة بسكوت ماري انطوانيت في دولة يعد نصف شعبها على الاقل تحت خط الفقر .اليوم لدينا فرصة تاريخية قد تكون الاخيرة لاحداث التغيير الجذري الذي يمكن ان يضع السودان في المسار الصحيح نحتاج إرادة وقيادة سياسية حقيقية تعمل على التغيير الاقتصادي والسياسي معا ولكن الاستمرار في الفصل بين الملفين بإعتبار ان الاصلاح الاقتصادي المطلوب هو عملية فنية بحتة والاستمرار في سياسة ملاحقة المؤشرات الاقتصادية الكلية هو بمثابة معالجة الاعراض دون المساس بالعلة الحقيقية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.