آخر الأخبار
The news is by your side.

دوامة الزواج … بقلم: جعفر عباس

دوامة الزواج … بقلم: جعفر عباس

عندما عدت من لندن كنت سلفا عاقدا قراني على الشابة سعيدة الحظ، وكان وضعي المالي مريحا لأن راتبي خلال مدة البعثة كان مجمدا في البنك لأنني كنت اتقاضى نفقات المعيشة والسكن على حساب حكومة ألمانيا الغربية التي ظلت تدعم التلفزيون السوداني منذ تأسيسه.

ولم أكن أعرف الكثير عن تعقيدات طقوس الزواج السوداني، وبعد أن عرفتها (إلى حد ما) لم أعد أستسيغها، ولم يكن الأمر يتعلق بتكبد نفقات في أمور ما زلت أجدها سخيفة وعبيطة، بل في كوني كعريس مطالبا بالخضوع لطقوس لم أكن مقتنعا بها. قالوا لي “لازم تتحنن”، وأجلسوني على سرير ووضعوا الحناء في يدي وقدمي.

وفي صبيحة اليوم التالي قالوا إن الحنة ليست سوداء بالدرجة المطلوبة، ولطخوني مجددا بطبقات من الحنة في اليدين والقدمين، حتى صرت أشبه الراقصات الهنديات (لكن بصراحة استمتعت برطوبة الحنة في القدمين). لكن ما زال السودانيون الذين يعملون في الخليج والجزيرة العربية يعانون من موضوع الحناء عند الشروع في الزواج، لأنه إذا رأى أهل تلك المناطق رجلا يضع الحناء في أي جزء من جسمه اعتبروه “مو رجل”، بينما نعجب نحن السودانيين من كون بعض رجال الخليج يكحلون عيونهم.


المهم دخلت في دوامة من الطقوس، والمراسيم، واصطحاب العروس من الكوافير الى الاستديو، وكان مفخرة ستديوهات الخرطوم هو “فارتي”، وفي الاستديو صار المصور يقترح علي أمورا سخيفة: ضع يدك على كتفها!! مش حأضع يدي على كتفها!! طيب أمسك يدها اليمنى بيدك اليسرى.. مش شغلك.. قف بهذه الزاوية وانظر اليها دون ان “ترمش”، .. شاحد الله تشيب رموشك؛ سمع مني المصور كلاما لو كان يتحلى بأي قدر من الكرامة لاعتزل المهنة!!

وعدنا الى حيث مكان الحفل، ووجدت نفسي جالسا قرب العروس في كرسي وثير وكان الإرهاق قد نال مني وكنت متوترا وجوعانا، والناس من حولي يأكلون ثم يحيطون بي: مبروك ويرددون الموال السخيف: منك المال ومنها العيال!!

اقترب مني صديق مهنئا فهمست في أذنه: أنا عايز أكل فاذهب الى مطعم “الخيام” وهات طعاما جيدا واتركه في سيارتك.. والله هذا ما حدث بالضبط.. أتى بالطعام فتسللت من “الكوشة”، ولكن صديقي قال إنه لو تم ضبطي وأنا اتناول الطعام في سيارته ستكون فضيحة واقتادني الى بيت عزابة قريب و”تعشيت مزبوط”.. ربما أكون أول وآخر عريس في التاريخ يشتري أكلا في يوم حفل زفافه، ويتناوله سرا، بينما المئات يأكلون على حسابه أمامه.


ثم طفح بي الكيل عندما طلبوا مني في اليوم التالي لحفل الزفاف، استئجار بضع حافلات لـ “السيرة”، وتعني ان يركب المدعوون في الحافلات ويطوفوا بالشوارع والبنات يغنين، كما يفعل مشجعو النادي الذي يفوز بكأس، والعريس والعروس في مقدمة الركب حتى الوصول الى موقع معين على النيل فينزل الثنائي ليغتسلا بماء النيل.

قلت لهم: هاكم فلوس الحافلات لكن علي بالطلاق لن أركب في أي منها.. قالوا إنني لن أنجب ما لم اغسل وجهي بماء النيل.. قلت لهم إن أهلي النوبيين تركوا ديانتهم القديمة وتقديسهم للنيل واعتنقوا الاسلام.. تركوني وخرجوا في “السيرة” وعادت إحدى أخواتي بكوز فيه ماء النيل الأغبش لأغسل وجهي به فدلقته على الأرض،.. ورزقني الله ببنتين وولدين رغم – وربما بسبب – “عقوقي” للنيل.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.