آخر الأخبار
The news is by your side.

حول الترتيبات الأمنية الإتفاق الذي وقَّعَ في جوبا

حول الترتيبات الأمنية الإتفاق الذي وقَّعَ في جوبا

جوبا: محمد عبدالله ابراهيم

 في يوم الإثنين الموافق 17 اغسطس2020م؛ وقعت حكومة السودان الانتقالية والحركة الشعبية لتحرير السودان / الجبهة الثورية على اتفاق الترتيبات الأمنية النهائية بالأحرف الاولى في فندق برميد بجوبا.

ويعتبر برتوكول الترتيبات الأمنية من أهم البرتوكولات في اتفاقية السلام الشامل المزمع توقيعه في مقبل الأيام القادمة بين قوى الكفاح المسلحة وحكومة السودان الانتقالية في جوبا، كما يعتبر من أكثر البرتوكولات تعقيداً وقد أخذ حيزاً كبيراً من الوقت في النقاشات والتداول نظراً لتداخل العديد من ملفاته.

وتكمن أهميته في إطار وضع الأسس المعالجة والحلول الجذرية لكآفة الآثار السالبة التى لحقت بالمؤسسة العسكرية السودانية طيلة تاريخها الطويل، وحيث ظلت المؤسسة العسكرية السودانية تعاني من اختلالات واضحة في الولاء والتكوينات والهياكل القيادية، والتى لم تبنى على أساس التنوع والولاء الوطني، وانما كانت عبارة عن آلية مستخدمة من قبل الأحزاب السياسية التى حكمت البلاد وأداة للحرب والقمع في أيديها تأمر بأمرهما وتنهي بنهيها.

وبذلك دفعت المؤسسة العسكرية السودانية فاتورة باهظة الثمن من سمعتها التى ظلت متلازمة بالسوء نظراً للتسييس والحزبنة، وكان لذلك أثراً غائر داخل مكونات المؤسسة العسكرية نفسها.

وادى ذلك الى انحرافها عن أهدافها ومبادئها الوطنية السامية في حفظ الأمن والدفاع عن الأرض والعرض وحماية السودان ضد مهددات الأمن الوطني القومي، فتم تشويه صورة المؤسسة العسكرية السودانية وتغيير عقيدتها العسكرية والقتالية إلى توجه جديد وولاء جديد يخدم أهداف فكرية وايدلوجية سياسية لمجموعات معينة من النخب الحاكمة وتوفر لهم الحماية الأمنية الكافية وتدافع عن سلطتهم بشتى أنواع وسائل القمع العسكرية والأمنية.

ولا سيما ان جميع الحروبات التى قادها الجيش السوداني لم تكن ضد اعتداءات أو عدوان خارجي، وانما كانت سياسية وعنصرية ضد الشعوب السودانية في جنوب السودان وجبال النوبة / جنوب وغرب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وشرق السودان.

وهذه الحروب أدت إلى مقتل الملايين وتشريد ملايين اخرين من أبناء الشعب السوداني، وهى لم تكن حروب من أجل الدفاع عن الوطن، وانما كانت من أجل الحماية والدفاع عن مشاريع وأيديولوجيات سياسية فاشلة تعبر عن مجموعات معينة من النخب الفاسدة والذين أقاموا أنظمة حكم ظالمة ومستبدة.

ويعتبر نظام الجبهة الإسلامية البائد من أكثر الأنظمة التى لها دور كبير في تدمير وتخريب المؤسسة العسكرية السودانية، حيث عملت منذ الوهلة الأولى على اخونة المؤسسة العسكرية وأحداث تغييرات جذرية داخل تكويناتها المختلفة بالتخلص والإطاحة بإعداد كبيرة من جنرالات المؤسسة العسكرية في الجيش والأمن والشرطة، عن طريق الاقالات والإعدامات والفصل والإحالة إلى الصالح العام والاعتقالات للتخلص من كآفة القيادات العسكرية والأمنية التي لا تدين لهم بالولاء واستبدالها بأخرى إخوانية تدين لهم بالولاء وتؤمن بالانتماء للإسلام السياسي والفكر الايدلوجي الإخواني.

وإضافة إلى ذلك عمل النظام على إتباع نهج سياسي قائم على التمييز والعنصرية داخل تكوينات المؤسسة العسكرية السودانية، بدءاً من القبول في الكليات والمؤسسات العسكرية مروراً بالترقيات والدورات التدريبية.

وحيث أن معظم المختارين من مناطق معينة في السودان، كما أن معظم الرتب العسكرية والأمنية القيادية أيضا من مناطق معينة، اما مناطق السودان الأخرى عبارة عن جنود ترقياتهم لا تتعدى ضباط الصف فما دون ذلك.

والهدف من تجنيدهم في المؤسسة العسكرية خاصة الجيش هو أن النظام يستخدمهم كوقود حرب يزج بهم في أتون المعارك والعمليات الحربية، سيما ان معظم قيادات الوحدات العسكرية والأمنية ينحدرون من مناطق وقبائل معينة في السودان وحيث تجدهم موزعين قادة وإداريين للوحدات العسكرية والأمنية في كافة ولايات ومدن السودان الأخرى.

ولضمان التمكين والسيطرة على البلاد أيضاً عمل النظام على إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السودانية وفقاً لتوجهات الأفكار الأيديولوجية للإسلام السياسي وقام بتغيير الولاء والانتماء والعقيدة القتالية من الوطنية إلى الإخوانية، لتصبح مؤسسة عسكرية تضم وتدرب الجماعات الإسلامية الراديكالية المتطرفة تدافع عن النظام وتقاتل لتحقيق أهدافه.

وفي سبيل تحقيق التمكين والقبضة العسكرية والأمنية المسيطرة على البلاد عمل نظام الإخوان البائد على صناعة مجموعات عسكرية وأمنية وتسليح مليشيات لتقوم بالدفاع عن النظام وحماية مصالحه.

لذلك كان من الضروري إعادة النظر في هذه المؤسسات العسكرية والأمنية وذلك لمصلحة شعبنا وبلادنا ولمصلحة المؤسسة العسكرية والأمنية نفسها، وهي قضية جوهرية تهم كآفة السودانيات والسودانيين وليس العسكريين فقط.

وبما أن شعبنا استطاع أن يسقط نظام الجبهة الإسلامية البائد بثورة عظيمة اندلعت في ديسمبر 2019م تهدف إلى تحقيق الحرية والسلام والعدالة وتطالب ببناء دولة مواطنة بلا تمييز لكآفة السودانيات والسودانيين تتمتع بالديمقراطية وقضاء مستقل في ظل الحكم المدني وسيادة حكم القانون كان لابد من استقلال هذه الفرصة بإعادة النظر في المؤسسة العسكرية السودانية والعمل على إحياءها حتى تعود إلى مجدها وهيبتها ومكانتها في السودان وخارج السودان.

وذلك لأن المؤسسة العسكرية والأمنية هى الأساس في تحقيق التغيير والضامنة لعملية الإنتقال إلى المدينة والحامية للديمقراطية وهى المفتاح الأساسي لتحقيق التنمية واستدامتها.

وبهذا الاتفاق الذي وقع يوم أمس الأول يمكننا القول بأنه تم حل أكثر القضايا تعقيداً فى عملية التحول وتحقيق التغيير خاصة  قضايا الحرب، ولا سيما أن السودان يمتلك أكثر من خمسة جيوش والعديد من المجموعات المسلحة.

وان من أهم بنود الاتفاق الذي تم هو إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية في البلاد، وان يكون ولاء القوات المسلحة السودانية والمؤسسات الأمنية الأخرى للوطن وليس لأي حزب أو جماعة أو فصيل أو جهة أو منطقة محددة، وان تتمتع بالمهنية والاستقلالية وتكون قادرة على حماية السودان ضد مهددات الأمن الوطني السوداني وتعمل في كل أنحاء السودان وتوجه سلاحها لحماية المواطن والوطن، وليس ضد المواطن والتدخل في النزاعات الداخلية، وان تعكس القوات المسلحة والمؤسسات الأمنية التنوع السوداني وتلتزم بحماية وتوفير الأمن الوطني في كل السودان وفق الدستور، كما تلتزم بمعايير القوانين الوطنية والدولية ويكون لها دور في حفظ السلم والأمن الإقليمي والدولي.

وفي إطار عملية الدمج لقوات الجيش الشعبي نص الإتفاق على أن يكون الدمج فى ثلاثة مراحل تبلغ الأولى 12 شهراً و الثانية 14 شهراً والثالثة 13 شهراً، كما تم الإتفاق على آليات إصلاح وتحديث وتطوير القطاع العسكري والأمني لجمهورية السودان من خلال ثلاثة آليات هي:

– مجلس الأمن والدفاع، ويعمل المجلس على إجازة الخطة العامة المتعلقة بالإصلاح والتطوير والتحديث للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية ومتابعة تنفيذها.

– ومجلسا السيادة والوزراء في ان يتابعان تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية وتوفير الموارد المطلوبة لتنفيذ خطة الإصلاح والتحديث والتطوير المتفق عليها.

– ولجنة الأمن والدفاع في البرلمان الانتقالي، والتى حدد الاتفاق أن تكون من بين واجباتها إيلاء أهمية خاصة لتنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية وخطة إصلاح وتحديث وتطوير المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية.

وفيما يختص بجهاز المخابرات العامة نص الاتفاق بأن يكون جهاز المخابرات العامة قومي ومهني وليس لمنسوبيه أي انتماء سياسي أو لجماعة أو فصيل أو جهة أو منطقة، وولائه للوطن والالتحاق به مكفول لكل السودانيين وفق المعايير والأسس المتبعة.

وأيضا أقر الاتفاق بضرورة إصلاح جهاز المخابرات العامة بهدف رفع قدراته وتعزيزمهنيته وزيادة فعاليته وان يعمل وفق ما حددته الوثيقة الدستورية من مهام واختصاصات.

كما وضع الاتفاق مجالات لإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية تشتمل على إصلاح قوانين المؤسسات الأمنية والعسكرية، وتفكيك الوحدات العسكرية والمؤسسات السياسية التي لها ارتباط بالنظام السابق وتحصين القوات المسلحة والمؤسسات الأمنية من الانتماءات السياسية والجهوية والعقائدية والقبلية ليكون ولائها للوطن، وان  يراعى التنوع السكاني وتكافؤ الفرص عند الالتحاق بكافة تشكيلات ووحدات المؤسسات العسكرية والأمنية، وان تبنى العقيدة العسكرية الجديدة وفق الدستور، وحدد الاتفاق حصر حيازة الأسلحة في الأجهزة المخول لها قانونا.

وضع إجراءات صارمة لمنع انتقال الأفكار العقائدية المتطرفة للقوات المسلحة والمؤسسات الأمنية ومراجعة الانفتاح الإستراتيجي للقوات المسلحة بما يضمن الدفاع عن الحدود والحفاظ على سيادة الدولة.

كذلك اتفقت الأطراف بأن يكون الهدف النهائي للترتيبات الأمنية الجديدة في كافة المسارات هو الوصول إلى جيش وطني مهني واحد وقطاع عسكري وأمني موحد، وهذا الاتفاق جدير بالتوقيع والإطلاع والتنفيذ وهو الاول من نوعه في تاريخ إتفاقيات السلام والترتيبات الأمنية في السودان.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.