آخر الأخبار
The news is by your side.

حكايات ضحايا على الرصيف .. العتّالة والكّلاب والمخلاية “2”

حكايات ضحايا على الرصيف

بورسودان: صالح أحمد صالح

القصص كثيرة والمظالم كبيرة وقديمة الا اننا سنبدأ بقصة قريبة من حيث التاريخ، ومحزنة بعيدة حين تقاس بالزمن والساعات والمكوث في الألم، عرضها قد لا يفيد صاحبها ربما كسابق العهود ،ولم يكن بغرض التضامن والتعاطف فحسب ولكن ليعلم الذين يتحدثون عن المظالم ويتمشدقون بالحقوق فيملأون الدنيا والاسافير ضجيجا وصراخا ، و هنا غير بعيد داخل هذه البيوت او على قارعة الطريق ولنقل خلف تلك الابواب التي تبدو موصدة مأسي واحزان مشرعة وحكايات ودموع أثر أصحابها الغبش الصمت، بعد أن ارهقتهم الشكاوى وملتهم، فمنهم من سلم نفسه واستسلم للموت في صمت تارة عن جهل واخرى عن تجاهل متعمد.

عيسى محمد احمد عامل بأحدى الكَلّات اسرع حين وجد فرصة عمل ليوم واحد يفرح بها بعد طول انتظار أسرته الصغيرة بطوكر الا ان القدر كان اسرع عندما تعرض لإصابة عمل شلته وأقعدته للابد.

يروي عيسى قصته المؤلمة التي كانت قبل ست سنوات : حين طلب منه عمه أن يذهب ليعمل بدلا عنه اليوم في الميناء الاخضر بورتسودان؛ لأنه مريض واوصاه ان يختار من الكلة ستة أشخاص لما يسمى “طباق” بكسر الطاء ،وهي أن كل كلة ياتي يوم عملها بالتناوب ،وفق الجدول تمنح فرصة لعدد من عمال الكلات الأخرى، ويعطوهم ذات العدد حين يأتي دورهم،هكذا العرف المتبع والمتعارف عليه.

يتقاسمون كما يسمونه العشا ، ويبدلون افرادهم ويتبادلون في الكلات عند كل طباق، وانطلق عيسى، واختار ستة أشخاص وفق الوصية من كلة عمه الذي غاب بسبب وعكة صحية، وكان ذلك في الثاني من رمضان للعام 2015، وقبل بداية العمل على حد قوله حدث خلاف في طريقة اختيار العمال والافراد، فوقفنا الى أن تحسم المشكلة بجوار الباخرة للحظات، ثم بدأنا العمل ، والبضاعة كانت جوالات عدس وعادة ما تحدث ضجة وصراخ عند تحرك الكرين أو الرافعة التي تحمل البضائع من داخل البواخر كتنبيه للعمال على الرصيف احيانا، وفي بعض الأوقات مناكفات دون مناسبة، المهم حدثت ربكة وازعاج وفي الأثناء تحركتُ ضمن المجموعة الى أن باغتني سقوط جوالات من الرافعة ،، ولم ادر بعضها ماحدث.

علمت لاحقا ،انهم حملوني للمشفى ،ولم يكن لدي بطاقة ولم اكن مسجل بالكلة المهم أرادوا انقاذي على أمل أن ينتهي الأمر بسرعة ووقفت معنا الشركة إلى ان تم تحويلي الخرطوم ،وأجريت لي عملية في السلسلة الفقرية وتركيب مسطرة، ويمضي محمد بالقول وبعد أن علمت بالتفاصيل طالبتهم بتسجيل اسمي والمطالبة لي أن كان لدي حق وإذا لم احصل على شيء فالخطأ لا يعالج بخطأ ولا اريد ان اكون عالة على احد مع تقدير دوركم وحسن النوايا وتعاون الشركة وعندما عجزت من الحصول على حقي بشكل قانوني، ومباشرفضلت الا أكون سببا في قطع ارزاق من وقفوا معي ومستقبلهم فلهذا كان نصيبي ومصيري والحمد لله.

عيسى لزم السرير منذ ذلك الحادث المشؤوم لا يحس ولا يتحرك بشي من اسفل البطن الى القدمين تقلبه زوجته يمنة ويسرة لا تستطيع مفارقته على الاطلاق ،وابنته الكبيرة تركت المدرسة من الصف الثالث لتقوم بأعباء جلب احتياجاته وخالتهم التي تعمل بالسوق تقوم بكل هذه الاعباء من دفع ايجار للمنزل بعد أن احرق منزلهم في احداث الاقتتال. ببورتسودان حي دار النعيم وبمساعدة بعض ذويها ما زالت تكافح وتناضل. كما تقوم بتعليم البنات الثلاث في مرحلة الأساس.

حكايات ضحايا على الرصيفلا يستطيع عيسى تناول الاكل والمضغ والهضم سوى شرب لبن الابل والماعز حتى البقر يؤثر معه بحسب مرافقيه، ويعادل رطل اللبن الواحد 200جنيه فضلا عن العصائر.. يتبول بقسطرة يتم غيارها كل شهر وتضميد بعض التقرحات من طول الرقاد ،تكلفة الغيار في البداية كانت 300جنيه الا انها وصلت إلى 1500 جنيه استخرجوا له بطاقة تأمين صحي لكنها لا تفيد كثيرا في حالته.

نعود لطريقة العمل كما يقول عيسى في الكلة المعتمدين ومسجلين هم عدد 14 عامل فقط وهؤلاء لوحدهم من لهم حق العلاج، وكافة الحقوق عند الإصابة وهم جزء من الكلة ويرحل معها حتى إذا بيعت بالقانون والحق الا اذا تنازل طوعا.

ويضيف محمد العدد المقرر والمسجل صحيح هم 14ولكن العمل يحتاج لأيدي كثيرة وسرعة انجاز والمجموعة المحددة، لا تستطيع سوى شحن لوري أو اثنين لذلك يصل العمال في الكلة مابين 60 الى 70ومن هنا تأتي الزيادة والخطورة.

فيما نفى عيسى مضايقة الـ 14 في الاجر ، وانما بزيادة العمل يزيد اجر الجميع رغم أنه زهيد مقارنة بالعمل الشاق ومخاطرة .الشيء الذي لم يجد له عيسى اجابة ما الذي يمنع زيادة عدد العمال قانونيا الى 60 طالما العمل يحتاج والمخدم يدفع والمستفيد الجميع ولا يضيع حقهم.

وهذا ما أفادنا فيه قيادي عمالي فضل عدم ذكره “على أن التسجيل في البدايات – يعني قبل عقود- “الكلل” بكسر الكاف جمع كلة ،كان مقيد كأقل عدد بـ 7 واعلى 14 عامل؛ لان العمل كان بسيط والعمل بالشحن غير مرغوب فيه وعدد العمالة كان قليلا وكافي وقتها .. ولكن لحاجة العمل وحاجة العمال زادت الاعداد فصرنا غير مقيدين بالعدد المسجل.

ولكن في حالة الإصابة اثناء العمل يقف العمل فورا ويستخرج اورنيك للمصاب بحضور المخدم، ويعالج ويعوض إلا أنه أردف هنالك جهل من قبل العمال بحقهم وجهل بالاجراءات المتبعة لذلك يحدث تماطل من المخدم ويتنازل صاحب الحق.

الى ذلك اشار طبيب العظام في تقريره الى كسر وخلع في الفقرتين الحادية عشر والثانية وقطع في النخاع الشوكي.

الجدير بالذكر أجريت للمصاب عملية تثبيت فقرات في يونيو من العام 2015 وهو يعاني من شلل في الطرفين السفليين وفقدانه التحكم في البول منذ ذلك التاريخ.

 اقرأ ايضاً 56 عامًا العتالة مع الكّاب والمخلاية

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.