آخر الأخبار
The news is by your side.

تأملات قرآنية: في الآية 11 من سورة النور

تأملات قرآنية: في الآية 11 من سورة النور

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 11 من سورة النور: “إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.

حادثة الإفك مشهورة معروفة في كتب السيرة، فلا داعي لعرضها، وهذه الآية وما لحقها من عشر آيات أنزلها الله في تبرئة أمنا عائشة رضي الله عنها، ونفهم منها أن هذه الحادثة ليست عرضية بل هي مما قدره الله في سابق علمه، لحكم كثيرة أراد أن يستفيد منها المجتمع المسلم ويعتبر بها، وما كان هذا العدد الكبير من الآيات إلا لأهمية الحدث، في فجر الدعوة وفي قادم الأزمان، ومما يستفاد منه الدروس التالية:

1 – كان من الممكن أن يجري الله هذا الحدث الذي تناول العِرْض مع بيت من بيوت الصحابة، ولكن لأنه هو أثمن ما يتمسك به الإنسان في مجتمعنا، أراده أن يكون أشد ما يمكن وقعا، فاختار له أشرف بيت من بيوت المسلمين، رغم أنه سيؤلم كثيرا رسوله الكريم وآل بيته، لكن النبي صلى الله عليه وسلم نجح في هذا الابتلاء، لأنه يعلم أن شدة الابتلاء تتناسب مع عظم الإيمان.

2 – وكان ذلك أيضا، ليؤكد للمؤمنين أن رسوله وآل بيته بشر كسائر البشر، وينالهم ما ينال غيرهم، فلا يؤلهوهم كما فعل من كان قبلهم، ولكن يعزروهم ويوقروهم ولا يظنوا فيهم سوءا أبدا، فلا يفعلوا أفعال بني اسرائيل الذين دأبوا على رمي أنبيائهم بالفواحش.

3 – تقع أحيانا أحداث جسام تهز المجتمعات المسلمة، فلا يجب أن يظنوا حينها أن الله تخلى عنهم، بل قد يكون ذلك لأنهم ركنوا الى الدنيا وتهاونوا في أمر عقيدتهم، فيأتي الابتلاء لأن الله أراد بهم خيرا، فجاء ذلك الحدث امتحانا وتمحيصا، لكي يرتقوا وتصلح أحوالهم، وحدث الكثير منها منذ مقتل عثمان والفتنة التي تلت ذلك وصولا الى مأساة كربلاء، ثم تدمير بغداد الأول على يد “هولاكو” والثاني على يد “بوش”، وغزوات الغرب لديار المسلمين بدءا من الحروب الصليبية الى الحرب على الإرهاب، وطرد المسلمين من الأندلس الى سقوط الدولة العثمانية ثم تقسيم ديار الاسلام بين الغزاة الأوروبيين ..وآخرها احتلال فلسطين.

المصيبة أن المسلمين لم يستفيدوا من (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)، إلا في حادثة الإفك، إذ انكشف المنافقون وأصبح المجتمع الإسلامي أكثر صلاحا ومنعة ضد كيدهم، لكن في جميع الأحداث التالية، نال المسلمين شرها ولم يتعظوا بها، فصارت وبالا عليهم.

4 – من أهم الدروس هو التنبه لخطورة لوك أعراض الناس، “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ” [النور:15] ، فالعامل الأول في هدم المجتمع هو تفكك الأسر، وغياب الثقة بين أفرادها.

والعامل الثاني هو شيوع الفاحشة، وتقبل الناس لوجودها باعتبارها أمرا معتادا، فذلك هو ما يشجع على انتشارها، لذلك توعد الله تعالى محبي شيوع الفاحشة بالعقاب في الدنيا والآخرة: “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ” [النور:19]، وهي الحالة الوحيدة التي يعاقب الله فيها بناء على النوايا والأماني، ففي غيرها لا يعاقب الله على نية المعصية ولو توفرت العزيمة على فعلها، ولو لم تتح الظروف للعاصي فعلها فلا تحتسب في سجله سيئة.

وذلك لخطورة وجود هذه الرغبة في النفوس لأنها تكشف عن سوء النوايا، إذ لا يمكن أن يتحقق المجتمع الفاضل الذي لا ترتكب في الرذائل أبدا، لوجود نسبة من الناس لا يمكن أن تنصلح نفوسهم، لكنها عند بقائها ضئيلة فهي غير مؤثرة، ولا تضعف مناعة الأغلبية الصالحة، فتبقى الصورة العامة للمجتمع غالب عليها الصلاح.

أما إن أصبحت الفواحش ترتكب علانية، ولا تعتبر مستنكرة ولا يعاب مرتكبها، كما هو حال المجتمعات الغربية الآن، والخوف أن هنالك من يحاول دفع المجتمعات الإسلامية لحذو حذوها..

فلينتظر البشر غضب الله، فقد حذرهم أنهم سينالونه في الدنيا قبل الآخرة، .. فلا يستعجلوه كما استعجله قوم لوط.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.