آخر الأخبار
The news is by your side.

 تأملات قرآنية…الآية 129 من سورة البقرة

 تأملات قرآنية…الآية 129 من سورة البقرة

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 129 من سورة البقرة:

“رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”.

هذه الآية الكريمة جاءت على لسان ابراهيم عليه السلام، حيما فهم الحكمة من أمر الله له بنقل ابنه الوحيد اسماعيل (آنذاك) الى أرض الحجازمع أمه، وهي أن الله يريد أن ينشئ من اختلاط نسله مع أهل الحجاز رسولا يكون خاتما الأنبياء وسيدهم، فقالها وهو يستودعهما الله في واد غير ذي زرع، ويمضي عائدا الى الشام وقلبه يتفطر عليهما، لكنه موقن أنهما بحفظ الله، والذي سيرعاهما خير منه.

يصدّق الله بقوله وبمطابقة دعاء ابراهيم لما قضاه وقدره تقديرا دقيقا في سابق علمه، في الآية 151 من السورة ذاتها، حينما يمنُّ على العرب بهذا التكريم: “كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ”.

من التأمل في الآيتين معا، نلاحظ تطابق الدعاء مع الاستجابة في الأمور التالية:

1 – من امتزاج سلالة ابراهيم (الإمام لكل الناس) وسلالة العرب، وبعد أجيال من الانتخاب الوراثي المقدّر بعلم الله، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك سمي المصطفى، أي أن الله انتقاه نطفة فنطفة، فاصطفاه من بين كل البشر، فأودع فيه من الصفات الوراثية المنتقاة ما يؤهله لحمل المهمة الجليلة، وهي هداية العالمين جميعا، حاضرهم وقادمهم الى يوم الدين.

2 – وكان ذلك لأن الله تعالى يعلم أنه من المهم أن يكون الرسول الى قوم هو منهم وليس من قوم آخرين، لأنه يكون معروفا من قبل النبوة بحسن الخلق والصدق والأمانة، فذلك أحرى بأن يصدقوه، إضافة الى وجود أقارب وأصدقاء يدعمونه ويحمونه.

3 – مهمة الرسول (حسب دعاء ابراهيم) تتركز في ثلاثة أوجه: تلاوة الآيات التي ينزلها الله عليه للناس، أي تبليغها لهم، والثانية تعليمهم كتاب الله، أي ارشادهم الى سبل تطبيق تشريعاته ونصوصه، وتطبيقها عمليا أمامهم لاستخراج الحكمة من الأحكام والتشريعات، والثالثة تزكيتهم أي الارتقاء بنفوسهم بعد تنقيتها من الأدران والضغائن، ويتحقق ذلك كثمرة للتربية وفق مقتضيات آيات الله والحكمة التي آتاها نبيه الكريم.

4 – في الآية الثانية (الاستجابة وتحقق الدعاء)، زاد الله تعالى على ما طلبه ابراهيم (وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) أي تعليم هذه الأمة ما لم يكونوا يعلموه، فأورد في نصوص الكتاب معلومات علمية ما كان لبشر ذلك الزمان أن يعلموها، بل سيستغرق التوصل إليها قرونا من البحث والتجريب والاستخلاص، وهذه المعلومات كثيرة لا يتسع المجال لتعدادها، منها دوران الأرض حول نفسها، وتركيبة خلايا الانسان من مكونات القشرة الأرضي ذاتها، وتكون الجنين، وعدم امتزاج مياه المحيطات وبقائها منفصلة رغم مرور ملايين السنين ..وغيرها.

من المهم معرفة ما هو الكتاب، إنه كلام الله المنقول الى البشر عبر الأنبياء من خلال الوحي، حيث أنه “وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا” [الشرى:51].

ومثال لفهم ذلك: أنه لو صلت جهازا كهربائيا بخط ناقل الكهرباء تيار عالي التردد (33 ألف فولت) مباشرة، سيحترق على الفور، فلا بد من محول يحوله الى (220 فولت)، ولله المثل الأعلى، فالوحي هنا يمثل المحول الذي يوصل كلام الله الهائل الطاقة الى روع النبي، والنبي يمثل (المركم) الذي يراكم الشحنات وينقلها للبشر.

عندما يذكر الله (الكتاب) معرفا بأل التعريف أو بالإضافة الى ذاته العلية (كتاب الله)، فهو يعني أيا من كتبه السماوية، وعندما يذكر أهل الكتاب، فهو يعني الأمم السابقة التي نزلت عليها تلك الكتب، أما القرآن الكريم فهو مهيمن عليها ومغنٍ عنها جميعا: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ” [المائدة:84].

لذلك لا يسمي تعالى من أنزل إليهم القرآن أهل كتاب، بل المؤمنين أو المسلمين، لأن من يؤمن بالقرآن ويصدق بالأنبياء السابقين وما أنزل إليهم فهو المؤمن، ومن يكفر بالقرآن أو برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهو غير مؤمن، حتى لو آمن بما أنزل من قبله، بدليل قوله تعالى: “وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم” [آل عمران:110].

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.