آخر الأخبار
The news is by your side.

تأملات قرآنية: الآية 12 من سورة النحل

تأملات قرآنية: الآية 12 من سورة النحل

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 12 من سورة النحل: “وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ ۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتٌۢ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ”.

هذه الآية تأتي في سياق تعداد بعض من أنعم الله على الإنسان، ومنها تسخير كل ما في الأرض لخدمته ونفعه: “وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ” [الجاثية:13]، فهو تعالى كرم الإنسان على باقي مخلوقاته في الأرض، لأنه أراد منه أن يعرفه فيقدر أفضاله فيعبده ويستقيم على أمره.

ولكي ينجز هذه المهمة الجليلة، فقد منحه – بخلاف الكائنات الأخرى – حرية الاختيار في أفعاله، والقدرة على استخدام الموارد فيما ينفعه، والنطق لكي يهدي غيره.

بداية يجب أن نفهم أن التسخير يعني أداء المخلوق للمهمة التي كلفه بها الخالق، ولا اختيار له في ذلك، لذلك لا نجد آية ورد فيها أن الله سخّر الإنسان.

أول ما يستوقف المتأمل في هذه الآية، استخدامه تعالى لواو العطف في تعداد ما سخره للبشر، فجاء النهار معطوفا على الليل، الذي هو في محل نصب مفعول به، لذا جاء منصوبا، كما جاءت الشمس والقمر كذلك.

لكن لماذا جاءت النجوم مرفوعة مع أنها مسبوقة بالواو أيضا؟

الواو التي سبقت (النجوم) ليست واو العطف بل هي استئنافية، ويتلوها جملة جديدة، (النجوم) مبتدأ، و(مسخرات) هو الخبر.

وذلك لكي يبين لنا الله عز وجل أن ما سخره الله تعالى لخدمة البشر في الكون، هي خاصية تعاقب الليل والنهار والشمس والقمر، أما ما خلا ذلك من أجرام، فهي مسخرة أيضا بأمره ولا تخرج عن طوعه، ولما أراده، والتي لا نعلم منها إلا النزر اليسير.

فالشمس تؤدي وظيفتها في الكون، من غير ان تنتقص شيئا من مهامها التي سخرها لنفع البشر، مثل تدفئة الأرض وانارتها وتزويد النبات والحيوان بالكثير من الاحتياجات الأساسية للحياة، مما نعرفه ومما لما نعلمه بعد، وهي لا تملك الإرادة في أداء هذه المهام أو حجبها، لذا فهي مسخرة لما خلقت من أجله.

كذلك الأمر مع الليل والنهار والقمر، فكل سخره الله لأداء دور ومهام تنفع الإنسان، أما النجوم فهي ليست مسخرة للإنسان، بل سخرها الله لمهام اخرى لم يعلمنا بها الله، لأنه لانفع لنا بمعرفتها، لكنها أيضا في جعلها مرئية للإنسان فذلك فيه منافع له، منها:

1 – مواقع النجوم مرجعية دقيقة لتحديد المواقع، سواء على الأرض أو في الفضاء: “وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ” [النحل:16].

2 – يشكل انتشارها للناظر إليها من الأرض منظرا جميلا مؤنسا، وتخفف من كآبة الوحشة التي تسببها العتمة الدامسة لظلام الليل: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ” [الصافات:6].

3 – تمكن الإنسان مؤخرا من تصنيع مناظير للرؤية الليلية تستفيد من الضوء الضئيل للنجوم.

4 – اتاحة الله المجال للإنسان لرؤية النجوم تعطيه دليلا على اتساع الكون وعظمة خالقه، وكلما ازداد البشر تقدما في التعرف عليها ازداد المؤمن إيمانا، وحجة المكذب بوجود الخالق ضعفا، ما عدا المكذبين بالدين استكبارا وعنادا، ولأن الصلاح والاستقامة على أمر الله ينتقص من مصالحهم ويحد من انقياهم لشهواتهم، فهؤلاء على مدى العصور، لن تنفع الحجج والآيات في تغيير نهجهم.

لذلك يختم الله تعالى هذه الآية ببيان أن كل ما سبق فيه آيات لمن يعقلون فقط، أي الذين يحتكمون لسلطان العقل وليس لنوازع الشهوات.

فالذي يستخدم عقله، عرف منذ القدم علة تعاقب الليل والنهار، لأن حياة البشر ستستحيل من دونه، وأدرك أن وراء ذلك الثبات وتلك الدقة التي لم تتغير مع تغير الأزمان والفصول، لا شك مدبر عليم.

ومع تقدم معارف البشر، واستطاع قياس المسافة بين الأرض والشمس، عرف لماذا اختارها الله لاقامة الانسان، فالكوكب الأقرب منها الى الشمس وهو الزهرة يبعد (108) مليون كم، فيما تبعد الأرض 150 مليون كم، يبلغ معدل درجات الحرارة عليه 464 درجة مئوية، مما تستحيل معه الحياة، والكوكب الأبعد من الأرض هو المريخ (228) مليون كم، ومعدل درجة الحرارة فيه – 65 درجة مئوية مما يجعل الحياة عليه مستحيلة أيضا.

عندها ندرك ماذا يعني تسخير الأرض لحياة الإنسان وباقي الكائنات النافعة له.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.