آخر الأخبار
The news is by your side.

بشرى الفاضل – ذلك التواضع المبدع ( 1 )

بشرى الفاضل – ذلك التواضع المبدع ( 1 )

بقلم: يحيى فضل الله

يقول عنه الراحل المقيم علي المك :- (( قد نظرت في هيئته فاذا هو طويل – بشري – وفيه نحول الطلاب و عيش الداخليات والعبث الطفولي العذب ، الان إمتلأ جسده ليس بسبب انه نال راحة النفس و لا لان قلبه الحار قد برد – بضعة كيلوجرامات من الهم الذي نتفاوت في أخذ نصيبنا منه كل بمقدار – )).

انه بشري الفاضل – قاص وشاعر و صاحب تأملات عذبة يحسها المتحدث معه ، ان جلسة ونسة مع بشري الفاضل لهي عبارة عن عوالم متفتحة لا تحدها حدود ولم يصادفني احد يكره الالقاب كما يفعل بشري ، حاولت مرة ان اقدم كلمة دكتور قبل اسمه ولكنه زجرني بطريقته تلك العذبة و الحميمة فصرت أخاف من مناداته بلقبه الاكاديمي مع انه يستحق ذلك ، هانذا ألجأ الي اوراقي القديمة لتكون النوافذ مفتوحة و متاحة لكل هذا التواضع المبدع ، يحدثني بشري الفاضل :-

(( انا كاتب قصة هكذا ، بصورة عفوية ، كتبت اول قصة وهي ( حملة عبدالقيوم الانتقامية) عقب تخرجي من الجامعة ونشرت بمجلة الثقافة السودانية في نوفمبر 1978 ، كتبت في السنة نفسها و كنت قبلها علي ايام الجامعة اكتب الشعر ولم أجرب القصة قط و لابد ان تشجيع النقاد والدارسين كعلي المك و تشجيع القراء – القارئ السوداني حصيف- دفعني للاستمرار في التجريب حتي رجح كل ذلك بكفة الشعر )).

قصة بشري الفاضل ذات نكهة خاصة ، تحس فيها بفتح جديد في لغة القصة و بناءها ، تتحول فيها الحيوانات و الاحجار و النباتات والسوائل و الجمادات الي شخوص دقيقة الملامح ، كل ذلك بفعل الخيال الذي يمكنه من نسج قصته وشخوصها ضاربا عليها حصارا محكما لا يمكن ان تنفك منه فتظهر متماسكة البناء ، فا هي الكلبة (هاهينا) في قصته ( ذيل هاهينا مخزن الاحزان) تقرأ افكارا لمفكر الكلاب (هوكس) :- ( اول من اكتشف النار كان كلبا و لكن الانسان يزيف التاريخ ، كان جدنا مكتشف النار و اسمه (بوبي) يحفر بيتا قرب كهف الانسان الحقير ، صادف الجد(بوبي)

اثناء حفره حجرا أملسا فاعمل فيه مخالبه بسرعة اكبر فتطاير الشرر ثم إندلعت النيران، رأي الانسان الذي بداخل الكهف المشهد ، حمل هراوته الحجرية و طرد بها (بوبي) ، عاد (بوبي) الي قبيلته بخفيه تحت إبطيه وهذا هو اصل المثل – عاد بخفي (بوبي) -)).

هكذا نري إستفادة بشري الفاضل من كل ماهو متاح كي يكسي عظم البناء القصصي بلحم يتفق مع شخوص القصة و هنا نري إستفادته من المثل ( عاد بخفي حنين ) ، كما ان اللغة عند بشري الفاضل تلتحم مع الشعر برغم التهكم والسخرية في تركيب الجمل ، انها لغة شاعرية سرعان ما تهز القارئ ولنقرأ الراوي في قصته ( حكاية البنت التي طارت عصافيرها) – :- (( عندي مثلك أحبها و تحبني و يحب ناقتها بعيري ، الف مرة اجيئها غاضبا و أخرج عندها هاشا باشا ، كأن لديها مصنع من الفرح ، خرجت ذات يوم من لديها مليئا بها حتي غازلني الناس في الشوارع )).

وهذا مقطع اخر من نفس القصة – :- (( كان النهار اخضر لا كعادة الصيف ، كنت ملتويا بالبهجة كعمامة اعرابي يزور المدينة للمرة الثانية ، لا العاملات سعيدات مثلي و لا ربات البيوت ، انا ابن المحطة الوسطي العنكبوتي الجيب ، المشرئب عنقا لحادثة حركة او مظاهرة نشال ، المستيقظ منزولا ، المتضرر جوعا الباحث في خشم البقرة عن عمل ، شغبي مكتوم و مظلوم ابن مظلوم ومع ذلك سعيد ، هل ينتزع الاوغاد سعادتي ، هيهات )).

بشري الفاضل يخضع ادواته للتجريب المستمر علي مستوي اللغة و البناء والشخوص ويقول عن هذا الامر :- (( التجريب سمة في نظري لحداثة التجربة و لقلتها و تجربتي في كتابي ( حكاية البنت التي طارت عصافيرها ) يقلقني جدا و يشير الي انني ما زلت ابحث عن مرسي قصصي ما ، اكتب فيه كل الحكايات بثقة اكبر ، اذ ان التجريب يعني ان الاكتشاف لم يتم بعد و ربما لايتم))

إن مقدرات بشري الفاضل القصصية المرنة و المنسابة تبيح لي الان ان اشرك القارئ معي في قراءة نص او نصين من قصصه المتناهية الصغر و هذه امكانية لا تتوفر لدي أي كاتب ، فلنقرأ معا هذا النموذج تكنوقراطي.

 

في زمن المجاعة استدعي الوالي تكنوقراطيا لمجلسه وقال له  يا تكنوقراطي يا همام ، اريدك لمهمة) ، تنحنح التكنوقراطي وقال بادب جم :- ( يا مولاي نخدمك وانت رئيس) ،فصاح الوالي العالي :- ( يا تكنوقراطي اجمع لي زكاة تكسوانه باسرها ) فقال التكنوقراطي :- ( امرك مطاع يا مولاي) ثم إنحني بادب خارجي تعلمه و خرج وفي بيته فكر التكنوقراطي ثم فكر – تكسوانه باسرها جائعة- الزكاة والحال هذه لن يرضي عليها الوالي إن جمعناها خبط عشواء ، لابد من التخطيط – وفي صباح اليوم التالي اذاع التكنوقراطي بيانا أنشأ علي اساسه شعبة لجباة الزكاة ثم اردفه في المساء ببيان لإنشاء شعبة البحث عن الولاة الباحثين عن الجباة الباحثين عن الزكاة.

و في صباح اليوم الذي يليه كون مكتبا للباحثين عن البحاثة الباحثين عن الولاة الباحثين عن الجباة الباحثين عن الزكاة ثم كون مجموعة وزارية باحثة عن وزارة الباحثين عن البحاثة الباحثين عن الولاة الباحثين عن الجباة الباحثين عن الزكاة و لم يكتف التكنوقراطي بهذا بل امتدت يده الطولي الي مجوهرات الوالي لدعم مشاريعه الإستثمارية و ضريبة التنمو اخلاقية الهائلة الطالعة مثل السلعلع الجهنمي العايرة السوط و شعر الوالي بحركة تحت عرشه بحثا عن المجوهرات فمد يد بطشه ببنية في حنك التكنوقراطي فلم يصدق الاخير و توالت الضربات والركل و السحل حتي جري المسكين و صاح كمعكوس ارخميدس – لم اجدها – لم اجدها واوقفوه و قد عرفوه فسألوه – لم تجد ماذا؟ – لكن التكنوقراطي كان قد أصابته هاء السكت فسكت . 

ان علي ان امارس طمعي وان اجافي البخل بمقدار يسمح لي ان اهدئ القارئ نصا اخر من تلك المقاطع القصصية

نملة السكر.

 

عاشت قبيلة من النمل قرب نمولي ، كانت قبيلة من نمل السكر و نمل السكر كما تعرفون قبيل حلو و مسالم

وهكذا حدث ان تعرفت نملة علي نامل متنمل الاطراف ، تعارفا من خلال دوران الحياة و عنفوانها ، تحابا ، ثم اصبح ذلك الفتي النملي بعلا مرتقبا للنملة الصغيرة.

و ذات يوم إكتشف ذلك البعل المرتقب مساخة النملة الصغيرة و نمل السكر لايجامل في طعم بناته الفاتنات و عندما اخبر النامل القبيلة بالامر نصحوه بان يغمسها في حوض به سائل حلو ،فغمسها فخرجت منه دائخة بلا سكر تفوح منها رائحة البن.

واخبر القبيلة بعدم الجدوي فنصحته بان يحقنها بمضاد الانسولين ، ذلك لم يجلب نفعا بدوره و هكذا فكر الزوج المرتقب و فكر ثم قرر ان يصبح زوجا غير مرتقب و اخبر النملة الحائرة بقراره فقالت له حانقة :- ( سكر ) ثم نبست لنفسها :- ( هل كان ذلك القمئ يرغب في الزواج مني ام من السكر؟ ) وارتاحت النملة البديعة حتي شعرت بالسكر يجري في احشائها مقام الدم و لم تخبر بافراحها الداخلية احد وطفقت تمني نفسها باجنحة و شراسة تطير بهما نحو منابع العسل.

 

يحدثني بشري الفاضل عن متي و كيف يكتب ، يقول :- (( غالبا ما اكتب ليلا و فجرا و لا اكتب في منتصف النهار و اكتب العمل دفعة واحدة ثم اعيد كتابته مرات و مرات ، ياتيني العمل كخاطرة اغذيها في ذهني و اغذيها فإن اصبحت الفكرة طاغية علي مجمل نشاطي الاخر و شلت قوي تفكيري هبطت بها من التحليقات الجوية الي المكتب و القرطاس و القلم و عندما اكتب اكون منفعلا و مشدودا و لا ينتظم يومي و ازهد عن الطعام و اكثر من المنبهات و عقب الفراغ من كتابة نص اعرضه علي اصحابي و اكون قابلا لكل تراجع يشيرون لي به و عندي دائما قارئ هو القارئ القياسي الذي اعرض عليه اعمالي و هي طازجة و اراقب خلجاته و تعابير وجهه وهو يقرأ ، ذلك يساعدني في السعي لتجويد اعمالي )) و لا تزال النوافذ مفتوحة علي عوالم بشري الفاضل القصصية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.