آخر الأخبار
The news is by your side.

القرض المعبري بين مطرقة الحوجة وسندان المزيد من الديون

الاقتصاد السياسي للسودان

القرض المعبري بين مطرقة الحوجة وسندان المزيد من الديون ،دروس من نميري اومكس

بقلم: د. سبنا امام

إن كانت كلمة القاها رئيس الوزراء حتى ضجت الاسافير بين مفسر ومبشر. والحقيقة ان القروض المعبرية هو وسيلة تستخدم في مجال الاستثمار العقاري يمنح فيه المستثمر العقاري الذي اقترض من البنك قرضا معبريا لسداد متأخرات ديونه التي نتجت في الاصل عن فشل استثمارته .

ويكون هذا القرض بفائدة تفوق بكثير الفائدة الجارية في السوق لكون المقترض غير موثوق به وبالتالي تكون المخاطرة اكبر بمنحه مزيدا من الاموال.واستخدام هذا الدين في معالجة مشكلة اعسار الدول نتيجة لفشل سياسات الاصلاح الاقتصادي يعتبر حديث عهد بأدبيات الاقتصاد ولذلك لا تتوفر مواد علمية كثيرة عن نتائج هذه السياسة واثرها على النمو في الدول التي طبقت بها كالصومال وعليه سيكون السودان ايضا من ضمن اوائل الدول التي ستخضع لهذه التجربة.

و السؤال الملح هنا هل مشكلة الدين السوداني الخارجي مشكلة معوقة للنمو؟ الاجابة لا بالمطلق ونعم في حالة السودان فبحسب ادبيات الاقتصاد فإن الدين لكي يكون معقولا يجب ان لا تتجاوز نسبته للناتج المحلي سقف ال60% للدول المتقدمة وال 40%للدول النامية والدين السوداني للأسف تصاعد بجنون بعد انفصال الجنوب في العام 2011 ليتجاوز حتى الان 121% من الناتج المحلي.

ولكن علينا ان نعلم ان دولا افريقية تعتبر من الاسرع نموا حاليا هي في قائمة الدول المثقلة بالديون وعلى رأسها السنغال التي تنمو سنويا بمعدل 8.3% ساحل العاج 8%وإثيوبيا 7% وروندا 7.9 والنيجر 7.3% وموزنبيق 6.9%. وعليه فالحمل الثقيل من الديون لا يعني استحالة التقدم الاقتصادي إذا ما اعتمدت الدولة سياسات اقتصاية داعمة وتحديدا اذا ما كانت الدولة تنتج اكثر مما تنفق وتصدر اكثر مما تستورد. وعليه يجب انتنتهج سياسة تجمن بين التقشف الصارم في الصرف الحكومي ودعم الإنتاج والاستثمار.

وبمعرفة ان مجمع ديون السودان لا تتجاوو الـ 63مليار نحجد ان الدين في حجمه المطلق ليس كبيرا مقارنة بلبنان التي بلغ دينه الخارجي 90 مليار ويمثل 155% من ناتجها المحلي واليونان 378 مليار ويمثل 176% من ناتجها المحلي واليابان 12251 مليار ويمثل 237%من ناتجها المحلي والولايات المتحج بدين خارجي بلغ 22773 مليار وهو يعادل 106% من ناتجها المحلي .

الا ان اليودان بات من اكثر الدول المثقلة على الصعيد الافريقي مقارنة بإثيوبيا التي يمثل دينها 32%من ناتجها المحلي وساحل العاج 30.57% و روندا 60% و النيجر 31% وتنزانيا 31%و موزنبيق 140%من الناتج المحلي.والسنغال 59%. ويمكننا ونا القول ان المهم في قضية الدين هما شيئين استدامته ونسبته للناتج المحلي وليس حجمه المطلق.

و إذن اين تكمن مشكلة السودان ولماذا يشل نموه الاقتصادي ؟تكمن مشكلة السودان الاساسية في عدم استدامة دينه الخارجي نتيجة لعدم قدرة الاقتصاد على الايفاء بفوائده. وبدون تخفيف المتأخرات لا مجال للاقتراض من جديد. وعليه فهذا القرض المعبري يتيح للسودان القدرة على التواصل مع المؤسسات المالية للحصول على المزيد من القروض مستقبلا. وذلك هو الجانب المشرق من القصة.

الا ان هذا القرض وكما انه يمكن ان يفك عقدة الاقتصاد الحاليةفإنه قد يصبح بوابة جهنم المفروش طريقها بالوعود والتوقعات الاقتصادية العظيمة. فاولى مخاطر هذا القرض هو انه سيتيح المجال لتكديس المزيد من الديون وفوائدها العالية والتعجيزية في المدى الطويل اذا ما ظل الاقتصاد السوداني إقتصادا معتمدا على المنح والقروض والسلعة الواحدة. ولم يحدث اختراق هيكلي في بنية الاقتصاد.

وفيما يلي سنشرح ببساطة الاثر الاقتصادي لهكذا قرض في ظل استمرار نموذج الاقتصاد السوداني فيما هو عليه بناءا على واقع الاقتصاد السوداني وتجاربنا السابقة مع الديون. ويحاول هذا التحليل الاجابة على سؤالين ما هو الاثر الاقتصادي لمصادر وآلية تخفيف الدين ومنح المزيد من القروض المستقبلية؟ و وما هي مآلات هذة القروض المستقبلية في ظل استمرار هيكل الاقتصاد الحالي؟

اولا: سيمكن هذا القرض السودان من الحصول على قرض سنوي قيمته مليار دولار وعلى قلته فإن هذا القرض سيمنح فقط في كل عام بعد ان تثبت الحكومة للصندوق والخزانة الامريكية انها تنفذ الروشتة المرسومة بحذافيرها فيما حدد سلفا بما يعرف بنقطة القرار والاكتمال الخاصة بمبادرة الدول الفقيرة و المثقلة بالديون HIPIC .

وهذة المراحل تتطلب سنوات من الالتزام و الإجراءات الاقتصادية القاسية وهذا . كما انه ينطوي على خطر اقتصادي بتمثل في كون انه سيخلق حالة من عدم التأكد في ايرادات الدولة وميزانيتها وهو شبيه باثر تقلب سعر السلع في الدول المعتمدة على سلعة واحدة كمصدر للنقد الاجنبي ومحركا للاقتصاد وعليه ستكون النتيجة هي ذاتها تدهور النمو في المدي الطويل. وعليه مزيدا من العجز عن سداد هذا الدين الجديد.

كذلك سيمنح الدين من مصرف التصدير والاستيراد الامريكي وهو مصرف يعنى بتطوير الصادر الامريكي وفتح اسواق جديدة له في ظل حصاره بسبب تمدد الصين. واتوقع ان تتولى دفع هذا الدين المعبري ايضا بريطانيا والنرويج فالاولى خرجت لتوها من الاتحاد الاوربي وتتطلع لفتح اسواق لمنتجاتها في مستعمراتها القديمة اما الثانية فتعاني من تدهور واضمحلال صناعة النفط الذي هوعصب اقتصادها ومصدر ايراداتها لذلك يهمها ان تفتح اسواقا في افريقيا وهي تعمل على ذلك منذ ما لا يقل عن عشر سنوات استعدادا لعهد ما بعد النفط.

والسؤال ماذا سيكون موقف المنتج المحلي والصادر السوداني والاجابة طبعا سيضمن هذا القرض ان السودان لن ينتج ابدا للمئة عام القادمة وسيستمر في ان يكون سوقا لمنتجات الدول وعليه سيكون ميزانه التجاري دائما بالعجز مما يعني انه لن يكون قادرا على سداد ديونه ابدا.

والان الى اين ستذهب هذه الديون المستقبلية في حال استمرار نموذج الاقتصاد السوداني الحالي ؟ فالبرغم من ان التاريخ لا يعيد نفسه الا انه وسيلتنا الوحيدة للتعلم . فالاقتصاد السوداني شهد اولى ضرباته الموجعة يوم امم نميري في سبعينيات القرن المنصرم الصناعة والرأسمالية الوليدة في السودان وهبط بالسودان كدولة جاذبة للاستثمار فيما يشبه حالة روندا اليوم الى امثر الدول طردا وتنفيرا للاستثمار المحلي دعك عنك الاستثمار الخارجي.

ثم جاءت حقبة سيطره البنك والصندوق في ظل تنافس الدول الكبرى للابقاء على نموذج الاستعمار الذي يضمن ان يكون السودان سوقا ومصدرا فقط للمادة الخام والوسيلة لتحقيق ذلك القروض حيث تصرف الدول الغنية فوائض اموالها باقراض الدول النامية بفوائد ضخمة ومن يومها دخل السودان في دوامة الديون ولم يخرج منها حتى الان فقد عززت الصين هذه السياسة في شراكتها الطويلة مع نظام البشير وضمنت من خلال منح القروض ان لا يستثمر دولار واحد من عائدات النفط في تمكين اقتصادنا من الانتاج ليسد ديونه كما ساهمت قروض الصين في تفشي الفساد الذي بدد بدوره قسطا كبيرا من الثروة التي تراكمت بفعل النفط ولم تجد هذه الاموال طريقها لبناء البنية التحتية الضرورية للنمو وتمدد القطاع الخدمي على حساب القطاعات الانتاجية.

والان يعتبر القطاع الخدمي هو الاكبر في مكونات هيكل الناتج المحلي وعليه فان اغلب ثروةالسودان كأمة هي في الاراضي والبيوت وغيرها من non tradable goods. ولذلك تجد ان الخرطوم قد اضحت اغلى من لندن. في حين يتضاءل دور الزراعة ويكاد دور القطاع الصناعي يختفي. هذا تشوه لا يمكن ان يسمح بالانتاج ومن ثم التصدير والذي هو اساس الاستقرار الاقتصادي.

هل هنالك اي معالجات حتى اليوم استهدفت جانب العرض هذا من حيث زيادة كفاءة الأسواق لتتمكن القروض المستقبلية من ان تجد طريقها للتنمية؟ الاجابة حتى الان لا. وعليه اذا لم يتم وضع سياسة قومية لدعم الإنتاجوالبنى التحتية الضرورية فالمسار الذي ستسير فيه هذه القروض اثنان لا ثالث لهما وهما نفس المسارين الذين ادت اليهما نميري اومكس حين اقترض من البنك والصندوق ونادي باريس وغيرهم .

الاول ستنفق اغلب القروض على استجلاب السلع الاساسية وتخفيف الضغط الواقع على الشعب من قسوة الإجراءات الاقتصادية مما سيؤدي لاضطرابات سياسية كبيرة .

والثاني ستغذي هذه القروض الفساد ففوائض الاموال في غياب المشاريع والخطط التنموية ورغبة الحكومة في توفير السلع لتخفيف الضغط عليها سيفتح المجال واسعا لتجد هذه الاموال طريقها لمستفيدين لم يكونوا اصلا في قوائم المدعويين.

ولكي نضمن تقليص الاخطار اعلاه الى ادنى مستوى يجب ان تترافق مع سياسات كلية توسعية تتمثل في الاتياولا خفض الضرائب على الدخل و الاستثمارات والشركات الصغيرة خاصة في مجالي الزراعة والصناعة وزيادة الضرائب على الاراضي والعقارات الزائدة عن الحوجة.

تخفيف الدعم وليس رفعه تماما وذلك للتخفيف من الانفاق الحكومي واتباع سياسة تقشفية صارمة في كل الجهازي الاداري والتعاملات الادارية للدولة. مع تقديم دعم مباشر للفئات الاكثر حوجة لدعم الطلب الكلي بما يمكن المستثمرين من الاستمرار في السوق.

زيادة كفاءة الاسواق المحلية وتفكيك الاحتكار لزيادة التنافسية.

تنظيم سوق العمل وزيادة كفائته لخلق المزيد من فرص العمل.

وعليه نخلص الى انه وبالرغم من ضرورة حصول السودان على هذا القرض الانه ليس كافيا اذ يجب ان تتبعه سياسات وبرامج حكومية واضخة ومحددة وشديدة الصرامة تمنع حدوث اي من السيناريوهات التي ذكرتها آنفا وتضمن ان يمثل هذا القرض معبرا للنمو والتنمية الاقتصادية وليس معبرا للمزيد من الديون التي لا يقابلها زيادة في الناتج المحلي بما يتيح سدادها مستقبلا. فيستمر السودان في دائرة الدول الفقيرة والمثقلة بالدين.

وهذا لا يقدح في تفاؤلنا بشأن الفرص الكبيرة التي اتاحتها تضحيات شبابنا للاقتصاد السوداني ليأخذ وضعه كواحد من الاقتصادات الناشئة ولكنه تفاؤل ممزوج بشيء من الحذر وكثير من الواقعية ويقوم على مبدأ ان المؤسسات الدولية ليست منظمات خيرية ولكنها بنوك بالمعنى الحرفي للكلمة يديرها كبار المصرفيين العالميين. شروطها قاسية وديونها ثقيلة وبيئتها ليست ودودة وإن تدثرت بالابتسامات الديبلوماسية ولكنها مستثمر يخدم الاقتصاد الدولي الذي يتحكم به الكبار ولا مجال فيه للزغب من من الطير ولكي يجد اقتصاد ما مكانه في هذه المؤسسات عليه ان لا يرتمي في احضانها بل ان يحسن ترويضها لخدمته وهذا هو عمل محترفي الاقتصاد.

وإذا كان نميري قد ورط السودان في هذة المصيدة اللعينة للديون لجهله بمآلاتها والتي كانت اعاقة قيام نظام ديمقراطي مستديم انتشار الفساد وانتشار الفقر والمجاعة انهيار الخدمة المدنية و الانقلابات العسكرية وانفصال الجنوب. الاستمرار في ذات الطريق بدعوى ان السودان لايستطيع النهوض لوحده سيؤدي لذات النتائج ومزيدا من التقسيم.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.