آخر الأخبار
The news is by your side.

العلاقات السودانية – التشادية.. (ماضيها حاضرها ومستقبلها)

العلاقات السودانية – التشادية.. (ماضيها حاضرها ومستقبلها)

بقلم :محمد علي تورشين

مقدمة تاريخية:

تشاد هي امتداد لممالك (كانم، باقرمي، وداي ) القرون الوسطى والتي تزامنت مع ممالك السودان ( دارفور. المسبعات ، الفونج ، مروى، علوة ) حيث تبلغ الحدود بين السودان وتشاد حوالي 1820 كليو وتشترك تشاد في حدود مع أفريقيا الوسطى من ناحية الجنوب وليبيا من الشمال والنيجر من الشمال الغرب والكاميرون ونيجيريا من الجنوب الغرب .

خضعت تشاد للاستعمار الفرنسي وفي عام 1960م حصلت على استقلالها وهي بمثابة معبر جيو استراتيجي لفرنسا لتواصل بين مستعمراتها في غرب وشمال أفريقيا ومستعمراتها في وسط أفريقيا، ويعتبر فرانسوا تمبلباي أول رئيس بعد الاستعمار وينتمي إلى قومية السارا المسيحية المنتشرة في جنوب البلاد .

عدد سكان تشاد حوالي 12 مليون نسمة 55% منهم عبارة عن مسلمين يتحدثون العربية ويقطنون في الشمال الشرقي بينما 45% منهم عبارة عن مسيحيين كاثوليك يتحدثون لغات محلية ويقطنون في الجنوب وحوالي 5% لا دينيين او لديهم معتقدات أخرى. اللغة الرئيسية في تشاد هي اللغة الفرنسية بالإضافة للغة العربية. أي أنك لا تحس بأفضلية لغة على الأخرى ويتم استخدام اللغتين في الخطابات الرسمية حيث تجد الجزء الأيمن من الخطاب بالعربية والجزء الايسر منه بالفرنسية.

نشأ تداخل ثقافي واجتماعي بين البلدين نتيجة للتداخل بين الشعبين وهنالك كثير من السودانيين من أصول تشادية والعكس صحيح، لدرجة ان الكثير من العادات والثقافات مشتركة بين البلدين. كما تتشابه اللهجة العربية في كل من دارفور وتشاد كما نجد سماع الأغاني والنكات السودانية في تشاد من المشتركات الثقافية والوجدانية، وسيجد الزائر لتشاد في كل ركن او دكان شريط سوداني لوردي او ندى القلعة او نادر خضر وغيرهم.

كما نجد ان هناك أكثر من 15 قومية مشتركة بين البلدين وهناك العديد من القوميات المشتركة ذات تأثير كبير جدا على العلاقات بين البلدين هي قوميات (الزغاوة والقرعان البرقو والبرنو والفلاتة والهوسا والتاما والسلامات و الرزيقات والمسيرية…. الخ ) وغيرها من الشعوب التي لها امتدادات بين السودان وتشاد.

كذلك تجد ان الأكلات السودانية منتشرة في تشاد سواء كانت العصيدة او الكسرة او الزلابيا (والمسماة في تشاد بالفنقاسو) حيث نجد ان كل الوعاء الثقافي السوداني وتحديدا الدارفوري مشترك مع تشاد ابتدأ من العاصمة انجمينا وانطلاقا للحدود الشمالية والشرقية وهي مناطق كلها تدين بالاسلام .

اما الجنوب فهو مركز المجموعات المسيحية والذين ينحدر منهم الرئيس الأول بعد الاستقلال أي فرانسوا تمبلباي(1960_1975) . نجد ان الانقسام بين شمال وجنوب ومسلمين ومسيحيين والذي هو سمة لكثير من دول الساحل وغرب افريقيا ، وتشاد من أهم دول الساحل وقد سلم المستعمر الفرنسي عند خروجه مقاليد السلطة المدنية والعسكرية والسياسية للجنوب المسيحي، هذا الوضع المختل دفع المجموعات السكانية في الشمال والشرق وبدعم من حكومة الخرطوم بتأسيس جبهة فرولينا 1965 بمدينة نيالا .

تغيير المعادلة السياسية بعد ظهور جبهة فرولينا أدخلت تشاد في اتون جرب أهلية مفتوحة بين الجنوب المسيحي والشمال المسلم (1975_1979) عاشت البلاد من خلالها حالة من الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي والأمني حيث حكم البلاد في تلك الحقبة رئيسان هما :

1-فليكس معلوم (1975_1979).

2-كوكوني (1979-1982).

بعد استقرار الأوضاع الأمنية أجريت إنتخابات رئاسية وفاز بها كوكوني.

حسين حبري ينتمي إلى قومية القرعان وصل للسلطة(1982-1990) بانقلاب عسكري ارتكب جرائم ضد الإنسانية واغتصاب وقتل خارج القانون وقيد الحريات وقمع المعارضين وقد أدانته المحكمة الأفريقية الخاصة بالسجن المؤبد بعد أن لجأ إلى السنغال بعد الاطاحة به من قبل مساعده ادريس ديبي.

تاريخ العلاقات:

شهد السودان عدد من الحكومات في الستينات كانت فترة حكم ( عبود _ سر الختم خليفة _ المحجوب _ المهدي _ نميري) وفي هذه الحقبة نستطيع أن نقول ان العلاقات كانت عادية وفاترة باعتبار ان الفترة التي أعقبت الاستقلال كان التوجه توجه عروبي. مهتم بمنطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية اكثر من اهتمامه بافريقيا ودول الجوار الافريقي او دول غرب افريقيا ويتبين ذلك من خلال دعم السودان للقضية الفلسطينية(مؤتمر الخرطوم للالات الثلاثة ) والتساهل مع مصر في إنشاء السد العالي . عكس الموقف التشادي الذي سعى إلى مساندة ودعم السودان لنصرة قضية الشمال الشرقي المضطهدة عندئذ حيث استغل عدد من قيادات المعارضة التشادية تعقيدات الفترة الإنتقالية فاسسوا جبهة فرولينا بنيالا .

أما حقبة السبعينيات والثمانينات لم تغيير سياسة السودان الخارجية وانما ظلت تتجه شرقا وكان الجنرال نميري لديه علاقات مميزة بالنظام المصري والليبي لتشابه الخلفية العسكرية للرؤساء الثلاث رغم ذلك نجد ان شعبيا تأثر المجتمع الدارفوري كثيراً بالحرب التشادية الليبية (1978_1987) مما أدى إلى مشاركة عدد من شباب القبائل المشتركة بين البلدين لنصرة النظام التشادي .

بعد وصول نظام الإنقاذ أو حكومة المؤتمر الوطني للحكم في السودان في 1989 عن طريق انقلاب عسكري سعت إلى تصدير الثورة أو تصدير المد الإسلامي إلى الخارج لذا دعمت وساندت الجبهة الوطنية للانقاذ بقيادة ادريس دبي في السودان و شارك عدد كبير من أبناء القبائل الحدودية في المعارك ضد نظام حسين حبري حتى تمكن ادريس دبي الذي ينتمي إلى الزغاوة في الانقلاب على السلطة في انجمينا (1990) وهرب الرئيس حسين حبري إلى السنغال بفضل دعم ومساندة من النظام في الخرطوم وباعتبار ان ذلك يشكل فاتحة خير لمشروع تصدير الثورة والمد الإسلامي إلى الخارج وهو المشروع الذي حاولت الإنقاذ تطبيقه في عدد من الدول المجاورة .

ما يلينا وما نركز عليه في هذه الورقة ان العلاقات بين السودان وتشاد اخذت منعطف مهم جداً باندلاع الصراع المسلح في دارفور او بعد بزوغ حركات التحرر الثوري في دارفور في مطلع 2003 والتي اعقبتها حقبة متوترة في العلاقات السودانية التشادية إذ أنه بالرغم من أن الخرطوم أهم داعم للنظام في تشاد الا انه بدأ في دعم المجموعات المسلحة وتحديداً حركة العدل والمساواة السودانية حيث وفر لها غطاءً سياسياً وغطاءً و دبلوماسياً. وكذلك تعامل النظام السوداني بالمثل ودعم وساند الحركات الثورية في تشاد وأصبحت تشاد ملاذ آمن لعدد كبير جدا من اللاجئين وهم موجودون حتى الآن في معسكرات حوالي مليون لاجيء. دعم ومساندة تشاد لحركة العدل والمساواة تمخضت عنه عملية الذراع الطويل(2008) حتى توغلت في قلب مدينة امدرمان وكانت قواتها على مشارف القصر الجمهوري .

في نفس الاتجاه استضافت الحكومة السودانية المعارضة التشادية بقيادة محمد نور واخرين ووفرت لهم الدعم واستطاعوا الوصول حتى العاصمة انجمينا(2006) ولولا تدخل الطائرات الفرنسية لسقطت انجمينا في يد الحركات المسلحة المدعومة من الخرطوم، توترت العلاقات بين الدولتين بشكل كبير حتى تجاوزت القوات التشادية الحدود السودانية في منطقة كلبس وغيرها .

الرئيس السنغالي عبدالله واد قاد مبادرة على هامش قمة المؤتمر الإسلامي في داكار توصل من خلالها الدولتين إلى اتفاق بينهما (2010) حيث ينص الاتفاق على عدم دعم اي دولة للجماعات المسلحة ولا تؤمن لها أي شكل من أشكال التعاون وأن تتم تكوين قوة مشتركة لمراقبة وتأمين الحدود ومنذ تلك اللحظة شهدت العلاقات بين السودان وتشاد وتحسن ملحوظ وتبادل البلدين الوفود الرسمية بأعلى المستويات .

بعد الإطاحة بنظام المؤتمر ، لم يهتم المجلس العسكري ومن ثم الحكومة الانتقالية بالجارة تشاد بشكل مميز رغم أن الرئيس ديبي بادر بجمع نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو ورئيس الجبهة الثورية مني اركو في العاصمة انجمينا فيما وصل اليها أيضا رئيس المجلس العسكري عبدالفتاح البرهان في جولة خارجية شملت العديد من الدول(2019) (مصر، جنوب السودان، إريتريا، السعودية، الإمارات ) .

ويذكر الجميع كيف خرج الرئيس ديبي غاضباً لعدم ذكر اسمه او دور تشاد في خطاب ممثل قوى الحرية والتغيير عند التوقيع علي الوثيقة الدستورية أغسطس 2019. وهو امر تنبه له الأستاذ عادل عبد العاطي حيث أشار لدور تشاد وشعبها في احتضان آلاف السودانيين حيث كتب في تغريده بتاريخ 18 أغسطس 2019 (التحية لشعب جمهورية تشاد الشقيق والشكر لدولة تشاد لرعايتها لملايين اللاجئين السودانيين دون منٍ او أذى _. بعدها تمت زيارة رئيس الوزراء لتشاد. لكنها كانت مجاملات أكثر منها مبنية على نظرة استراتيجية .

تحليل swot للعلاقة بين الدولتين:

من خلال كل هذا السرد يمكن ان نقول ان العلاقة بين البلدين هي علاقة تواصل او علاقات مشتركة حيث نجد انه بعد دولة جنوب السودان نجد أن دولة تشاد هي الدولة الأقرب للسودان بسبب اللغة المشتركة والثقاقة المشتركة كما هناك تبادل تجاري كبير حيث أن معظم المواد الغذائية والتموينية تصل لتشاد من السودان ( غالباً عن طريق التهريب) وهذه من أهم الإشكاليات التي تواجهها الدولة السودانية والتي يجب حلها، مع الأخذ في الاعتبار ان تشاد دولة حبيسة وتستخدم في تعاملها الخارجي كل من ميناء دوالا في الكاميرون وميناء كتنو في بنين. ورغما عن قرب المسافة بين انجمينا ودوالا الا انه في حالة استخدام خط السكة الحديد السوداني ومده من نيالا الى تشاد باعتبار أن تشاد أرض خصبة للاستثمار السوداني.

تشاد مقارنة بالسودان دولة فقيرة حيث لا تنتج ابسط المنتجات ويتم استيراد اغلب المنتجات من الخارج مما يعطي ميزة تفضيلية للاقتصاد السوداني من الممكن استغلالها. حتى خدمات العلاج نجد ان المستشفيات السودانية مكتظة بالمرضى التشاديين وهي كلها عوامل إيجابية وسلبية يجب اخذها بعين الاعتبار ونحن ننظر لمستقبل العلاقات بين البلدين.

هناك أيضا إشكالية حدود بين البلدين باعتبار ان الحدود حدود انسيابية وهي تتكون من سهول وخيران صغيرة يمكن تجاوزها بسهولة. غياب السلطات السودانية على طول الشريط الحدودي الممتد من مناطق فور برنقا وحتى الطينة والمناطق الأخرى يسهل عملية التوغل داخل الدولة وهي مشكلة لن تحل الا بوجود علامات على الحدود وقوات مشتركة.

التحدي الاخر والكبير الذي يمكن ان يشكل عائقاً أمام تطور العلاقات هو النظام السياسي في تشاد حيث انه نظام حكم فردي (اوتوقراطي) يواجه الكثير من المعارضة ويكاد الرئيس ادريس دبي ان يكون أطول الرؤساء بقاءً في السلطة ( مع يوري موسفيني واسياس افورقي) . هذا كله ربما يجعل حكومة تشاد متوجسة من التغيير الدائر في السودان ومن عملية أي تواصل حقيقي بين الشعوب وباعتبار انه في التداخل بين الشعوب فإن الشعوب تكون تواقة لدعوة الحرية. ومن الملاحظ أنه تزامنا مع الحراك الأخير في السودان والذي أفضى لإزالة الطاغية عمر البشير حصلت بعض التحركات المشابهة في انجمينا لكن غياب المعارضة السياسية التي تم قمعها في تشاد جعل وجودها شبه معدوم وهش وهذه جزئية مهمة جدا يمكن ان تجعل النظام في تشاد قلقاً من تطور العلاقات بين البلدين بشكل جيد وانسيابي وهذا تحدى أخر بين التحديات المختلفة في العلاقات.

هناك أيضا العامل الخارجي وتحديداً الدور الفرنسي وباعتبار ان كل الحكومات الفرنسية المتعاقبة ومنذ خروجها من مستعمراتها الافريقية في مطلع الستينات كانت لها تعاقدات بل امتيازات في بعض هذه الدول بحيث تستفيد من ثرواتها ومواردها. في تشاد يستفيد الفرنسيون من الثروة النفطية لها بشكل كبير ولذلك تحاول الحكومة الفرنسية الإبقاء على الأوضاع كما هي ولو بالقوة حتى تتحقق لها مصالحها السياسية والاقتصادية من جراء تدفق البترول. هذه الجزئية يمكن حلها عن طريق حوار شفاف مع الفرنسيين وتقديم تطمينات للطرف الفرنسي ان تطوير العلاقات السودانية التشادية لا يؤدي بالضرورة لتدمير المصالح الفرنسية في المنطقة وانما يمكن ان يهدف لعلاقات جديدة أفضل بين فرنسا وشركائها الأفارقة بما فيهم تشاد والسودان.

موقف حملة سودان المستقبل من العلاقات مع تشاد:

• من ناحية مبدئية لا تتدخل حملة سودان المستقبل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وخصوصا دول الجوار، وباعتبار ان قضية الحكم في كل بلد هي امر راجع لشعبه. ولكن من ناحية أخرى فنحن ندعم حق كل الشعوب في حرية الاختيار والتعبير والحصول على الحقوق بالطرق السلمية ومع كل اصلاح سياسي يتم في دول الجوا ر.

• تقف حملة سودان المستقبل مع تطوير العلاقات مع تشاد وجميع دول الساحل باعتبار انها امتداد حضاري وثقافي للسودان، كما تقف مع تطوير الاتحاد الافريقي ليصبح اتحادا افريقيا ومع حرية الحركة والعمل والتجارة بين بلدانه، مما سيوقف مشاكل التهريب والتوغلات العسكرية والكثير من المشاكل الحدودية. على المدى القصير ندعم تنشيط الحركة التجارية بين الولايات التشادية الشرقية والولايات السودانية الغربية.

• ربط البلدين بطريق بري – حديدي ينطلق من تطوير الطرق القائمة وايصالها للحدود وذلك ضمن مشروع استراتيجي يهدف لربط بورتسودان – داكار أي البحر الأحمر بالمحيط الأطلسي ويمر بدول الساحل وغرب افريقيا.

• تشجيع تشاد حالياً على استيراد وتصدير منتجاتها عبر الموانئ السودانية بورتسودان وسواكن ، وذلك باعطاء ميزات تفضيلية للبضائع التشادية.

• تعزيز دور القوات المشتركة بين البلدين في بسط الأمن والاستقرار في شرق تشاد ودارفور, وذلك بعد الحل النهائي والعادل والشامل للنزاع في دارفور والعمل على دعم الامن والاستقرار في تشاد والعمل على تحقيق التعاون الأمني في مجال مكافحة الجريمة والإرهاب وتجارة المخدرات وغسيل الأموال والجريمة المنظمة والعابرة للحدود بما يعزز ويدعم مسيرة العلاقات بين البلدين.

• تطوير آليات التبادل الثقافي والعلمي وزيادة فرص المنح والبعثات التعليمية السودانية للطلاب والطالبات من تشاد بما يحقق ويقوي عرى العلاقات بين الشعبين.

• العمل على صياغة استراتيجية وآليات للعمل المشترك بين منظمات المجتمع المدني والأهلي والعمل على تنشيط وتطوير آليات الدبلوماسية الشعبية بما يحقق التقارب والتعاون والتواصل بين الشعبين والبلدين.

• إقامة المؤسسات والآليات والهياكل التي تعني بتنمية الأقاليم المتجاورة ومناطق التداخل من حيث الأطر المادية والبشرية بهدف ترقية الإنسان وبيئته في مناطق الحدود مما يشكل بعداً أمنياً واستراتيجياً لكلا البلدين.

• العناية في اختيار الدبلوماسيين السودانيين العاملين في تشاد من حيث الإدراك والوعي السياسي والاجتماعي والأمني والأكاديمي لإدارة دفة العمل الدبلوماسي هناك بأفضل الطرق لمصلحة البلدين.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.