آخر الأخبار
The news is by your side.

الرفاهية المزعومة مرهقة … بقلم: جعفر عباس

الرفاهية المزعومة مرهقة … بقلم: جعفر عباس

حتى قبل سنوات قليلة لم أكن قط أحمل محفظة نقود، لأسباب عديدة، من بينها انني كنت أفضل حمل نقودي في جيب قميصي كي تدفئ قلبي، ولأنه حدث أكثر من مرة أن أخرجت المحفظة في محل تجاري ودفعت المبلغ المطلوب ثم تركتها في المتجر.

ولكن الحياة تعقدت باسم التطور، وأصبح شخص لا يملك أكثر من ثلاثة دولارات مضطرا إلى حمل محفظة يحشر فيها مختلف البطاقات: الشخصية ورخصة قيادة السيارة والفيزا والماستر كارد وبطاقة العمل وبطاقة المستشفى وصورة والكروت السخيفة التي نقدمها للآخرين ويقدمونها إلينا وعليها الأسماء والعناوين وأرقام الهواتف.

ويفترض من الناحية النظرية أن الحياة صارت سهلة بفضل المخترعات الكثيرة المتاحة، فقد اختفى الهاون (الفندك) أو كاد من معظم المطابخ، ولم تعد إلا نادرا تجد من يسحن أو يطحن البهارات بالهاون، وحتى عندما نحتاج إلى نقطتين الليمون فإن هناك آلة صغيرة لعصره،.. ولكن كل ذلك لم يمنحنا الإحساس بالراحة، فقد صرنا اكثر لهاثا وتعبا نفسيا وجسديا.

ويخيل إلى أن أكبر مشكلة يعاني منها معظمنا هي عدم وفرة النقود، ولكن وكلما زادت رواتبنا ومواردنا المالية انفتحت أخاديد ومغارات لابتلاعها، ليس فقط لان كماليات الأمس صارت ضروريات، بل لأننا صرنا عبيدا لشهوة التملك، فإذا كان زيد قادرا على شراء سيارة بي إم دبليو لأنه وارث وغني ولديه فلوس بالهبل، فإن الأهبل الذي يعرف كل ذلك عن زيد، يحاول مجاراته ويشتري نفس السيارة ولو اضطر الى العيش على سندويتشات الفول والطعمية خمس سنوات حتى يصاب بالإمساك والبواسير والتهاب القولون والجيوب الأنفية، وحتى تسكن العناكب جيبه لانعدام حركة الصادر والوارد إليه ومنه!!

قبل سنوات قليلة كان من يتقاضى راتبا يبلغ نحو 3 آلاف *** شهريا يعتبر من الأثرياء، ولكن نفس الشخص الذي ارتفع راتبه اليوم إلى أربعة الاف *** لا يكف عن الشكوى من ضعف موارده المالية.

والمصيبة هي أننا صرنا مقلدين، فطقم الكراسي الذي ظهر في مسلسل “البالوعة والبنت الدلوعة” يصبح اقتناؤه فرض عين لأنه “يجنن” ولا فائدة من القول بأن سعره هو “اللي يجنن”، وأن الجماعة في المسلسل استأجروه من معرض مفروشات.. والفستان الذي ظهرت به أليسا في فيديو كليب أغنيتها “عايزة منك همسة يا أحلى من الكبسة” يجب شراؤه ولو تطلب الأمر الحصول على قرض مصرفي!

باختصار صار الآخرون يتحكمون في أذواقنا، ولم نعد نحن الآباء والأمهات القدوة والمثال الذي يحتذي به عيالنا، فقد حل محلنا مطربون و”مضطربات”، ويأتيك ابنك وقد صار رأسه مثل مؤخرة القرد فتحسب أن مكروها أصابه فيقول لك إنه طلب تلك “القَصَّة” من الحلاق اقتداء بشخص هو بالنسبة لك نكرة وبالنسبة له علم الأعلام.

والملابس المبهدلة التي يرتديها عيالنا شاهدوا مثلها في فيلم أمريكي أو كمبودي.. ثم ذلك العجين الشفاف المقرف الذي يجعل شعر رؤوسهم مثل المسامير… ذات مرة طلب مني صغيري لؤي أن أشتري له فرشة أسنان كهربائية لأن الفرشة العادية “مرهقة”!! قلت له: طلبك مرفوض لأنك تريد أن تدخل الكهرباء في فمك، وبيتنا في جزيرة بدين لم يعرف الكهرباء حتى اليوم.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.