آخر الأخبار
The news is by your side.

التجاني الطيب بابكر: لم يرتح يوماً في حياته

التجاني الطيب بابكر: لم يرتح يوماً في حياته

فتحية البدوي وعبد الله علي إبراهيم

فتحية البدوي بابكر تزوجت ابن عمها المرحوم التجاني الطيب بابكر السكرتير السياسي لولاية الخرطوم بالحزب الشيوعي وعضو لجنته ومكتبه السياسي. وكان التجاني تفرغ للعمل موظفاً بالحزب الشيوعي، كما كان يقال، منذ نعومة أظافره السياسية. لم يعرف أجر الأفندية الآخر جيبة إلا دراهم من مدرسة الأحفاد لم تدم. كرّم الله عيشه. وصح فيه قول الدكتور حسن الترابي عن أبيه القاضي الشرعي بين موظفي الحكومة من أنه كان “أفندياً مضاداً” أي أنه كان سابحاً ضد التيار لشذوذ وظيفته وثقافته.

ثم أنظر الطرق الوعرة التي ساق إليها ابن العم فتحية في مغامرته للوطن صبرت عليها بجلد وقوة وحب. وصابرت. حيوات الشيوعيين من تفرغوا للعمل لقضية الكادحين مستديرة لم تقتصر عليهم لنميزهم بل شملت دائرة واسعة من حولهم قبلوا خيار ابنهم فيها بأريحية وفدائية واحتسابا. وهذا التحقيق من الميدان عن نساء من وراء رجال قياديين شيوعيين نادر إلا في مثل ما ينعقد حول نعمات مالك زوجة أستاذنا عبد الخالق محجوب. وهن كثر. وهم كثر. وستستقر حقيقة الشيوعيين في المنظومة الاجتماعية والتاريخية للسودان متى اخترقنا حياة المناضل منهم إلى فضاء الأسرة والأصدقاء والجيران وسائر من تفهموا مطلبه وأعانوه بفدائية. وهكذا تكلمت فتحية البدوي.

من أرشيف الميدان

حوار خاص مع فتحية البدوي رفيقة درب التجاني الطيب في ذكري عامان على رحيله الميدان ٢٤ نوفمبر ٢٠١٣

هل يمكن تسليط القليل من الضوء على علاقتكما الأسرية أنت والتجاني قبل الزواج؟

أنا فتحية البدوي بابكر بنت عم التجاني وزوجته بعد ذلك، والدي كان يعمل في تجارة العيش ووالدتي آمنة بلة علي فرح. ونسكن بحي العرب امدرمان. تزوجت التجاني، وغني في حفلتنا الفنان أحمد المصطفي.

التجاني عرف السجن والمعتقلات حتي قبل زواجنا، فقد قبض عليه في مظاهرة، وتم إخفاء الخبر عن الأسرة، وحوكم بالغرامة 75 جنيه (وكانت باهظة يومها ) أو بالسجن عاماً، كان أخوه أحمد يعمل في مصلحة الأشغال في الشرق وأظنها القضارف فأخذ سلفية مرتب 3 شهور دفع بها الغرامة لإخراج التجاني وأرسل زوجته وأولاده إلينا في حي العرب ليسكنوا معانا لأنه لم يكن يستطيع بعد السلفية أن يفتح بيت.

بعد هذا الحدث فصل التجاني من العمل وكان مدرساً، ولم يعمل بعد ذلك فقد تفرغ للحزب الشيوعي.

من الأشياء التي أذكرها أن التجاني قبل زواجنا كان يخفي بعض الأوراق في شجرة ليمون في بيتنا بحي العرب، وكانت الوالدة تخشي أن يكتشفها ناس الأمن، فلما يجي تفتيش تذهب ناحية الليمونة، ولما ينتهي التفتيش التجاني يقول ليها كنت ح ( تكشفينا) علي سبيل المزاح أول اختفاء للتجاني:

أكتر حاجة هزتني وزعلتني وغيرت حياتي كان انقلاب عبود وما كنا فاكرين إنو حاجة زي دي بتحصل. أذكر أن التيجاني حضر من الخارج عشية انقلاب نوفمبر وقال لنا بكرة في انقلاب وكان أخي دفع الله معنا بالبيت، فقال للتجاني هل سينجح الانقلاب والناس كلها بتتكلم عن انقلاب حيحصل؟ فرد التجاني يمكن تسليم وتسلم او انقلاب رجعي.

صبيحة الانقلاب صحا التجاني من بدري، وعند السادسة والنصف صباحاً جلس علي الأرض أمام الراديو فسمعنا المارشات العسكرية والبيان الاول هنا قال التجاني الانقلاب حصل وأنا خارج وما تقلقوا علي يمكن أغيب 3 أو 4 يوم.هذه كانت أول تجربة لنا وكنا صغار في السن وهو كان صغيراً، لدي خروجه قلت ليه ما تقطع اخبارك فرد علي كان غبت أيام ما تقلقوا دي. في الحقيقة الانقلاب كان أول بلوي تحصل لي في حياتي. بعد أربعة أو خمسة أيام رسل لينا زول شال ليه ملابس وقال لينا هو كويس، منذ ذلك الحين لم أعرف الاطمئنان وكنت أعيش في قلق وخوف.

بعد حوالي 6 شهور سمعنا من الجرايد إنو اعتقلوه، وتفاصيل الاعتقال كما روتها الجرائد إن التجاني كان ماشي في الشارع وجات عربية نورت في وشو فعرفه أحد أفراد الأمن وتابعه إلي أن قبضوا عليه لا أدري كم مكث من الزمن في المعتقل لكنهم لم يسمحوا لي بزيارته فقط كانوا يستلمون الأشياء التي نرسلها له.

الأمن الزمن داك كان جنب الراهبات، لا أذكر هل حوكم في ذلك الاعتقال أم لا لكنني أذكر أنه حوكم ب 3 سنين سجن ونقل إلي الفاشر. أنا كنت حامل لما اعتقلوه، بعد فترة قرأنا في الجرائد أنهم أحضروه للخرطوم وح يقدموه لمحاكمة فاتصلنا بالأستاذ المحامي ميرغني النصري ومعاه زميل تاني فطمأنونا وساعدونا وقالوا لينا ما تنزعجوا. كنت طيلة هذه المدة وأنا حامل أعيش علي أعصابي، في ليلة المحكمة أنا ولد بنت وفي الصباح أهلنا ذهبوا للمحكمة والتقوا التجاني وهو نازل من الكومر قالوا ليه البت مبروكة، لما طلع من المحكمة وداير يركب العربية قالوا ليه نسميها منو قال صفية، أذكر أن صفية ولدت في اكتوبر 1959 وتوفيت بعد عام واحد.

بعد أن أكمل التجاني فترة سجنه خرج، لفترة وكنت قد تعودت علي المصائب، ثم اعتقل وتم ترحيله إلي ناقيشوط التي لم أسمع بها في حياتي إلا بعد أن سجن بها، آنذاك أنا كنت في حي العرب مع أهلي.

بعد ثورة اكتوبر 1964:

=أيام ثورة اكتوبر كنا ساكنين في أبو روف، حصلت مشاكل في الجامعة مشي حضر الندوة وجانا قال ما بقعد في البيت الزمن داك مافي مرة بتقعد براها مشيت حي العرب وحصلت بعد داك ثورة اكتوبر، بعد اكتوبر وأيام الثورة الاولي ما كان موجوداً بالمنزل، بعد استقر النظام رجع وكنا في حي العرب.

الذهاب إلي براغ:

علي أيام حل الحزب الشيوعي كنا في براغ، وكان التجاني يعمل في مجلة قضايا السلم بتكليف حزبي. اذكر أن التجاني في يوم ما كان راكب تاكسي ولاقاه أحد التشيك وقال له انتو كسبتو القضية وقبيل اذاعوها الصباح، وكان يقصد قرار المحكمة العليا بشأن بطلان حل الحزب الشيوعي، التجاني من الفرحة شال القروش كلها أداها سواق التاكسي، وجاء يدق في الباب قلت ليه انت نسيت الجرس ولا شنو؟ فكلمني وقال لي نمشي السودان قلت ليه اكتب لي ناس الحزب رسالة واعرف الحاصل وفعلا القضية ما مشت لي قدام والقرار الحكومة ابت تنفذه.

قعدنا زي سنتين هناك بعد داك رسلوا ليه قالوا ليه تعال الحزب. رجعنا، جينا أيام الديمقراطية، كانت ديمقراطية لكن نحن ما فيها – تقصد الحزب الشيوعي،

بعد 19 يوليو 1971.. الاختفاء الطويل

لما جات 19 يوليو التجاني ما جاء راجع البيت، كان في موكب تأييد وسمعنا انو ناس بابكر النور خطفوا طيارتهم بعد داك ظهر نميري. التجاني ما جاء راجع بنسمع الضرب والموت وكان في حظر تجول من 7 م، ابنتي عزة اتجننت قالت أبوي دا إلا حصلت ليه حاجة، كان في زوج اختي في البيت عمر محمد خير قال لي نمشي نفتشو وقلت ليه في حظر تجول قال لي نقول ليهم عندنا زول مفقود قمنا طلعنا زي الساعة 11 بالليل من حي العرب في الشوارع كان بلاقينا البوليس وفي الكوبري – كوبري امدرمان – منعونا، عزة قالت ليهم ابوي يمكن مرمي في مستشفي أو ميت، العساكر قالوا ليها ابوك منو كلمتهم خلونا نمشي، كانت لحظات مرعبة لما جينا في المشرحة غلب عزة تعاين للناس الميتين وكلنا ما قدرنا نعاين للذين بداخلها، قالوا لينا مافي قائمة واصبروا بعد يوم يومين الاشياء بتظهر. جينا راجعين البيت مافي أي خبر بعد اسبوع رسل لينا خبر انو كويس والناس تطمئن بعد ذاك (جبدنا نفسنا شوية ) بعد سنة من داك حتي شفناه

كنت في تلك الأيام بمشي لي فاطمة أحمد ابراهيم وسميرة اسحق زوجة زميل استشهد بنزيف القرحة كان في المعتقل ورفضوا اسعافه كانت ايام قاسية هل كنت تلاقين التجاني في سنوات اختفائه بعد 1971؟

بعد سنة من اختفائه عمل لينا مواعيد في عيادة دكتور حسن شريف (توفي) وتقابلنا هنالك،

بعد ما اختفي واستقر كنت بشوفو طوالي سكن في بيت مع أسرة وبينهم نفاج، كنت بدخل بي بيت الأسرة وامشي ليه بالنفاج.

اعتقال التجاني والكمين الأمني:

= ذات يوم مشيت كالعادة، فتح لي الباب ولد وخطيت لي خطوتين تلاتة قمت لقيت لي اتنين تانين فاستغربت جدا، لكن قلت في نفسي حصلت حاجة. لما دخلت لقيتهم خمسة الكلام دا كان زي الساعة 2، كنت بمشي ليهم بعد ما تطلع ست البيت من الشغل كانت مدرسة وبجي بعد ما تجي من المدرسة، قلت ليها الناس ديل شنو؟

قالت لي ادخلي مافي حاجة قمت دخلت لقيت البيت مقلوب والقيامة قايمة، فقالت لي جانا تفتيش أمس بالليل وقالوا لينا امشوا الشغل عادي وقعدوا في البيت عشان الناس البجوهم يجوا عادي وأي زول يجي يقبضوه، قاموا ناس الأمن سألوها قالوا ليها دي منو قالت ليهم خالتي وقلت ليهم انا خالتها وجيت من امدرمان، وبعد داك استجمعت شجاعتي وقلت ليها انت بس أي زول يدخل بيتكم ويفتشوا. الناس ديل شنو في وليه تخليهم يقلبوا بيتك وزوجك وينو؟

قالت لي في الشغل، افتعلت الهياج بينما كانت اعصابي بايظة، ولكن الكلام ما جاب فايدة، لما طلعوا انا كنت قايلة التجاني قاعد بالجانب الآخر كتبت ليه ورقة صغيرة ودخلتها تحت الباب هم ما شافوها، لما ذهبوا قالت لي ست المنزل أن التجاني ذاتو اخدوه بالليل وخلونا قاعدين وقالوا لينا امشوا شغلكم عادي، خرجت وأنا لا أري الطريق وكادت عربة أن تدهسني لولا أن سائقها نزل وأمسكني من يدي وصاح غاضباً انت جاية من وين؟ جيت البيت وما كلمت زول 3 يوم ما طلعت من الاوضة، وما مشيت لي أي زول من الزملاء قلت أجيب لي شبهة ليهم ثالث يوم جانا أمين محمد الطيب، قال لي امبارح جانا تفتيش عرفت أن ناس الأمن لم يعرفوا شخصية التجاني إلا بعد يومين من اعتقاله.

بعد داك مشيت للمحامي ميرغني النصري، قال لي انت امشي اقعدي في البيت واطمئني مشوا الامن وسألوا منه، بقوا ليه حماية دي استمرت 10 شهور لحدي ما قدموه لمحاكمة زنزانة مظلمة:

في الأمن كما حدثني التجاني كان في زنزانة مظلمة، وممنوع من الورق والأقلام، كنت عبر طرق عديدة أدخل له (سنن) أقلام الرصاص وورق وبعض الجرائد ومن ضمنها الميدان السرية، وهو كان يرسل عبري رسائل للحزب بنفس الطريقة.

لما ذهب لسجن كوبر كنت الاقيه بانتظام والمقابلات في أحيان كثيرة في مكتب مدير السجن.

ليلة انقلاب الجبهة الإسلامية:

حوالي 3 صباحاً دق الباب، التجاني ذهب وفتحه، كان في ضابط لونه اصفر ومعه آخرين قالوا للتجاني القيادة العامة عملت انقلاب وقالوا يتحفظوا عليك، وكان يقول للتجاني نحن مستعجلين بينما كان التجاني يجهز بعض المستلزمات من غيار ومعجون وخلافه، بعد داك عرفت أن الضابط قتل في نفس الليلة أمام السلاح الطبي، السفر للقاهرة:

لم يأت بعد ذلك التجاني للبيت حتى بعد أن خرج من الاعتقال، ثم عرفنا أنه وصل مصر،

أتت قوة من الأمن في نهار يوم، ولم نكن موجودين، فتسلقوا الحائط وفتشوا البيت ربما كانوا يعتقدون أن خبر وصول التجاني لمصر كان بغرض التمويه. حدثنا أحد الجيران بأن أحد الصحفيين المشهورين (الإخوان) كان برفقة أفراد الأمن.

مع التجاني في مصر:

كانت حياة التجاني بمصر كلها عمل شاق لأجل الحزب والتجمع، كانت هنالك رقابة أمنية مصرية عليه، سافرت معه مرة لأسمرا، وكان يجلس طويلاً على مكتبه بالبيت يكتب ويقرأ ويتابع أخبار السودان. كما كانت اجتماعات التجمع تأخذ الكثير من وقته.

لم يرتاح يوماً في حياته.

ماذا يمكن أن تقولي عن هذه السنوات الحافلة؟

كنت أحياناً أشفق علي التجاني من حياة المطاردة والسجن والاعتقال، وأقول لنفسي أنه لم يرتاح يوماً في حياته، لكنني استدرك بأنها الحياة التي وجد فيها التجاني نفسه وعاش بها ولأجلها.. من أجل حزبه ومبادئه ولأجل الناس والبشرية، كان يفرح عندما يكون العمل الحزبي ماشي كويس، ويغضب عندما يساء للحزب الشيوعي.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.