آخر الأخبار
The news is by your side.

الاقتصاد السياسي للسودان .. وراء كل نهضة أزمة

الاقتصاد السياسي للسودان .. وراء كل نهضة أزمة

بقلم: د. سبنا امام

رغما عن كل التحديات لماذا انا متفائلة بمستقبل الاقتصاد السوداني؟

لقد درجنا على تلمس مواطن الإخفاق في أداء الحكومة الاقتصادي منذ بداية الحكم الانتقالي من باب( الشفقة ) تارة كما يقول اهلنا في السودان ومن باب الحس والانفعال الثوري تارة اخرى . ولكني ارى انه من الاهمية بمكان ان نعرف أيضا مواطن القوة بقدر وعينا بمواطن الضعف حيث ان الاولى هي زادنا للمستقبل والاخيرة هي معين التجربة والحكمة الذي نستبين بنوره مواطن الخطر.

نعلم ان الاقتصاد السوداني اليوم في ازمة اقتصادية عميقة وحمل اقتصادي ثقيل تنؤ به العصبة من فطاحلة الاقتصاد. ولكن فقط في مثل هكذا ظروف تلوح افضل الفرص وتحدث المعجزات. واليوم وان كنا نستشرف عهداً جديداً بخزائن خاوية الا اننا نرى فيه فرصاً غير محدودة لتحقيق نهضتنا الكبرى التي لطالما اشرأبت لها الاعناق انتظاراً وبذلت فيها التضحيات دون كلل او ملل جيلاً بعد جيل يثور على الظلم والطغيان ويقهر الدكتاتوريات وصولاً لدولة العدالة والرفاهية الاتية لا محالة وان تطاول عليها الزمن. ولنتأمل الان فرص البلاد المتاحة للقفز نحو واقع اقتصادي وسياسي افضل:

اولا يحتاح السودان لان ينمو فقط بمعدل 3% ليضاعف الناتج الاجمالي المحلي الحالي في ثلاثة عشر سنة .فاذا امضينا ثلاث سنوات منها في عملية اصلاح مؤسسي واقتصادي عميقة وشديدة الانضباط ضاعفنا ناتجنا المحلى في عشر سنوات.

ثانيا هذه الحقيقة تتزامن مع ان معدل نمو السكان في السودان حوالي 2%وعليه فاذا حافظنا على معدل نمو الاقتصاد فقط عند مستوى 3%سنويا سيكون معدل نمو الاقتصاد اكبر من معدل نمو السكان وعليه سيزيد نصيب الفرد من الناتج المحلي بشكل تلقائي كل عام مما يعني مزيدا من الرفاه.

ثالثا وان كنت أرى ان البلاد يجب ان تتجه للتصنيع المكثف في خطتها بعيدة المدى وذلك لان الابتكار هو السبيل الوحيد لنقل منحنى امكانيات الانتاج الى اعلى والابتكار في العلوم والادارة هو الابن الشرعي للتصنيع والتجارة. فاننا في المدى المتوسط نستطيع ان نحقق معدد النمو هذا (3%)فقط بالاعتماد على الزراعة والثروة الحيوانية مدعومة بالإصلاح المؤسسي والاقتصادي الذي يحقق النمو الشامل.

رابعا السلام رغم كل تحفظاتنا عليه هو خطوة كبيرة ينبغي ان نحافظ عليها ونطورها وان نعمل على انجاحها بمصانعة عيوبها فالسلام سيضع حداً للتراجع السنوي في ناتجنا الاجمالي والذي قدر في احدى الدراسات ب26% . وبلغة اكثر دقة فإن اي جنيه ينفق في المجهود الحربي كان يؤثر سلبا على الناتح المحلي بنسبة 26% وعليه فنحن بوقف الحرب على اقل تقدير نوفر هذة الخسائر.

خامسا الفرص اللا محدودة التي باتت تتيحها التغييرات الاستراتيجية التي فرضتها ظروف العالم والاقليم وتزامنت مع سير السودان نحو تحول ديمقراطي نتمنى بل يجب ان نعمل جاهدين على اكتماله فكل ما نحتاجه لترسيخ الديمقراطية هو ان نتمكن من اقامة انتخابات خرة ونزيهة لخمس دورات متتالية حسب ادبيات العلوم السياسية.

سادسا هذه الظروف حولت السودان من دولة مهده للسلم العالمي لدولة محورية في الامن الاقليمي والدولي فوجود ديمقراطية بدولة بحجم السودان الجغرافي وامكاناته يجعله حليفا قويا ويؤهله ليكون هيجينوم. كذلك سيكون السودان اكبر ديمقراطية افروعربية واكبر ديمقراطية اسلامية في افريقيا.وهو هدف ينبغي ان نعض عليه بالنواجز.

سابعا لأول مرة في تاريخ العلاقة بين مصر والسودان لم يعد السودان هو الباب المزرعة الخلفية لامن مصر بل في قلب بيتها فسد النهضة خلق وضعا اصبح فيه السودان رمانة الميزان في امن الدولتين ولا ينبغي ان يميل لاي منهما فقوته في وضع التوازن وان كان عصيا. كذلك ينشهد تطورا ضخما في الاكتشاف التاريخية التي ستعيد للفراعنة السود مكانتهم في حضارة وداي النيل وسيصبح السودان قبلة سياحية كبيرة اذ ان السودان سيتبنى نموذجا اقتصاديا يقوم على التنوع لا اقتصاد السلعة الواحدة.

ثامنا ايضا بات السودان مهما لامن اسرائيل (سواء طبعنا معها ام لم نطبع) بل انه الاهم منذ ان تم تطوير الترسانة العسكرية السودانية بعد حرب الخليج والتي دعمتها اموال النفط فالجيش السوداني على عيوبه من اقوى جيوش المنطقة بعد انهيار جيوش العراق وسوريا وليبيا . فالجيش السوداني بات يلعب دورا حاسما اقليميا.

تاسعا يمتلك السودان واحدا من اكثرا اجهزة الامن تعقيدا وتمتلك هذه الاجهزة مفاتيح اهم الملفات خطورة في المنطقة كالاتجار بالبشر وغسيل الاموال والارهاب فالسودان كان مرتعا لكل هذة الانشطة في سنواته الثلاثين الماضية وهي وان كانت اضرت بالبلاد الا انها اوجدت كما استثنائيا من المعلومات شديدة الحساسية.

عاشرا توغل الحركات في حدود البلاد الغربية ودول كليبيا وتشاد وان كان مضرا ولكنه اعطى السودان ايضا فرصة كبرى للمساهمة في اعادة تشكيل المنطقة فلطالما حارب القذافي استقرار الديمقراطية في السودان واليوم يمكن للسودان ان يستفيد من تواجده الامني والعسكري في دعم التحول الديمقراطي في ليبيا فالحركات هي جزء من السلطة اليوم ويجب ان تضخ خبرتها في خدمة المشروع السوداني الكبير.فأن تحاط بديمقراطيات خير من ان تحاط بدول يحكمها عسكر.

واخيرا ولكنه الاهم راس المال البشري ورأس الرمح في التنمية يمتلك السودان اليوم عددا كبيرا من الجامعات التي تخرج سنويا آلاف الخريجين وبغض النظر عن مستوى الجامعات فأنا اعده كافيا لمستوى التنمية في البلاد وسيتطور بتقدم العملية التنموية وزيادة تعقيد التركيبة الاقتصادية فكلما اصبح الاقتصاد اكثر تعقيدا كلما تطورت الجامعات ومخرجاتها و لكن في هذه المرحلة من المهم الكم وسيتطور الكيف تدريجيا. هنالك ايضا ابناء العقول السودانية في الخارج من الجيل الاول والثاني والثالث من المهاجرين والذين يمثلون قوة جبارة ودعما نوعيا للاقتصاد اذا ما تم استيعابهم فما قد يحققونه من نجاحات في السودان اكبر لانه مازال ذاخرا بالفرص التي تقلصت كثيرا في الاقتصادات التي يعيشون فيها لكون انها وصلت مرحلة الانتاجية القصوى ولم يعد هنالك من مجال كبير لزيادة ناتجها الاجمالي ولذلك تركز هذه الدول على كفاءة التوزيع اكثر من زيادة الانتاج.

لا احاول هنا ان ارسم صورة وردية ولكنني احاول ان ارسم الصورة الكبرى التي غالبا ماتضيع وسط التفاصيل وتذكروا دائما ان الوجه الثاني لأية مشكلة هو الفرصة الكامنة داخلها.

ولان السودان اليوم يواجه اكبر مشاكله فإنه ايضا يحظى بأكبر فرصه وعلينا كشعب وسياسيين ان نعي هذة المشكلات ونرى بوضوح هذة الفرص اذا كنا نريد ان ندرك ذلك الضوء الخافت في آخر النفق.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.