آخر الأخبار
The news is by your side.

استراحة الجمعة : اباء وابناء … بقلم: د/ ناهد قرناص

استراحة الجمعة : اباء وابناء … بقلم: د/ ناهد قرناص

روي ان فتاة جاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت (ان ابي زوجني ابن اخيه ليرفع به خسيسته فجعل الامر اليها فقالت قد اجزت ما صنع ابي ولكن اردت ان تعلم النساء ان ليس الى الاباء من الامر شئ) رواه النسائي وابن ماجة .

الحديث الشريف اعلاه اخترته ليكون مدخلا لفتح باب النقاش في موضوع زواج البنات ..متخذين قصة الفتاة التي خرجت من بيت ابيها وتزوجت دون موافقته واعلنت ذلك عبر فيديو تم تداوله بكثافة ..بين الأسافير بمختلف انواعها ..ونالت الفتاة شهرة وصارت من النجوم بين يوم وليلة.

قبل فتح الملف نود قول ان القصة حادثة فردية … ..فالمتعارف عليه في بلادنا هو الزواج بموافقة الولي ..وتلك التي لا يوافق ولي امرها مباشرة ..تجدها تذهب لاقرب الناس اليه للتأثير على رايه واستجداء موافقته ..دا العادي والمتعارف عليه ..لكن لو حدث تعنت ورفض للزواج ..يحصل شنو ؟

خلينا نناقش الامر بهدوء

السؤال الأول ..هل خالفت الفتاة الشرع بالزواج امام القاضي ؟ الاجابة في رايي ..(لا) بصريح العبارة ..لان اكثر المذاهب تشددا ..تسمح للفتاة باللجوء للقضاء بقصد الزواج اذا كان ولي الأمر متعنتا ورافضا لزواجها من الرجل الذي تقبله هي ..ولو رجعنا الى صفة الزواج نفسه ..لوجدنا ان ولي الامر يقول للعريس امام المأذون (لقد زوجتك موكلتي البكر الرشيد على الصداق المسمى بيننا) ..ويرد العريس (قبلت زواج موكلتك) ..مما يعني ان البكر توكل ولي الأمر لتكملة اجراءات الزواج ..يبقى من باب اولى ان تزوج نفسها ولا شنو؟ .

طيب نمشي شوية لي قدام ..لو افرغنا الامر من البروباغندا التي لازمته والفيديو والهروب من المنزل والحاجات دي (لان تلك قصة اخرى فعلا) ..وتصورنا القصة منذ بدايتها..وفككنا المشكلة الى اصولها الاولية ..يمكننا بقليل من الخيال تصور السيناريو الذي حدث ..الفتاة التقت الشاب المعني ..احست تجاهه بمشاعر الود والمحبة ..الشاب كان مسؤولا جدا ولم يتلاعب بها ..وتقدم الى اسرتها …التي رفضت رفضا باتا لاسباب تخصها ..ولم تترك للفتاة مجالا للمناقشة ..الفتاة بدورها بعد ان اغلقت الابواب في وجهها ..قررت الزواج عن طريق قاضي ..وتزوجت على سنة الله ورسوله حسب القانون والشرع.

زواج بي قسيمة .. زواج مكتمل الاركان .لان القاضي ينوب عن ولي الامر في هذه الحالة ..والحديث الذي استشهدنا به في المقدمة ..لخص الامر كله في ارجاع النبي صلى الله عليه وسلم الامر للفتاة ..فهي صاحبة الامر والنهي ..وهي التي تقبل وترفض ..وهي التي تقرر الاستمرار او عدمه ..فما بال الآباء ينكرون على البنات ابسط حقوقهن ؟..وهو اختيار من ستمضي بقية عمرها معه ؟

وتنجب اولاده وتقضي حياتها بجانبه ؟ ..المذاهب الأربعة ..اختلفت في موافقة ولي الامر او عدمه ..لكنها اجتمعت على ان القاضي هو ولي الامر في حالة غياب الولي او تعنته ورفضه تزويج الفتاة دون اسباب مقنعة.

السؤال الثالث .ماذا كان يضير الأب عندما وجد اصرار ابنته على الرجل ..لو قال لابنته (انا الزول دا شايفو ما مناسب ليك وما مقتنع بيهو ..لكن لأنك زولة كبيرة وممكن تتحملي نتائج اختياراتك ..انا حازوجك ليهو) ..ويا دار ما دخلك شر..اعرف كثير من الآباء لم يكونوا سعداء بخيارات بناتهم او ابناءهم .لكنهم وافقوا على مضض ..واكملوا زيجات اولادهم بكل اريحية ..(دقوا الصيوان وعملوا العقد قدام البيت )..لماذا ؟ ..لانهم يريدون سعادة فلذات اكبادهم اولا ..وثانيا لأن تلك حياة الابناء وليست حياة الآباء.

فمن باب أولى تركهم يعيشون خياراتهم بعد ارشادهم ومقارعة رايهم بالحجة والموعظة الحسنة ..الغريب في الامر ان المجتمع السوداني يقيم الدنيا ولا يقعدها في قصص فردية مثل القصة أعلاه ..قصة لا تحدث كل يوم ..لكن ذات المجتمع يقف متفرجا على الآباء الذين يجبرون البنات على الزواج دون موافقتهن ولا حتى استشارتهن ..وما اكثر النوع الاخير.

هذه الحادثة لا تحسبوها شر لكم ..بل فيها خير كثير ..على الاقل جعلتنا نناقش تفاصيل مهمة في شان الاسرة والزواج ..وفتحت ابواب النقاش بين الاجيال والاباء والابناء ….لا اعتقد ان احدنا يتمنى ان يكون مكان ذلك الأب ..كلنا نحلم بان يتزوج اولادنا وبناتنا بالعديل والزين ووسط باقات دعاء الطيبين ..لكن لو حدث امر غير مرغوب فيه (لا قدر الله) ..فمن المهم مناقشة الظاهرة بهدوء ..وارجاع الامر للشرع والقانون …ومعرفة حدود تجاوزها من عدمه ..هذا هو المهم ..غير كدا يبقى كلو (ونسة وكلام وتساب).

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.