آخر الأخبار
The news is by your side.

اتفاق البرهان – الحلو … تسوية سياسية على وقع الابتزاز

اتفاق البرهان -الحلو ….تسوية سياسية على وقع الابتزاز

قراءة: الفاتح داؤد

في خطوة لم تخلو تفاصيلها من عنصر المفاجأة السياسية،وقع الجنرال عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وزعيم الحركة الشعبية عبدالعزيز الحلو،في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان ، على وثيقة المبادئ العامة، التي سوف تعبد الطريق أمام الطرفان، للانخراط في مفاوضات سياسية ،يتوقع لها ان تكون شائكة ومعقدة ،نظرا لطبيعة الملفات التي سوف يتم التفاوض حولها،بين طرفين اتسمت العلاقة بينهما بالتصلب، والتعنت والاصرار على التمسك بالسقوفات التفاوضية العالية، دون إبداء قدر من المرونة .

فالحكومة الانتقالية تبدو الان في حاجة إلي تحقيق انتصار سياسي جديد ،يفضي الي استكمال مشروع السلام ، ويعزز من فرص النجاح الذي تحقق، في ملف دارفور والنيل الأزرق ،لذلك ستدخل المفاوضات القادمة مع مجموعة الحلو، وهي اكثر تحررا من الضغوط السياسية والإعلامية ،نتيجة تحسن موقفها التفاوضي ،كما ساهم اتفاق جوبا ،في اعادة ترميم الصورة الذهنية الباهتة للسلطة الانتقالية،التي تصدعت كثيرا بعد الفشل في إدارة عدد من ملفات الحكم، مما ادي الي تٱكل شعبيتها بصورة كبيرة،رغم الدعم السياسي والدبلوماسي الذي حصلت عليه من قبل الهيئة الاممية والمنظمات الاقليميةو الدولية، خاصة مجلس الأمن الدولي الذي مارس ضغوطا كبيرة،على حركة الحلو لارغامها على التفاوض مع الحكومة الانتقالية دون شروط مسبقة .

وبعد وصول البعثة السياسية الاممية،يبدو ان حركة الحلو قد بدأت في إعادة تقييم مواقفها السياسيةالسابقة، خشية المواجهة مع المجتمع الدولي، لذالك قررت الجلوس على طاولة التفاوض ،وهي تتأبط حزمة من الملفات السياسية، التي ظلت تستحوذ على حيز مقدر من مرتكزات مشروعها السياسي ومحدداته الفكرية، القائمة على ضرورة بناء سودان جديد،يستند الي فصل الدين عن الدولة، وهو بمثابة الحلم الذي قتلت لاجله قيادات الحركة الأم ،حتي لحظة الانفصال، وظلن تترقبه الزعامات اليسارية.

ويبدو واضحا من خلال خلال خطاب الحركة،ان مشروع السودان الجديد لايعني، مجرد إشارة إلي تغيير سياسي محدود في هيكل الدولة السودانية،حتي يستوعب التنوع العرقي والثقافي ،بقدر ما هو إشارة الي تغيير شامل في( بنية) الدولة السودانية ( الثقافية والاجتماعية)، التي يرتكز عليها الهيكل الاداري والقانوني للحكم.

لذلك لم يكن مفاجئا توقيع الحلو رئيس الحركة الشعبية شمال ،مع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك على اعلان اديس ابابا ،الذي آثار حينها عاصفة من الجدل، وهي ذات الأفكار التي وقع عليها البرهان في جوبا مع اختلاف طفيف في الصياغة دون المضمون ، حيث اشار مبادئ جوبا صراحة الي علمانية الدولة، وهو البند الذي من المتوقع أن يضع البلاد أمام سيناريوهات مفتوحة من المواجهة السياسية والفكرية، وربما يدشن عمليا لحالة من الاستقطاب والاصطفاف السياسي للتعاطي مع المشروع العلماني ،الذي تحاول قوي اليسار المتحالفة مع الحركة الشعبية ، جعله شرطا ضروريا لتسوية الأزمة السودانية، دون حتي احترام خيارات الشعب السوداني، خاصة وأن هذا الخيار (لفرط حساسيته) تحاشت معظم ادبيات الاحزاب السياسية،حتى المحسوبة على اليسار الإشارة إليه صراحة. بل يكاد يخلو التاريخ السياسي السوداني من حزب سياسي نادي بالعلمانية صراحة، ضمن مفردات برنامجه السياسي.

ذلك لاعتبارات اجتماعية وسياسية، وان المصطلح المثير للجدل، لم يخرج بعد من فضاء الفلسفة والتنظير الافتراضي ،و لاتوجد تجربة سياسية ملهمة، حتي في عمق الفلسفات والنظريات التقدمية كالماركسية والقومية للاقتداء بها .

والمفارقة حتي ان زعيم اليسار الراحل محمد ابراهيم نقد،كان قد قدم في معرض مراجعاته الفكرية،مقاربة واضحة حول المسألة العلمانية، خلص فيها إلي ضرورة سودنة المفهوم وتكييف المصطلح، بدلا من تبني العلمانية المتطرفة ، في بيئة غير متصالحة مع منتوجها الأخلاقي والثقافي .

كما طرح لاحقا الحزب الشيوعي مصطلح الدولة المدنية، الذي شاطر الفكرة مع اخرين من (اليمين) بعيدا عن اي مسميات فلسفية، وهو ما أفضت إليه لاحقا مقررات مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية(1994)، الذي وافقت عليه الحركة الشعبية لتحرير السودان انذاك، ووقعت استنادا عليه علي اتفاق الشامل السلام مع حكومة الإنقاذ، وهي ذات الاتفاقية التي أفرزت دستور (2005)م الانتقالي، الذي مثل افضل مرجعية دستورية توافقت عليها حتي القوي السياسية، التي تتصدر الان قيادة المرحلة الانتقالية .

وكان يتعيين علي الحركة الشعبية وحلفاءها التامين علي دستور نيفاشا لإدارة الفترة الانتقالية، حتي كتابة دستور جديد يحظي بالتوافق بين كل السودانيين،لانه يعد الاحكم نصوصا والاكثر إجماعا والأوسع توافقا،ولو اقتضت الضرورة ،ادخال بعض التعديلات علي نصوصه، حتي تنسجم مع واقع التغيير الجديد ،ولكن يبدو أن الحركة وحلفاءها،قد اختاروا المسار الآكثر تطرفا في مقاربة الامور، وهو مسار لايخلو من ابتزاز ومزايدة سياسية ،وهو ما قد يفتح الباب امام تنامي حالة الاستقطاب حال طرح العلمانية شرطا لتسوية الأزمة السودانية،وهو الخيار الذي سيمنح خصومها فضاء واسعا، لاعادة انتاج خطاب سياسي جديد للتعبئة ضد مشروعها العلماني .

وقد كان يجدر بالحركة اعادة قراءة وتقييم ردود افعال اتفاق أديس أبابا جيدا ،قبل الدخول في مستنقع الازمة،الذي افرز تباينات عميقة، حتي وسط اطراف قوى الحرية والتغيير، التي وصف بعضها مشروع الاتفاق بالكارثي، لكونه تجاوز المتعارف عليه سياسيا ،وصادر حق الاخرين في تحديد خياراتهم السياسية ،بعد أن احتكر الفصل في قضايا مصيرية مثل كتابة الدستور الذي يحكمهم.

لان الدساتير لا يتم فرضها على الشعوب بالإكراه ، بل هي من تصنع دساتيرها وتحدد كيف تحكم .
ان محاولة مجموعة سياسية من مكونات الشعب، فرض رؤيتها، وتصورها للحكم علي الأغلبية،بما يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، وفلسفة الحكم التي تقوم عليها الدولة المدنية الحديثة.

ولعل الاخطر من كل ذلك ورد التلميح الخاص بالمنطقتين، الذي قد يدشن عمليا لارضية الانفصال، و يؤسس لابرام تسوية جهوية و قبلية بعيدا عن الاطار القومي، لأن مجرد الإشارة الي ذكر كلمة شعب النوبة في ثنايا الاتفاق الحلو حمدوك السابق ، تعني ضمنا ان هذا المكون ،لا ينتمي إلي بقية الشعب السوداني، ويؤسس لقبلية مرفوضة في اطار دولة تنادي فيها ذات الحركة بضرورة احترام التنوع والتعدد.

لقد نسف اتفاق المبادئ، حتى ما كانت تنادي به الحركة الشعبية الام في مقاربتها لأزمة الحكم..
والمفارقة أن حركة الحلو ، قد عملت منذ اتفاق أديس أبابا ،علي حشد حلفاءها وتعزيز شراكاتها السياسية، حتي تستطيع تامين جبهة إسناد سياسي واسعة ،لتمرير رؤيتها، ووفقا لذلك وقعت على اعلان سياسي مشترك مع تجمع المهنيين، لم يحقق قفزة سياسية جديدة في دفع عملية السلام، بل كرر ذات أطروحات الحركة الشعبية ، فقط الاختلاف الوحيد مع اطروحة الجبهة الثورية هو المطالبة، بضرورو التوافق على الدستور عبر استفتاء شعبي قبل نهاية الفترة الانتقالية،وهو ماتم الاجهاز عليه في اعلان المبادي الأخير الذي نادي بضرورة تطوير الوثيقة الدستورية الي دستور دائم في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ وضع الدساتير .

ولكن للمفارقة فقد نسي الرفاق في تجمع المهنيين ان دورهم المحوري يكمن في ملف النقابات وتوحيد الاجسام المهنية في ميثاق تأسيسي لبناء نقابات مستقلة في إطار الوفاء باستحقاقات الثغببر ، ولكنهم بدلا عن ذلك تحولو الي رافعة سياسية، لدعم المشروع العلماني في استغلال فاضح للواجهات الثورية ،كما نسي الحلو وحلفاءه أن اتفاق المهنيين مع فصيل مسلح علي حساب فصائل مسلحة أخرى، قد يضفي نوع من التمييز السلبي لمفهوم الكفاح المسلح الذي تحرسه قضايا جوهرية، وتعقيدات مطلبية ينبغي ألا تخضع للمزايدة والاسغلال، كما لم يخرج حتي الآن ذات التجمع الي الرأي العام ، ببيان واضح يتحدث صر احة عن اتفاق جوبا للسلام، وما حققه من مكاسب لاهل دارفور ، بل إرادت انتهازية التجمع الحكم عليه بالفشل ،وكأن رفاقهم في الجبهة الثورية تنقصهم القيمة الوطنية.

ولعل الاصرار علي فصل الدين عن الدولة، قد تمثل وجهة نظر موضوعية لأحد الفصائل السياسية، ولكنها ليست ملزمة للآخرين ،مالم تأتي عبر الآليات الديمقراطية التي تحددها جماهير شعب السودان، وبالتالي ليس من حق اي جهة مناطقية او سياسيةفرضها رؤيتها علي الآخرين.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.