آخر الأخبار
The news is by your side.

أيهرع العالم لأجلنا و نحن هكذا؟

أيهرع العالم لأجلنا و نحن هكذا؟

بقلم: د. محمد عبدالله كارا
استنكر كثير منا ان العالم لم يهرع لمساعدة السودان و اغاثة اهله و قد اصابهم مصاب جلل جراء اكبر فيضان في التاريخ و مستوي الخسائر فاق ما خلفه انفجار ميناء بيروت بمراحل. فيما هرع العالم لتقديم مساعدات كبيرة جداً للبنان كانت الاستجابة لفيضانات السودان فاترة جداً.

لا تعجبني المقارنة مع كارثة بيروت و لم أتعمق في مراقبة الوضع اللبناني حتي أقارن عن فهم و دراية و لكن سأحاول تفسير فتور الاستجابة الدولية لكارثة الفيضانات التي اجتاحت السودان مخلفة مئات الضحايا و مدمرة لمئات الآلاف من المنازل.

تفسيري هو ان ما نعكسه للعالم يوحي بل و ربما يبرهن اننا لسنا دولة محترمة تستاهل المساعدة و المناصرة كما ظن العالم بعد الثورة، و الاسباب من وجهة نظري هي:

1. عملية تقاسم السلطة تبدو أنها صورية فقط حيث واضح للجميع بما في ذلك العالم الخارجي تحكم العساكر في مفاصل الدولة بل و سعيهم الحثيث لإفشال الحكومة المدنية. العالم يريد حكومة واحدة موحدة ذات اهداف متفق عليها و يعمل الجميع لأجلها و لا يعاكس شق الشق الاخر. العالم ليس أعمي و يري كل ما يدور و يفهمه جيداً و لا يقدره.

2. العالم يريد مصداقية و شفافية و مؤسسية و كل هذا معدوم لدينا. كمثال بسيط: لا احد يفهم لماذا تخلصنا من أكفأ وزير صحة مر علي البلاد و جائحة كورونا في أوج عنفوانها. مثال آخر، رئيس مجلس السيادة يجتمع برئيس الوزراء الاسرائيلي بينما يتم إقالة متحدث بوزارة الخارجية صرح أدلي بتصريح حول التواصل مع إسرائيل و الرغبة فى تطبيع العلاقات. مثال ثالث وزارة المالية ليس لها تحكم علي ايرادات أكثر من ثلاث ارباع من دخل الدولة، كما قال رئيس الوزراء في احدي اللقاءات المتلفزة. مثال أخير، تبادل الاوراق المالية خارج الاطر البنكية و تجارة الذهب غير القانونية يسيطران علي سعر الصرف و علي السوق السوداني و اقتصاد البلاد و لا أحد يبدو قادراً على إيقاف هذا التخريب المتعمد. (ربما يتغير الامر حيال المثال الاخير عقب اجراءات اعلنت للتو).

3. توقع الجميع ان يتم السلام بسرعة بعد زوال الديكتاتور الذي حاربت حركات عدة ضده، لكن للأسف عملية السلام نفسها لم تكن عملية قومية جامعة تملؤها الإيجابية و الأمل و التفاؤل و العزيمة لبناء سودان موحد و قوي، بل هنالك اطماع افرزتها عملية السلام و هنالك عدم تجانس بائن للعيان و هنالك تشتت اثناء التفاوض، كل هذا زاد من عدم مصداقيتنا كشعب و كجهات تمثل البلاد. حتي الاحتياج للتفاوض خارج البلاد قد أفقد عملية السلام جزء من مصداقيتها و احتمال ديمومتها. ربما لكل هده العوامل مبرراتها، لكنها مبعث للاحباط و عدم الثقة في متانة و صلابة و ديمومة اتفاق السلام. العالم لا يثق في قوم قاموا بثورة جبارة ثم عادوا بعدها كما كانوا لا يقدرون بعضهم البعض كامل التقدير و لا يأتمنون لبعضهم البعض و لا يضعون اوطانهم في حدقات اعينهم قبل كل شئ.

4. العالم يعرف ان لا احد يلتزم بالوثيقة السياسية و لا الوثيقة الدستورية الذين و لو افتراضيا يتم حكم السودان بموجبهما الان. أبسط مثال الاتفاق هو ان يكون المجلس السيادي تشريفي و ليست له سلطات تنفيذية. العالم يري بأم أعينه ان عساكر المجلس السيادي متحكمين في أهم الملفات بما فيها الامن و الدفاع و الاقتصاد و عملية السلام و جزء كبير من العلاقات الخارجية. مثال اخر الاتفاق نص علي تكوين حكومة من التكنوقراط المستقلين و ذوي الكفاءة، لكن الحكومة تكونت بمحاصصات حزبية و معظم الوزراء في وادي و الكفاءة في واد اخر.

5. ربما أهم ما أحبط العالم فينا اننا كدولة لم نتصرف و كأن كارثة قد أحلت بنا، لم نكن حتي و كأننا كمكلومين أو منكوبين، و هنا أقصد الحكومة و الاعلام و القوات النظامية خاصة الجيش. الحكومة لم تنشئ غرفة طوارئ حقيقية تدير الموقف علي مدار 24 ساعة علي مرأي و مسمع من الجميع متسيدة الموقف علي الارض و في وسائل الإعلام. ربما هنالك غرفة طوارئ هزيلة و لكن بكل تأكيد لا تبقي لمستوى الكارثة. رئيس مجلس سيادة الدولة زار اريتريا و استقبل الطرق الصوفية و اجتمع بأذيال النظام السابق و غيرها من الانشطة التي تبدو ساذجة في مثل هذه الظروف. رئيس الوزراء اختفي فيما عدا زيارته احدي المناطق المنكوبة. وزير الري عندما ظهر ذاع لنا مناسيب النيل و هو يبتسم و كأنه تلميذ يظفر بمعرفة الاجابة الصحيحة عندما سأله الاستاذ ان يذكر مناسيب النيل. الجيش لم يظهر كما تظهر الجيوش في الكوارث حيث ينبغي ان يقود حملات الانقاذ و الاغاثة و التصدي لمناطق الهشاشة بكل قوة و عزيمة و بإستخدام كل ما لديه من آليات ثقيلة و معدات و قوة بشرية تقدر بمئات الآلاف من الجو و الضباط. للأسف لم يكن للجيش اي دور جدير بالذكر. اما الاعلام فحدث ولا حرج، فهم في أغانيهم و رقصاتهم شاردون.

بإختصار، لم تقم الدولة و الاعلام و الجيش بما يظهر انهم يتعاملون مع الكارثة بقوة و جدية و مهنية و عزيمة تعكس مستوي الكارثة. أنغني و نرقص و نبتسم و نزور اريتريا و نتوقع ان يهرع العالم لانقاذ ابناءنا من الغرق و بيوتنا من الهدم؟

خلاصة القول، العالم لا يحترم من لا يحترم نفسه و العالم لا يثق في من لم يلتزم حتي بقوانينه و دستوره الذي وضعه بنفسه، و العالم لا يهرع لانقاذنا و نحن نرقص و نغني و نزور دويلة مجاورة لا تسمن و لا تغني من جوع و نجتمع بممثلي الطرق الصوفية و نتضاحك مع اذيال النظام السابق.

سنظل دولة تافهة في نظر العالم ما لم يكن لنا مشروع وطني واحد و موحد يؤمن به أغلب الشعب و تعمل جميع أجهزة الدولة لأجله تحت قيادة واحدة شفافة و صادقة لا يهمها غير ما يهم الشعب و يؤرق مضجعه و يفقر حاله.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.