آخر الأخبار
The news is by your side.

يا أسود / إبراهيم الخليل

٢٠٠٧
الجرح الأول:

(يا أسود)

بقلم: إبراهيم الخليل

كمبو ذو الخمسة أعوام يعود من مدرسته الابتدائيه متسخ الثياب يملئ وجه الأسى الممتد من عينيه يسأل أمه ويكرر السؤال كثيراً ” لماذا خلقني الله أسوداً”
أمه كلتومه تهدأ روعه وتخبره أن الله لم يخلقه وحده أسوداً فأكثر من نصف من هم في بلاده سود، وهذه ميزه وليست نقصان في الخليقه من الخالق، يسأل سؤالاً آخر
” ماذا نفعل هنا اذا كان هذا ليس مكاننا”؟ تستصعب أن تخبر الطفل أن الحكومه والفقر والحرب طردوا والده قبل اكثر من أربعين عاماً فهاجر ليعيش غريباً، ترد” سنعيش هنا الا أن يأذن الله العوده” ، يبكي ويعلوا صراخه وهو يتوسل أمه العوده الآن وحالاً لكن دون جدوى نام وهو يتخيل بلاده السوداء التى لايعرف عنها شيئاً سوى أنها خضراء وحنونه والناس هنالك يشبهونه

٢٠٠٨
الجرح الثاني (بكاء العامل أمام الرجال)
كان كمبو طفلاً وبالرغم من خجله إلا أنه كان مشاغباً كثير الحركه لايكف عن الأسألة الفلسفيه لذا إعتادت أمه إرساله مع والده للمصنع كان جميع العمال من كل الجنسيات يحبونه وكان يبعث في المكان طاقه جميله سأل عمه حسن ذلك اليوم” ياعمي سألت أبي عن سبب موت صدام فلم يجب انا شاهدت إعدامه في العيد لكن أبي لم يجبني هل كان صدام سيئ؟”
لا احد سيئ سوا الاسلامين والأمريكان
“من هم الإسلامين ياعم؟”
– هم سبب مانحن فيه
وصدام؟
-قتله الأمريكان
بعد لحظات يقاطع حبل أفكاره والده وهو يهدئ أحد العمال “وحد الله يابرعي وحد الله ماكان ذلك كشاف عرس وحد الله لا يرى دموعك الرجال”
في البيت عرف كمبو أن عمه برعي كان يبكي بسبب أن إبنته في بلادهم السوداء طلبت من والدها إرسال كشاف لينير الحوش في عرسها ولم يكن يملك ثمنه ولا حتى ثمن سعر تذكرة الباخره التى ستقله ليحضر زواج ابنته الوحيده
حزن كمبو دون أن يعرف ما المُبكي في الموضوع

٢٠١١
الجرح الثالث (أول منظر للدم)
تسمح والدة كمبو لإبنها بالسهر فقط في يوم الخميس فيظل يشاهد قنوات الكرتون حتى يغفو سهواً ذلك اليوم اخبره صديقه في المدرسه انه اذا بحث في التلفاز بعد الرقم ألف ستظهر له نساء فاتنات يرقصون طوال الليل دون تعب اندهش ولم يصدق صديقه الذي اجتهد في وصف كيف يرقصون وغاص في التفاصيل حتى أنه أخبره أنهم يرتدون فستان اقصر من سرواله الداخلي٫ عاد كمبو وكل مايفكر فيه الفستان القصير انتظر حتى غسق الليل جميع أفراد عائلته يغوصون في نوم عميق ومتبقي ساعه كامله علي استيغاظ والدته للصلاة يقلب القنوات بعد الألف بكل حماس حتى آثار فضوله ما تعرضه قناة ما
لم يكن رقصاً أو شيئ يشبه كانو أطفالاً مقطعين لأشلاء والدم في كل مكان وظل يردد المذيع بفزع” قوات بشار الأسد تضرب الاطفال العُزل بالبراميل المتفجره” ظل يفكر في البراميل ماذا بداخلها ولماذا يموت الاطفال الذين في سنه هناك
ظل يفكر حتى نام وفي حلمه رأى البرميل المتفجر يسقط علي أرض السود واستيغظ متبولاً في سرواله يسأل والده
“ماهيا البراميل المتفجره ولماذا يموت الاطفال”
– عندما تكبر ستعرف

٢٠١٢
الجرح الرابع ( معضلة المصنع)
رافق كمبو والده للمصنع كعادته وبعد أن حيا عمه حسن والباقين طلب منه والده أن يلقى القصيده علي مسامع العمال وأخبرهم أن
أبنه سيصبح شاعراً مثل أولئك الذي يدرون أموالاً كثيره
“بسم الله أبدأ
ولا بداية الا به
في هذا المصنع نضحك
وفي سوريا هناك الموت
كما تونس كما ليبيا كما غزه
وبغدادٌ هناك تموت حزناً
لماذ الموت ياربي ويارب المصانع
أرجوك اسمع صوتنا الجاهر
وامنحنا السلام الحُلو
وخذ مني سواد القلب
وارجعني بلاد السود
وفضلاً أن يموت الموت
وتختفي كل البراميل”
صفق العمال جميعم وبدت نظرات التوجس والخوف علي بعضهم ونصحوا والده بأن لايدع كمبو يشاهد الاخبار
فلو طلع معارضاً فلن يعيش سيقتله الإسلامين أول أن يخط شاربه أو في شبابه وذكروا والده بالشاعر أباذر الغفاري وإختفاءه القسري
ضربه والده لأنه لم يلقي قصيدة التفاحه الخارقه وحرمه من مشاهدة الاخبار لفتره

٢٠١٤
الجرح الخامس (أُغلق المصنع)
أغلق المصنع وزادت حالة كمبو سوءاً وفكر كثيراً في أين سيذهب كل هؤلاء العمال كانت تصرخ أمه في والده أنها لن ترجع لأرض السود لن ترجع للموت سنموت هنا وإبني سيصبح طبيباً يصيح كمبو انا سأصبح شاعراً وعاملاً في المصنع تولول امه “المصيبه اصبحت مصيبتان”
والده لايجيب يصمت كأن الحديث لم يخلق بعد يقاطع صياح أمه الجرس كان أحد الاطفالعلى الباب ليعلم والد كمبو أن عم حسن سقط ميتاً بعد أن عرف خبر اغلاق المصنع
دخل كمبو غرفته ولم يتكلم طيلة عام كامل
وكان هذا الموقف هو الفارق في تكوين شخصية الفتى كان يحب عم حسن كأنه والده وكان صديقه الوحيد الذي يجيب علي كل أسألته سوى السؤال عن الخيط الاحمر الذي في يده وعن ماذا يرمز

٢٠١٩
الجرح الخامس ( الانتقام لقهر عمال المصنع)
كبر كموبو يسارياً بالفطره معارضاً لكل أنواع القهر و مليئ بالأمل يكره الإسلامين وأمريكا والرأسمالين وكل من طرد عمال المصنع من بلادهم ليموتوا غرباء مقهورين ضيعوا كل صحتهم بين المكائن والحراره أقسم أن ينتقم ولو كانت الضريبه حياته يتذكر دموع عمه حسن وموتته المقهوره وكلمة أسود التى لا تغادر رأسه ويحفظ جرائم الإسلامين كلها عن ظهر قلب، ويقهر كلما تذكر كل من هاجر من بلاد السود بحثاً عن الخبز، كان يوزع أوراق المواكب ويسرق البخاخات ليكتب علي الجدران كل المسبات للقتله المجرمين واذا واجه القتله أخفى جـل ملامحه بالكوفيه الفلسطينيه ولايرمي ولكن قهر العمال يدفعه للرمي كان يقسم بأخذ الثأر بالحجاره وبالنار داخل الزجاج واذا لزم الامر بالسلاح كان كمنتحر يحركه عمره الذي ضاع
والعمال وصورة الدم في رأسه التى تظهر واضحه جليه
كان يحركه الإيمان قبل الغضب
والكره قبل المحبه

٢٠٢٣
الجرح الآخير (ناداه الصوت تعال فذهب)
كان قد تغير كمبو كثيراً ففي الطريق الذي سلكه بكل إيمان منه دون الاسمتاع لنصائح العمال لبعضهم البعض عندما كان طفلاً وحكاوي عم حسن لهم بأن النضال آخره حزن أبدي وأن الإسلامين أقوياء ولايملكون أخلاقاً ولديهم عبيد يفعلون أي شي من أجلهم يسمون جنجويد لايمكن هزمهم لم يكترث لكل هذه الذكريات وكرس كل وقته من أجل ذلك ولم يكن يفوت موكباً أو ندوة يهتف فيها الجمع ب لا للعسكر ولا للموت وكان يقاتل في المواكب كفارس لا يجن جنونه سوى من الدم دم الشهداء الذي لاحقه منذ طفولته في شاشة التلفاز ومن يومها صار يخاف الدم اكثر من الموت حتى أنه في أحد المواكب سقط شاب بجواره فحمله كمبو بين يديه لم يستطع إسعافه واستشهد بجانب صدره وطُبعت دماءه علي القميص لم يغسل كمبو الدم وظل يتأمله أسبوع كامل دون أن ينام، لم يستسلم أبداً حتى عندما تملكه اليأس و ابتعد الحلم والحرية صارت أبعد والموت يباع علي الطرقات والدم يسيل في كل مكان لم يستسلم حتى جاء ذلك اليوم المشؤم كمبو يقف رفقة رفاق النضال يقذفون علي المدرعة زجاج حجر اخشاب وكل ماتستطيع أن تحمل اليد ينسحب الرفاق لإنعدام الرؤية بسبب دخان البمبان الكثيف
كمبو يسمع صوت عم حسن يناديه عفارم عفارم
لاينسحب ويقرر أن اليوم هو اليوم الموعود إما الإنتقام أو الإنتقام
يُقبض عليه من عساكر الدعم ظل في معتقالات الاستخبارات لشهر حتى نسيي أسمه وأسم أمه ولم يتذكر سوى عم حسن وخيطه الاحمر والبراميل المتفجره وموت الاطفال وظل يسأل عمه حسن عن سبب موت الأطفال بالراميل حتى مات

ملحوظة بعد موت كمبو بعامين قامت حرب في بلاد السود شارك فيها كل الشرفاء واللاشرفاء مواطنون جنجويد جيش نساء رجال
لم يتبقى في بلاد السود شيئ لينهار تحمدالله أم كمبو أن إبنها مات قبل ذلك لكي لايموت مقهوراً علي دمار وتشرد كل هؤلاء العمال

ملحوظه آخرى: السبب الرئيسي في موت كمبو شاباً أنه ولد إنساناً بالفطره لايحب الظلم والقهر ولايستطيع العيش تحت عباءة الذله بكل هذا الغضب في صدره

ملحوظه آخرى: الخيط الاحمر في يد عم حسن لايرمز لأي حزب بل يرمز للدم فكمبو امتداد لعمه حسن الذي طارده الدم في حرب الثلاث والثمانين ولم يغادره حتى مات

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.