آخر الأخبار
The news is by your side.

قراءة .. النهر يعرف أكثر رواية تاريخية

قراءة في رواية النهر يعرف أكثر

بقلم: النور عادل

(النهر يعرف أكثر) للروائي السوداني أسامة الشيخ إدريس، الصادرة عن دائرة الثقافة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة. وسبق لها الفوز بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي عن مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي بام درمان.

رواية تاريخية تقع في277 صفحة. وشكل غلاف جذاب بألوان متداخلة هادئة.

ولكن بعكس الغلاف الموحي بالهدوء والبحر والصحراء والسماء، الا أن الرواية تاريخية وموضوعية قوية.

تحكي الرواية عن حقبة زمنية في السودان القديم إبان الغزو التركي المصري، وهي قريبة الشبه من (شوق الدرويش) لحمور زيادة التي تحكي عن المهدية حركة التحرر الثورية التي قادها الدراويش اعداء التحديث، لكن البحر يعرف أكثر تبدو بالضد من شوق الدرويش فهي منحازة للعادات والتقاليد والتراث…

…مرتبطة عاطفيا بالمكان (الحلفايا) (العليفون) (شندي) (سنار) وباقتدار شديد استطاع المؤلف أن ينقل صور المكان إلى سطوره بشكل عميق ودقيق.

نقلنا المؤلف بجدارة إلى لحظات تاريخية لا تزال آثارها راسخة في الوجدان العام السوداني، فحملة الدفتردار الانتقامية التي قتلت ألافا من النفوس البريئة في عامة البلاد، وغزو الاتراك مستعينين بالمرتزقة من دول عربية وافريقية واوربية للسودان من أجل جلب الرقيق والعاج والذهب، استطاع الشيخ……ادريس تصويرها حية دون ضبابية ودون تحيز لموقف تاريخي ضد آخر.

من مشهد اصرار الغزاة على عبور النيل عكس اتجاهه، إلى لخظة استسلام الشيوخ والعمد والمكوك للمحتل القادم بالرصاص والمدافع ادوات الموت غير المألوفة لاؤلئك البسطاء الذين يحملون السيوف والفؤوس والعصي بجانب قلوب الاسود.

مشاهد إلقاء الحرائر من بنات شندي والمتمة والعيلفون إلى الحلفايا بأنفسهن في الابار لئلا يمسهن جندي نجس او يقعن في الاسر سبيات لدى الاعداء رائحة البارود الجبان الذي حصد الشجعان في ساعات، حرق القرى الآمنة ودك الخلاوي والاضرحة فوق رؤوس أصحابها.

تتجلى مهارة الكاتب الوصفية حين وصف (مريم) سودانية الاب تركية الأم، وهي إحدى شخصيات العمل، أثناء رقصها ل(سعيد) ( انحناءات وتأود جسدها أثناء رقصها جعلها أشبه بغزال يعلو تلة برشاقة مفرطة). لا أخفي أنني شعرت أن المؤلف يحكي عن عروس أمامي لقوة اداته الوصفية الجزلة.

الجميل في الرواية بحسب قراءتي انها حكت عن واقع دون اغراق في الاسفاف الانشائي دون مناسبة، بل حتى اللغة كانت سهلة واضحة لأي قارئ عربي مهما كانت لهجته، وقليلا ما استخدم العامية، بل كان المؤلف يلجأ لتعريب العامي إلى الفصيح السهل للقارئ.

كذلك جاءت الرواية بأسماء وشخوص ورؤى تحمل نفسيات ذاك الزمان (جلنار) زوجة الياس ود المحجوب، (ست البنات بت عمسيب ودالارباب) (ود العوضي) (نصر الدين) (عبدالباقي)… وهذا اتساق كان المؤلف أحيانا قليلة يفقده، وهي مسألة البناء النفسي للشخصية، اذ نجد مثلا عند حمور في شوق الدرويش أن.

 شخصية بخيت منديل الدرويش المهدي لم تكن متسقة مع ما يفكر به بطريقة مثالية وعاطفية تليق بدرويش قليل التعليم والخبرة بالحياة. لكن في البحر يعرف اكثر كان سعيد الذي تعلم القرآن والفقه في خلاوي الشيوخ كان يبدو منسجما مع اتجاهاته العاطفية خلال السرد عامة.

من جانب آخر إن فكرة الدولة وقوميتها لم تكن شائعة في تلك الحقبة السردية بل كانت القبيلة هي الأصل، لذلك لم يبد لنا أن طريقة تفكير سعيد فيها مناسبة بل بدت نشاز عن شخصية سعيد المصاب بحب المكان والناس، سعيد ود الكارم ود حاج المحجوب.

إن الكاتب أسامة الشيخ إدريس هو صحافي مقتدر عمل بالصحافة والاعلام زهاء العشر سنوات ويزيد، لذا رأينا أنه ظلم بالتدقيق اللغوي والأخطاء المطبعية التي تكررت في عدد ملحوظ من العمل، وهو ما نأمل تلافيه في الطبعات القادمة.

حقيقة سعدت بهذا العمل كثيرا، فهو من الأعمال التي تسعدك وتحزنك وتثير حماسك لأن تكتب عنه بكل حب وولاء.

سعدت وانا أجلس في ضفة النهر مع أسامة الشيخ ويحدثنا النهر عن ما يعرفه، في 3 ايام سافرت مع الرواية وعشتها وكم حزنت للنهاية التراجيدية بموت سعيد ومريم والجنة واعدام الخليفة بركات صبرا على النطع، ودمار العيلفون ببارود الجبن التركي المصري الهجين وقتها، شعرت أيضا بالفخر لكون الرواية…

ما خيبت نظرتي للشخصية السودانية التي نعرف.
نحن عرب وأفارقة والنهر يعرف معنى ذلك.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.