آخر الأخبار
The news is by your side.

فلنتعلم من إخوتنا الأفارقة … بقلم: النور حمد

فلنتعلم من إخوتنا الأفارقة … بقلم: النور حمد

في عقد الاستقلال الإفريقي، وهو عقد الخمسينات من القرن الماضي، كان السودان قطرًا علمًا تتطلع إلى أحواله كثيرٌ من شعوب القارة. بمقاييس تلك الفترة، كان السودان قطرًا متقدمًا نسبيًا؛ في نظامه التعليمي، وفي بنيته التحتية، وفي خدمته المدنية، وفي مجمل جهازه الإداري. علاوة على ذلك، بدأ السودان استقلاله قطرًا ممارسًا للديمقراطية، بل، إن استقلاله نفسه، جرى إعلانه من داخل برلمانه المنتخب.

مر عقد الاستقلال والعقد الذي يليه ودخلت عبرهما كثيرٌ من دول القارة، في حقبة الحرب الباردة، في دورة الانقلابات العسكرية المنهكة، والحروب الأهلية الداخلية التي عصفت بالاستقرار وبفرص التنمية. لكن، لم تكن النخب السياسية التي استلمت مقاليد الحكم من المستعمر، في السودان، جاهزة ًحقًا لإدارة قطرٍ بحجم وتعقيد السودان. بل، إن من أغرى العسكر بالانقلابات العسكرية هم السياسيون المدنيون. وقد أُهرق في هذا مدادٌ كثير، ولا أود الخوض فيه في هذه العجالة. مأ أود الخوض فيه هو أن إخوتنا الأفارقة الذين ترنحوا مثلنا بُعيد الاستقلال، ما لبثوا أن ثبتت أقدامهم، وشرعوا في النهوض من جديد. هذا، في حين غرقنا نحن أكثر، وأكثر، في وحل القعود والتراجع.

وقوعنا في البرزخ الفاصل بين العالمين العربي والإفريقي، واحتلال جغرافيتنا لمعظم حوض وادي النيل، جعلنا على رأس الأهداف المصرية. استتبعتنا القومية العربية وقضية فلسطين وأخرجتانا من خدمة أجندتنا الوطنية لنصبح في خدمة أجندة قوى تقع وراء حدودنا، طرفاها القومية العربية والشيوعية الدولية. ومن مصر، أيضًا، وفد إلينا تيار الإسلام السياسي وأعمل فينا معاوله، حتى تمكَّن من سرقة بلادنا لثلاثين عام؛ بدأها بوهم تصدير الثورة الإسلامية إلى العالمين العربي والإسلامي، وأنهاها بأكبر فشلٍ وفسادٍ مؤسسي عرفته دولةٌ معاصرة.

من جانب آخر، أسهم تولي السيد الصادق المهدي زعامة حزب الأمة، وهو الحزب الذي كان على رأس الأحزاب الاستقلالية، في أن يتراجع الحزب، ويتقدم انجرار زعيمه وراء أوهام عولمة الإسلام، والاصطفاف مع إيران، خارجيًا، والتماهي داخليًا مع أجندة الإسلام السياسي. أما اخوتنا الأفارقة فقد انحصروا في أجندتهم الوطنية، وحققوا قدرا من الوحدة الوطنية مكنهم من النهوض. وبقينا نحن نصطرع أيديولوجيًا في وقتِ غربت فيها شمس الإيديولوجيا القابضة في كل العالم. باختصار، أصبحنا قطرًا بلا هوية وطنية، وبلا استقلالية في القرار السياسي والاستراتيجي. وأصبحنا، من ثم، نهبًا للأجندة الخارجية، حتى بلغ بنا الهوان حدَّ أن طمعت فينا دول الخليج، التي تخوض، بسبب تخمة المال، حروب وكالة عبثية ضد بعضها في عدد من الأقطار العربية.

خلاصة القول، إن من أوجب المهام بعد هذه ثورة ديسمبر العظيمة، الخروج من هذا الانجرار المهين وراء القوى الخارجية، ورسم سياسة خارجية مستقلة تضع حماية أراضي البلاد ومقدراتها وكرامتها الوطنية فوق كل شيء. معظم سكان إثيوبيا مسلمون، ومعظم سكان تشاد مسلمون، ومعظم سكان إريتريا مسلمون. بل إن العربية هي لغة أكثرية التشاديين، والإريتريين. ومع ذلك لا نرى لدى جيراننا هؤلاء انجرارًا وراء الأجندة العربية والإسلاموية. هذه الدول الثلاث محترمةٌ مهابةُ الجانب، لا يطمع فيها طامع. ودولتنا مع كل توفر فرص المنعة، أضحت فضاءً مستباحًا لكل طامع. والعلة، كل العلة، في هذا العقل المُحتَل، المُستتبَع، الجاهل بهويته، وأيضًا في القادة المنحبسين في وهم الدولة الدينية، الراكضين وراء الأوهام، المتطلعين، بلا إمكانيات مادية ، وبلا مؤهلات من أي نوع، لأدوارٍ عالمية.

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.