آخر الأخبار
The news is by your side.

ألواح وكومبيوتر …وأشياء أخرى  … بقلم: التجاني عبد القادر حامد

ألواح وكومبيوتر …وأشياء أخرى  … بقلم: التجاني عبد القادر حامد

(هذه مادة من ارشيفي الشخصي، نشرتها في صحيفة محلية قبل نحو من خمسة عشر عاما أو يزيد. وهي تروم في عمومها أن تقول إن النهضة والتنمية في مجتمعات العالم الثالث الفقير يقتضيان نوعا مما يمكن أن يسمى “توطين العلوم”. غير ان الانسان لا ينكب على تحصيل العلوم وتوطينها لمجرد حصوله على “الأدوات”، وإنما يفعل ذلك حينما تكون له قضية حارقة تحركه وتدفعه، ولكن مثل هذه القضايا الدافعة لا تتوفر الا عندما يتوفر “الوعي بالذات”. وقد راجعني حينذاك بعض القراء متشككا فيما قد كان من علاقة بين الرق وبدايات الثورة الصناعية في أوربا، وكان يشير من طرف خفي الى أننا في العالم الثالث نخفى عجزنا وعيوبنا بإلقاء اللوم على الآخرين. بحثت طويلا في هذا الأمر ووجدت أن الدلائل والقرائن التي تثبت العلاقة تفوق ما ينفيها، ولكنى فضلت ان أترك المقالة على ما كانت عليه، وأن أفرد الأبعاد الاجتماعية للثورة الصناعية ببحث مستقل)، فإليك المقالة، إن كنت من الصابرين!

كنت أستمع ذات مرة لأحد خبراء التربية والثقافة وهو يشرح ويحلل حالة التعليم ومناهجه في العالم الإسلامي. لم يجد بالطبع عناء في اقناع مستمعيه بأنها حالة تدعو للقلق، وانه لا سبيل لإصلاح مجالات الحياة الأخرى، من سياسة واقتصاد ونحوها، الا بعد اصلاح المناهج والمؤِسسات التعليمية.
لكن الذي لفت نظري وعلقت عليه في حينه أمر يتعلق بأدوات التعليم، اذ ذكر المتحدث “كأنه يتهكم” أن مناطق في العالم الإسلامي (وكان يقصد غرب أفريقيا) ما يزال التلاميذ فيها يكتبون على “الألواح” ويقرأون فيها، بينما تخطى رصفاؤهم في العالم الغربي مرحلة الكتابة على الورق، وصار تلاميذ المدارس يستخدمون أجهزة الكومبيوتر وقنوات الإنترنت. كنت العربي-الأفريقي الوحيد في ذلك الجمع، فأوجعني التهكم.
على أن الملاحظة صحيحة بالطبع، ولكن ما الغرض من ايرادها؟ هل يراد مثلا أن يقال إننا إذا استطعنا أن نوفر لهذه المجتمعات الاسلامية “المتخلفة” الكميات المطلوبة من أدوات التعليم الحديث مثل الأقلام والورق وأجهزة الحاسوب فإنها ستشهد نهضة تعليمية قريبة مما نشهده الآن في الدول الغربية المتقدمة؟ ثم ما هو وجه الاعتراض على استخدام “الألواح” وسيلة للتعليم في بعض المجتمعات الإفريقية الفقيرة؟
قلت في تلك الجلسة، دفاعا عن اللوح وتنفيسا عن النفس، “إنني من بقايا جيل تلقى مبادئ العلوم على اللوح، وأن أبى وآباؤه من قبل تعلموا القراءة والكتابة وحفظوا القرآن عن طريق اللوح. ثم رفعت الجلسة، وأنصرف الناس ولكن الموضوع لم ينصرف عن خاطري، ولو سمح لي بالاستطراد لقلت إنه لا ينبغي النظر الى اللوح نظرا يجرده ويقطعه عن البيئة التي أنتجته، وعن التأريخ الاجتماعي-الثقافي الذي استولد تلك البيئة. اننا إذا غيرنا زاوية النظر الى اللوح فقد نستطيع أن نرى من خلفه أمورا أخرى شديدة التداخل والتعقيد، أمورا تتعلق بالبيئة الطبيعية والتنمية البشرية والاقتصادية، ومبادئ الصناعة الأهلية، ومنظومات القيم وأنماط السلوك والاعتقادات الدينية والمجتمع المدني. فاللوح ليس مجرد أداة تؤخذ من قارعة الطريق ليكتب عليها، وانما هو نتاج لعملية صناعية، يحتاج فيها المرء لمعرفة مناسبة بالبيئة الطبيعية، فليس كل نوع من الشجر يصلح أن يكون لوحا للكتابة، ويحتاج لمعرفة بمبادئ النجارة. وصناعة الألواح لا تقوم وحدها، اذ يحتاج صاحب اللوح للحبر كما يحتاج للقلم، والأحبار هي أيضا نتاج لعمليات صناعية لا تقل تعقيدا عن صناعة الألواح، وقد كان الحبر يصنع محليا في كل القرى تقريبا، كما كانت أقلام البوص ميسورة يستطيع أي طفل ماهر في الخلوة أن يصنع قلمه بيده دون تكاليف تذكر.
وهكذا يمكننا، حينما ننظر من زاوية أخرى غير زاوية المتعجلين من أصحاب “الحداثة” أن نلاحظ بوضوح أن المجتمع الاسلامي “المتخلف” كان الى عهد قريب مجتمعا مكتفيا ذاتيا على أقل تقدير، يستطيع أن يوفر غذاءه المادي وأن “يصنع” الأدوات الأساسية التي يحتاج اليها في غذائه الروحي: الكتابة والقراءة، دون دعم من الحكومات أو المنظمات الدولية، وذلك بالطبع علاوة على الأدوات الأخرى التي كان يحتاج اليها في سائر حاجاته الأساسية، فكان ينتج أدوات الدفاع عن النفس كما ينتج أدوات الحياكة والأحذية والأمتعة والعطور وأدوات البناء والتخزين وما يتصل بصناعة الأغذية، يفعل كل ذلك دون تدخل من الحكومة-أجنبية كانت أو وطنية. أي ان المجتمع الاسلامي المدني (وخصوصا غرب افريقيا هذه) كان حيا وفاعلا، ويعمل بصورة ذاتية تمكنه من تلبية معظم حاجاته وصناعة معظم أدواته. السؤال: ما مصدر تلك الحيوية والفاعلية، ولماذا خبت؟ والإجابة سهلة: لقد تأسست تلك المجتمعات على “قضية”، اذ أن الإنسان لم يكن ليقطع الأشجار “بالمجان” ويوقد النيران ويسهر الليل في تعلم الحروف والأرقام إذا لم تكن لديه قضية تدفعه دفعا للتعلم، فالقضية/الرسالة هي التي مثلت الشرارة والدفعة الثورية التي حولت الأفريقيين العاديين الى طلاب وعلماء ومخترعين وبناة حضارة استمرت قرونا الى أن وقعت “الثورة الصناعية” في الغرب. أو توجد علاقة بين هذا وذاك؟ أراك تسألني؟ نعم توجد علاقة، ولكن دعنا ننظر أولا: كيف حدثت الثورة الصناعية في أوربا؟
حدثت الثورة الصناعية في أوربا، كما يجمع مؤرخوها، بسبب خمسة اختراعات أساسية، يصرحون بها ويتباهون، كما حدثت الثورة الصناعية لسبب آخر لا يصرح به كثير من المؤرخين ولا يذكرونه الا على مضض، وهو “الرق” كما تعلم. ولكن دعنا نشير في عجالة الى بعض من المخترعات الخمسة: المطبعة وماكينة البخار والبارود وماكينة الغزل والنسيج ونظام ادارة المصنع. والسؤال هنا: من الذين قاموا بتلك المخترعات، وكيف حدثت الثورة؟ اننا إذا نظرنا في سيرة الأشخاص الذين قاموا ببعض تلك الاختراعات التي غيرت مجرى الحضارة الإنسانية فسنجد أن معظمهم لم يكن من أولى العبقريات الخارقة، بل ان بعضهم كانوا أناسا عاديين من الفئات العاملة، مثلهم مثل الوراقين والحدادين والنجارين الذين كانوا يشغلون حيزا هاما في مدننا الإسلامية الممتدة من بغداد الى دمشق والقاهرة الى القيروان وتومبوكتو. فالسيد “جوتنبيرج” مثلا الذي اخترع القالب المطبعي في القرن الخامس عشر الميلادي كان صائغا صغيرا من عائلة يمتهن معظم أفرادها الحدادة، ولم يتعلم فنون الصناعة أو الهندسة في أي من الجامعات، وانما تعلم المهارات الأساسية في الأشغال المعدنية عن طريق عمه الذي كان معلما في دار سك العملة. أما السيد “جيمس واط” الذى اخترع ماكينة البخار في القرن الثامن عشر الميلادي فقد كان والده صاحب مخزن لقطع غيار السفن(يعنى تاجر اسبيرات)، مما زرع في الابن روح الصنعة فصار عامل صيانة في جامعة جيلاسكو، ولأنه لم يكمل فترة التلمذة فلم تسمح له نقابة العمال بافتتاح محل للصيانة، فتوسط له أحد أصدقاء العائلة، والذى كان يعمل استاذا في تلك الجامعة، ليعمل في وظيفة عامل صيانة بالجامعة، فأعطى ذات مرة واحدة من محركات البخار التالفة ليقوم بنظافتها واصلاحها، ففعل ذلك ولكنه بدأ يلاحظ أن ذلك الجهاز يستهلك من الوقود أكثر مما يجب، فأخذ يفكر في طريقة يقلل بها كمية الوقود، فاهتدى الى فكرة المحرك ذي الأسطوانتين، واحدة لتسخين البخار، وأخرى منفصلة لتبريده وتكثيفه(condenser)، ثم تابع التجارب حتى توصل الى ذلك الاختراع العظيم الذى غير مسار التاريخ، كما يقولون.
ولكن هل يعنى هذا ان الثورة الصناعية في أوروبا قد قام بها الحدادون وعمال الصيانة؟ الإجابة لابد أن تكون بالنفي، لأن أي من تلك المخترعات لم يكن ليحدث ثورة لو لم يحتضنه مركز قوى من مراكز التمويل، ومراكز التمويل لا تحتضن مخترعا ما لم يتناغم مع اتجاه استثمارها ويؤدى لتعاظم أرباحها. فمن هم الذين كانوا يمتلكون مصادر التمويل في أوروبا؟ أليسوا هم الرأسماليون، أي التجار وملاك الأراضي وأصحاب السفن التجارية؟ ولكن من أية الطرق كانت تأتيهم الأرباح؟ وكيف توفرت لهم فوائض مالية؟ هل حدثت مثلا “ثورة زراعية” مهدت للثورة الصناعية؟ ولكن الزراعة تطورت بعد وليس قبل الثورة الصناعية، فمن أين اذن توفرت الفوائض المالية؟ ولماذا توفرت تلك الفوائض في ذلك الوقت تحديدا؟
يشير بعض المؤرخين على استحياء وتخوف الى أن صعود تلك الطبقة الرأسمالية في أوربا (بريطانيا تحديدا) كان متزامنا مع تجارة الرقيق، أي أن بعض أولئك الرأسماليين كانوا على صلة بتجارة الرقيق، من خلال ما عرف “بالثالوث التجاري الأطلسي” الذي كانت انجلترا تمثل أحد أضلاعه، ويمثل ساحل أفريقيا الغربي ضلعه الثاني، بينما تمثل المستعمرات البريطانية(الأمريكتين) ضلعه الثالث. فكانت أفريقيا “توفر” الرقيق، بينما كانت المستعمرات البريطانية (الأمريكيتان الشمالية والجنوبية) توفران المواد الخام التي ينتجها الرقيق الأفارقة، أما انجلترا فكانت “تصنع” السفن التي تحمل الرقيق والبضائع عبر المحيط الأطلسي. وبهذه الطريقة (التي يتحقق فيها الربح عن طريق الرق) استطاع بعض الرأسماليين أن يجمعوا ثروات طائلة صارت فيما بعد قاعدة تأسست عليها البنوك وارتكزت عليها الصناعات الثقيلة في أوربا. على أن المؤرخين يشيرون أيضا، انصافا للحقيقة، الى أن الرأسمالية التي نهضت على أكتاف الرقيق قد عملت ايضا على تحطيم نظام الرق في مرحلة لاحقة، اذ أنه ما أن استقلت القارة الأمريكية عن بريطانيا(بفعل الثورة الأمريكية) الا أن فقد الثالوث التجاري-الاسترقاقي أحد اضلاعه، مما جعل “ضمير” الرأسمالية الأوربية يستيقظ فتستغنى عن الرق القديم، بل وتصدر القوانين لمنعه وتكون الجمعيات لمحاربته، ولكنها في الوقت نفسه أخذت تستولد انماطا أخرى من الرق، كما لاحظ ستوارت ميل، أحد أكابر منظريها، “لقد كان العمال فيما مضى” يقول استيوارت ميل “يجبرون على العمل من خلال الإفقار والإكراه، أما الآن فانهم يجبرون على العمل لأنهم صاروا “عبيدا” لأهوائهم وحاجاتهم المادية”. ونتيجة لذلك فقد تم اقتلاع قطاعات كبيرة من النساء والرجال في أوروبا الغربية من مهنة الزراعة ودفعهم الى أنواع أخرى من المهن في المصانع والموانئ، فاستطاعت الثورة الصناعية بذلك الاقتلاع أن تحدث تغييرا اجتماعيا أساسيا يشمل نظام القيم وأنماط السلوك والعلاقات الاجتماعية والمؤسسات، وهو التغير الذي ظل يمثل من بعد حدا فاصلا بين القرون الوسطى وقرون الحداثة الأوروبية، كما يمثل من جهة أخرى حدا فاصلا بين المجتمع الغربي الحديث والمجتمعات الإنسانية التقليدية، أو العالم الثالث، أو مجتمعات ما قبل الحداثة.
أما الثورة الصناعية الثانية، ثورة المعلومات (وصديقنا الكومبيوتر)، فيراد لها أن تنقل الى بقية أنحاء العالم الثالث (الذي لم يشهد ثورة صناعية) كلما أفرزته الثورة الصناعية الأولى في انسان أوربا الغربية، ولكن مع فارق جوهري يتمثل في أن الانسان الأوروبي شارك في عمليات الإنتاج التي تولدت عنها الثورة الصناعية، فأكسبته تلك المشاركة مهارات ونظما استعاض بها عما فقده من تراث ثقافي أو نظم اجتماعية. أما انسان العالم الثالث الذي لم يكن طرفا في عمليات انتاج الحضارة الغربية الراهنة، ولم يكتسب بالتالي قيمها ونظمها بصورة أصيلة فسيكون المطلوب منه أن يتحول من تراث ما قبل الحداثة وأن يندرج طوعا أو كرها في المنظومة القيمية الجديدة التي أفرزتها مرحلة الثورة الصناعية والحداثة. وستكون أحد أهم أجندة الغرب في مرحلة الثورة الصناعية الثانية أن يجعل قيم الثقافة الغربية الراهنة نموذجا عالميا، ثم يدفع الآخرين الى تفكيك منظوماتهم القيمية، أو يقوم بتفكيكها انابة عنهم، حتى تبلغ عملية “العولمة” نهاياتها الطبيعية. وستضطر مجتمعات العالم الثالث بكل أسف لقبول أجندة التفكيك واحدة بعد الأخرى، وذلك أولا لأنه لا يستطيع أي من هذه المجتمعات بمفرده أن ينتج شيئا يغنيه عن منتوجات الثورة الصناعية، كما كان يفعل سابقا، كما أنه لا يستطيع ثانيا أن يفطم نفسه عن تلك المنتوجات، اذ أنه يعتمد عليها في سائر أوجه حياته الخاصة والعامة، وهذا هو الرق الجديد الذي بشرنا به ستيورات ميل.
فالمشكلة اذن، ونحن نعود لأول الحديث، لا تكمن في قلة أجهزة الكومبيوتر في مدارسنا، ولا يمكن أن تحل بمجرد أن نقوم بتزويد طلاب المدارس بهذه الأجهزة لتحل محل الألواح القديمة أو الأوراق، ولكن المشكلة تكمن في نظام اجتماعي بأكمله، نظام حطمت قواعده النفسية والمادية من خلال عمليات الاسترقاق و الاستعمار والنهب المسلح، وتم الحاقه قسرا بالنظام الاقتصادي الأوربي ليقوم بدور الحيوان والآلة، فصنعت الثورة الصناعية من عرق جبينه ولكن دون أن تتاح له فرصة ليساهم بصورة واعية في تفهم الرؤية التي قامت عليها الثورة أو الغايات التي تسعى نحوها، اذ أن “الشرارة” التي انقدحت في الإنسان الأوربي ودفعته في طريق الإبداع والمغامرة والاستكشاف، قد تم إطفاؤها في إنسان العالم الثالث(العربي-الأفريقي-الآسيوي). ولذلك فان الذي ينقص تلاميذ هذه المجتمعات ويلزمنا أن نزودهم به قبل أن نضع في أيديهم أجهزة الكومبيوتر هو “أن نوقد فيهم الشرارة”. ولن يكون ذلك الا بإطلاعهم على “تاريخ” التكنلوجيا الغربية والثورة الصناعية، أي بالتأريخ الذي طمست فيه هوياتهم، وأوقف فيه نموهم، وقتلت فيه روح الكشف والإبداع فيهم. الذي ينقص تلاميذ هذه المجتمعات هو أن نجعلهم يحسون بأن لهم “قضية”، اذ ان من شان ذلك الإحساس ان يجعلهم يثقون في أنفسهم، ويحبون بيئاتهم وأوطانهم، فتدفعهم تلك الثقة والمحبة للرغبة في التحرر والتطوير والبناء، فاذا تولدت فيهم تلك الرغبة فان الكومبيوتر سيكون بالفعل “سلاحا” ضروريا لرفع الكفاءة العلمية والعملية ولدفع عجلة النمو في المجتمع. لقد كان مالكوم اكس(رحمه الله) يقول لإخوانه الأفارقة-الأمريكيين: أنظروا، انكم لم تأتوا الى هنا(أمريكا) على متن طائرات بان أمريكا(Pan America)، ولكنكم أتيتم كما تعلمون مقرنين في الأصفاد والأغلال. وتلك بالطبع إشارة موجعة لتاريخ موجع ولقضية دامية. كان مالكوم اكس يريد أن يؤكد لهم بأن الإنسان إذا فقد الوعي بتاريخه فسينفصل عن “قضيته” وسينفصل أيضا عن “إنسانيته”، وسوف لا يصلح الا أن يكون عبدا للآخرين حتى ولو وضع في البيت الأبيض.
وعلى المنوال ذاته فإننا نحتاج أن نقول لأنفسنا ولأبنائنا الذين يتأبطون أجهزة الكومبيوتر والهواتف الجوالة: أنظروا، إن هذه التكنلوجيا الحديثة التي تسرحون وتمرحون بها لم تساهموا في انتاج شيء منها أنتم ولا آباؤكم، وإنكم إذا لم تفتحوا عيونكم واسعة، وتشحذوا هممكم في سبيل تفكيكها واستيعاب أسرارها وإعادة توطينها في بلادكم، وتطويعها لخدمة “قضاياكم” ومصالحكم بأسرع ما يمكن فستنتهون في حظائر الرق الغربي الحديث كما انتهى آباؤكم الأولين في براثن الرق القديم. أما إذا صعب علينا مثل هذا القول الغليظ، ثم ظلت الروح على ما هي عليه فان الكومبيوتر لن يزيد على أن يكون اداة من أدوات التباهي والمفاخرة، تقف شاهدا قويا على أننا لم نبرح بعد مرحلة الطفولة الاجتماعية. ولا قوة الا بالله.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.