آخر الأخبار
The news is by your side.

مناظير … بقلم: د. زهير السراج  .. جهاز الأمن والمخابرات !

مناظير … بقلم: د. زهير السراج  .. جهاز الأمن والمخابرات !

* قرار المحكمة الذي قضى بإدانة وإعدام قتلة الشهيد المعلم أحمد خير المنتسبين لجهاز الأمن والمخابرات سابقة لم تحدث مطلقاً في تاريخ أجهزة المخابرات حول العالم.

* حتى جهاز (الجستابو) أشهر وأقسى جهاز مخابرات في تاريخ البشرية، لم تشهد محاكماته بعد الحرب العالمية الثانية إدانة مثل هذا العدد والحكم بإعدامهم في المحاكم التي تم تشكيلها من قبل الحلفاء بعد القضاء على الحكم النازي الألماني !

* وبحكم الواقع التعيس لجهاز الامن والمخابرات فمن المؤكد ان يرتفع عدد المدانين والمحكومين بالإعدام الى المئات وربما الآلاف، لو تمت محاكمة منتسبيه في جميع الجرائم التي ارتكبوها خلال العهد البائد ( قضايا التعذيب المفضي إلى الموت وقضايا الاغتيال السياسي وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وغيرها)!

* الحكم الذي صدر ضد منتسبي الجهاز لا يمثل إدانة قانونية وأخلاقية للنظام البائد وأجهزة أمنه فقط، وإنما يؤسس أيضاً لترسيخ وتأكيد حقيقة كبيرة لا يجب تجاهلها مطلقاً، وهي ان هذا الجهاز الدموي الموغل في الوحشية والهمجية لا يجب أن يكون نواة لجهاز مخابرات محترم في عهد ديموقراطي جديد يقوم على سيادة حكم القانون وصيانة حقوق الإنسان!

* ومن هذا المنطلق يجب اعادة النظر في القرارات التي قضت بإعادة هيكلة الجهاز وتجريده من السلطات والصلاحيات الخاصة بالقبض والاعتقال وغيرها من سلطات وصلاحيات، لأنها ببساطة غير كافية!

* مثل هذه القرارات كانت ستكون صحيحة وموفقة لو تم تطبيقها في حالة جهاز أمن الدولة عام 1985 ولكن ضيق الأفق السياسي دفع القيادات السياسية في ذلك التاريخ إلى إصدار قرار بحل وتصفية الجهاز وتسريح منتسبيه.

* الآن يعيد التاريخ نفسه ولكن بشكل معاكس، فبدلاً عن حل وتصفية جهاز الأمن والمخابرات صدر قرار بتجريده من صلاحياته وتحويله لجهاز لجمع وتحليل المعلومات وهذا القرار يشوبه خطأ استراتيجي كبير لأسباب كثيرة منها :

* أولاً: جهاز الأمن والمخابرات هو جهاز عقائدي يُدين جميع أعضاءه بعقيدة حزب سياسي معروف ولا تتوفر فيه أدنى صفة للقومية أو لعقيدة الدولة أو الوطن.

* ثانياً: يفتقر الجهاز لعنصر الاحترافية Professionalism الذي يميز كافة أجهزة المخابرات حول العالم، فبدلا من احتراف عمل المخابرات الحقيقي انتهج الجهاز على الدوام أسلوب استبدادي يقوم على العسف والترهيب وممارسة العنف وارتكاب الجرائم لإرهاب المعارضين وهي ذات الوسائل والأساليب التي تميز أجهزة الأنظمة الشمولية ويصعب اجتثاثها في جهاز ظل يمارسها بشكل ممنهج طيلة ثلاثة عقود.

* ثالثاً : للجهاز سجل حافل بارتكاب الجرائم الوحشية والجرائم ضد الإنسانية علماً بأن الاتهامات في هذه الجرائم طالت جميع قياداته وأغلب منتسبيه، ولذلك فالجهاز غير مؤهل أخلاقياً للاستمرار في عمله ومن المرجح أن يتم فتح جميع الملفات التي تكشف النقاب عن تلك الجرائم خلال الفترة الانتقالية ولذلك فإن جهاز الأمن سوف يظل في موقع الاتهام بصورة دائمة ومستمرة.

* رابعاً: يعتبر جهاز الأمن والمخابرات الوحيد في العالم الذي يمتلك قوة مسلحة قوامها الآلاف من المقاتلين، هذه بدعة لم تلجأ إليها أسوأ أجهزة المخابرات في التاريخ المعاصر والحديث وهي تجعل من الجهاز عنصر تهديد للدولة وللمواطن على السواء.

* خامساً: يعلم القاصي والداني أن جهاز الأمن الحالي هو بمثابة الإسفين الذي دقه البعض لإجهاض أهداف الثورة وهو أحد أكبر قلاع الثورة المضادة ليس للحكومة الانتقالية فحسب، وإنما لجميع الحكومات التي يمكن أن تخلفها، فلا يمكن لجهاز يشكل خطراً على الدولة وعلى سلامتها وعلى مكتسبات الثورة أن يكون حامياً لها .. ذلك من رابع المستحيلات.

* سادساً: منذ إنشائه في مطلع تسعينيات القرن الماضي، انحرف الجهاز عن عمله الحقيقي واتجه لتكوين إمبراطورية تجارية خاصة تضم المئات من المؤسسات والشركات العاملة في مجال البترول وتعدين وتصدير الذهب والسياحة والتجارة العامة وغيرها من أوجه التجارة، بل وصل به الأمر إلى احتكار توريد بعض السلع الضرورية مثل الدقيق، وأصبح يمتلك المصانع والمطاحن، وشيئا فشيئا تحول إلى ما يشبه دولة داخل دولة مستفيداً من التسهيلات المالية والتجارية والقانونية الممنوحة له، ولم يكن الغرض من إنشاء تلك المؤسسات التجارية الضخمة استخدامها كواجهات أو أغطية للعمل الاستخباري، وإنما كمؤسسات تجارية حقيقية تدر أموالاً ودخلاً خرافياً للجهاز وتشكل مصدراً مستمراً للفساد إذ أن المؤسسات والشركات التابعة للجهاز لا تخضع للمراجعة أو الرقابة الحكومية بأي شكل كان ولا أحد يدري إلى أين تذهب تلك الأموال الطائلة.

* هذه بعض الأسباب الكثيرة التي تستوجب التخلص من هذا الجهاز قبل أن يتفاقم أمره ويستفحل خطره ويتحول بمرور الوقت إلى داء مزمن يصعب استئصاله..!
مقدم شرطة م/ حسن دفع الله عبد القادر

 

 

الجريدة

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.