آخر الأخبار
The news is by your side.

تداعيات … بقلم: يحيى فضل الله  .. عم عبدالرحيم في اﻻسكندرية

تداعيات … بقلم: يحيى فضل الله  .. عم عبدالرحيم في اﻻسكندرية

(هل يكون الموت نوعا من تآلف فى غيابات الخليل ؟)
بهذا التساؤل كنت قد أنهيت قصيدة وأرسلتها فى العام 1994م
من القرن المنصرم إلى (هبابة عرق الجباه الشم) مصطفى سيد احمد كما يصفه الصديق الشاعر خطاب حسن أحمد مستعيرا عوالم حميد ،وقتها أدخلنى هذا السؤال فى منطقة خوف لا أستطيع أن أصفه، خوف ميتافيزيقى يستعصم بغموض التفاسير وحين إتكأ مصطفى سيد احمد إتكاءته الأخيرة مغادرا هذه الدنيا معلنا وجوده الشفيف والكثيف فى ذاكرة كل الذين إلتفوا حوله كنت قد عرفت بعدها ان آخر حفلاته الغنائية فى قطر قد إستهلها بأغنية (عازة) لخليل فرح وقد ختم الحفل بها ايضا وقتها عرفت ان مصطفى سيد احمد كان هو تساؤلى هذا الذى أدخلنى منطقة خوفى الميتافيزيقى ،جالت فى ذهنى هذه الخاطرة فى نهار الجمعة 21يونيو1996م ونحن نسمع إلى صوت مصطفى سيد احمد وهو يتحدث إلى زوجته بثينة وأولاده سيد احمد وسامر يعلن عن هواجسه تلك التى عادة ما تتحول لأوتار لها قدرة أن تمتص كلمات شعرائه ،يوصى (سيد احمد) ويحرضه على الرسم يسأل (سامر) عن أحلامه ويوصى (بشير) إبن اخته بمواصلة تعلم الكمبيوتر ولأن كل الذى نستمع إليه هو عبارة عن رسالة عبر الكاسيت ومن فنان لا يستطيع أن يتخلى عن صفته الفنية تكون هذه الرسالة المسموعة اشبه بخِطاب فنى رفيع يعلن فيه عن قلقه فى انه لم ينجز عملا جديدا لأن هنالك بعض إحباطات حتما سيتجاوزها ويعلن برغم ذلك عن آخر اعماله وتدخل اوتار العود فى نسيج هذا الخِطاب ويفاجئنى مصطفى وهو يغنى تلك القصيدة والتى لأول مرة أسمعها وهو يهبها عذوبته المعهودة:
(سافرى
فىّ شموساً ووتر
عمقى جرحى
إقتراباً وسفر
لأغنيك التماسك
ابتغى منك الوصول
امنحى القمح الخصوبة
امنحينى نفسى
دون خوف
دون همس
وامنحى المدن الدليل
فيا طفلة
ظلت تفتش
عن ضفيرتها
بين دمع ورحيل
هل يكون الموت
نوعاً من تآلف
فى غيابات الخليل؟)
فى ذلك النهار نهار الجمعة21يونيو1996م إستمع الى مصطفى وهو يدخل منطقة خوفى الميتافيزيقى ويغنى هذا التساؤل:
(هل يكون الموت نوعاً من تآلف فى غيابات الخليل؟)
ترى هل املك القدرة على ان احيل كل ذلك الى عمق التواصل الذى يجعل من الموت نوعاً من التآلف؟ التآلف المجازى بين الموت وغيابات الخليل؟ كنا نستمع خطاب حسن احمد, بثينة محمد نصر التى خصتنا بهذا الإستماع الى صوت خليلها الذى غاب، (بشير) لا يملك إلا ان يهرب من الغرفة خائفا من دموعه ،كل ذلك كان بمدينة الإسكندرية فى حى (الإبراهيمية) غنى مصطفى قصيدة عبدالعزيز العميرى ذلك الذى تآلف مع الموت من قبل:
(مكتوبة
فى الممشى العريض
شيلة خطوتك للبنية)
لا أستطيع ان أصف ذلك الفرح الذى تداخل مع الحزن فى وجه خطاب حسن احمد حين إكتمل غناء مصطفى لقصيدة العميرى كاملة لأننا كنا نبحث عن تكملتها حين إستمعنا اليها ناقصة فى عدد من الأشرطة واخيرا وجدنا تلك القصيدة كاملة هنا فى الإسكندرية بين نسيح خطاب مسجل من مصطفى إلى بثينة اعفونى من زخم المشاعر حقيقة ليست لدى القدرة.
مساء أليف ذلك الذى تجادل فيه نسمة إسكندرانية ذاكرتنا ونحن نحرضها كى نتحدث عن مصطفى من خلال ندوة دعتنا إليها جماعة (أصيل) الأدبية كنا قد وصلنا إلى حيث يوجد النادى النوبى العام حيث مركز جماعة (أصيل) الأدبية من خلال ندوة اسبوعية تقام فى يوم الجمعة من كل اسبوع داخل صالة بالنادى النوبى العام تحلق الجمهور حول جهاز تسجيل، قوبلنا بترحاب أصيل كانت مهمتنا ان يتعرف الإخوة المصريون على تجربة مصطفى، أستعين انا بحديث مصطفى سيد احمد عن تجربته وسيرته الذاتية فى كتاب (أهل المغنى) الذى أعده الأستاذ الموسيقار يوسف الموصلى فأقرأ على الحاضرين مقتطفات منه، يغنى (عمار) أحد شباب الأكاديمية البحرية بمصاحبة العود أغنية (مدن عينيك) للشاعر الكتيابى الشاعر، الشاب محمد صالح يقرأ على الحاضرين قصيدة (مريم الأخرى)، اعود مرة اخرى إلى حديث مصطفى عن تجربته، صورة كبيرة لمصطفى سيد احمد وهو يحتضن العود. كتاب (مزيدا من الأغنيات) الذى جاء به خطاب حسن أحمد من السودان يتجول بين الحاضرين، بين دفتى هذا الكتاب نجد قصائد للقدال وحميد وخطاب والصادق الرضى وعصام عيسى رجب سنهورى أقرأ قصيدة (عم عبدالرحيم والموت مرتين) ويستمع إليها الحاضرون بصوت مصطفى من خلال الكاسيت ،أدهشنى أن الشاب المصرى الذى كان يجلس بقربى يغنى مع مصطفى هذه الأغنية العظيمة كلمة كلمة، خطاب يتحدث عن مكانة مصطفى فى مسيرة الأغنية السودانية ويقرأ ثلاثيته الشعرية عن تجليات هذا الفقد العظيم وأحرضه أنا على قراءة قصيدته (البت الحديقة
الشاعر خالد حجازى الإسكندرانى من جماعة (أصيل) يقرأ نصا إبداعيا عن مصطفى ،أحد الشباب المصريين يطلب أن يستمع لقصيدة ويسميها بـ (لفتاتا غزالة) وهى قصيدة لمحمد القدال ولكن لم نجدها فى أشرطة الكاسيت الموجودة، الأستاذ الممثل أحمد البكرى يتحدث عن مصطفى ويركز على تعامله الإنسانى وعن علاقته ببورتسودان ويحرض الجميع على الإستماع إلى قصيدة حميد (نورا
(شفع العرب الفتارى
البفنوا الشايلة إيدم
ويجروا كابسين القطارى
لا سراب الصحراء مويه
ولا حجار سلوم موائد)
اقرأ هذه القصيدة على الحاضرين ونستمع إليها من الكاسيت ،لا ننسى ان نجيب على سؤالين من احد الإخوة المصريين .
السؤال الأول: هل تغنى مصطفى لشعراء غير سودانيين؟
ويجيب على هذا السؤال الشاعر الإسكندارنى خالد حجازى ملوحا بنموذج للشاعر مظفر النواب واُكمل أنا اسماء بقية الشعراء العرب الذين تغنى بأشعارهم مصطفى نزار قبانى ومحمود درويش.
السؤال الثانى كان عن السنوات العشر الأخيرة فى حياة مصطفى وكيف كان حجم العطاء فيها؟.
واختتمت هذه الجلسة الفنية عن مصطفى حين ربط الشاعر خالد حجازى بين تجربة مصطفى وتجربة المغنى الشعبى المصرى الشيخ إمام وقرأ ابياتا شعرية فى رثاء الشيخ إمام تنتهى بهذا التساؤل:
(مين ميت؟
ومين حى؟)
هذه لمحات سريعة وخاطفة لتلك الجلسة التى خصصتها جماعة (أصيل) لتكون عن هذا المغنى المبدع مصطفى تم كل ذلك بتواصل عميق بين هذه الجماعة وبين شباب هميمين من السودانيين بالإسكندرية.
هكذا إذن يمكننى ان أقول ان أغنية مصطفى سيد احمد تجادل موجات البحر الأبيض المتوسط وتحتضن ذلك الزبد الأبيض الذى يتلاشى كى يتجدد على رمال شاطىء الإسكندرية وها هو شاعر شاب من الإسكندرية يكتب عن مصطفى ويعلن انه يحب هذا المغنى اكثر منا جميعاً وأنا الآن انقل إليكم ما كتبه هذا الشاعر خالد حجازى:
((مغنى الفقراء الذى احبه
طوبى للفقراء وحدهم
لأنهم يعرفون معنى الغناء
ولأن الرب يحبنا كثيراً
فأنسانا صوتاً اشبه بالحقيقة ليس اكثر).
(اشد ساعد على المجداف
واقول يا إنتِ يا اغرق)
فكان حزن هذا الجنوب هو(الحزن النبيل)
(كل ما تباعد بينا عوارض
كل ما هواك يا طيبة مكنى)
ولأننا نحمل على وجوهنا صورة ابينا (عم عبدالرحيم يا كمين بشر) لكنها وتلك التى (انجبتك قطارا وحقيبة) تلك المعذبة بالتاريخ والمخضبة بالدماء الطاهرة والمسكونة بالأرواح الطيبة تلك السمراء يأمنها القلب وتعرفه بيننا.. يا مصطفى حنين الدم لا نستطيع منه فكاكا ابداً وهذا ما يجعلها تبدو لنا احسن تلك الحياة الناس البسطاء التواصل الغناء حرية اقول لك اكذب دائما فى الرسائل وأكتب سعيداً انا هنا وأشهدك على هذا الكذب وأمى بسيطة ولها رأى فيما تغنى هى ترى انك موسيقى موهوب وتطرب لعودك حد البكاء مرات عديدة امى يا ابا سامر ليست سوى ام الحسن فى قصيدة (عم عبدالرحيم)
اذكر صيفا حاراً بالإسكندرية صيف 1992م يومها تسللت إلى المسرح بصحبة صديق ادهشنى هذا القداس الأفريقى الذى تتوسطه انت وصوتك يهدر ويتوغل فينا بعمق البساطة وبساطة الدهشة وقفت لأهتف واحداً من مريديك يهلل فرحاً (من الواسوق ابت تطلع من الأبرول ابت تطلع) فى الإستراحة وصلت اليك وقدمنى الصديق الذى غيبت اسمه عن ذاكرتى لأنه قدمنى ببرود لك قائلا اسمى وأتبعه بـ (مصرى) رددت عليه امامك:
(والله نحن مع الطيور
الما بتعرف ليها خرطة
ولا فى ايدها جواز سفر)
فكان هناك الكثير لدى اود ان اقوله ولكن بكيت وقلت لك بالنص بعد ان شكرتك على ابتسامة جميلة:(ايها الرجل يجب ان تعلم انى احبك).
فى الصباح اعقبت رسالتى لصديقة حميمة بـ(وضاحة يا فجر المشارق غابة الأبنوس عيونك).
انا لا اعرف احداً جيداً وفقط لدىّ اليسار عكس اليمين ولا أؤمن بأحد سوى البسطاء الذين تغنيهم وتغنى لهم لكننى ارى جيداً وبعيون فى المنتصف تماماً ان ثمة شيئا ما سوف يحدث ربما هو حلمك سوف يتحقق حلمك حلمنا وأنت بنا بك نحن جيل بينه وبين الوصول لحظة شهيق.
رائع انت ولدى اسباب ميتافيزيقية لحبك انا لا اعرفها كلها ولكن منها ما هو امان ما, وعشق ما, وصدق ما فى صوتك ايها الرجل رائحة عرق ابى وجدل الطفولة والركض خلف الجمال المحملة بالقمح, حبيبة تعرف الشمس الحارقة وبنات يعشقن قمر السماء ايها النخلة مصطفى فى اعماقنا تزرع حنينا انا لا اصدق انك مت.
(صحى الموت سلام
ما يغشاك شر)
خالد حجازى – الإسكندرية 30/05/1996م ))
وأجمل الأغنيات هى تلك التى لم تغنّ بعد.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.