آخر الأخبار
The news is by your side.

حول الصراع مع قوى الحرية والتغيير

حول الصراع مع قوى الحرية و التغيير

بقلم: حليم عباس

يجب التمييز بين أُفق ثورة ديسمبر و أُفق قوى الحرية و التغيير؛ فعلى على الرغم من هيمنة الأخيرة سياسيا في هذه اللحظة، إلا أن السودان يعيش أُفق ثورة ديسمبر الواسع، و الذي ساهمت في تدشينه كل قوى الشعب السوداني بمختلف ألوانها و توجهاتها، قبل أن تتسيّد قوى الحرية و التغيير المشهد بشكل درامي و تصبح هي الممثل الحصري للثورة و للشعب، و يضيق أُفق الثورة الى أُفق “قحت”.
و لكن الجميع على الرغم من ذلك يعيش في الأفق الذي فتحته الثورة، و ما سيطرة قوى الحرية و التغيير إلا حدث عارض سيزول بكل تأكيد و تعود السلطة و السيادة كاملة للشعب السوداني. هذا الوضع الذي نعيشه الآن، بكل هشاشته، هو مكسب كبير للجميع، بما فيهم أعداء قوى الحرية و التغيير من الإسلاميين و غيرهم؛ لقد زال استبداد الحزب الواحد، و استبداد الفرد الواحد بالحزب الواحد، و زالت سيطرة جهاز الأمن، و لقد تحرر أعضاء المؤتمر الوطني أنفسهم و الكثير من الإسلاميين من الخوف و التضييق الذي كانوا يعانونه في ظل النظام السابق بقيادة الدكتاتور البشير. و هذا مكسب من مصلحة الجميع المحافظة عليه، و قوى الحرية و التغيير مهما كانت غير ديمقراطية فهي أضعف من أن تهدد هذا المكسب.
لا شك أن التحالف الحاكم الآن هو جزء أصيل في الثورة و يحمل أهدافها، و لكنه يحملها كما يتصورها هو، لا كما يتصورها كل الشعب السوداني. و لذلك فإن الصراع مع قوى الحرية و التغيير من أجل اعادة فتح أفق الثورة هو صراع مشروع بل و ضروري، و لكنه يجب أن يتم داخل هذا الأفق و ليس خارجه. أي يجب أن يكون صراعا من أجل استكمال أهداف الثورة بشكل حقيقي و ليس للردة عنها ، و لا ينبغي أن يؤدي إلى تضييع المكاسب التي تحققت حتى الآن، و هي مكاسب كبيرة رغم كل شيء. هذه هي القاعدة التي يجب أن تحكم الصراع مع قوى الحرية و التغيير، و التي يجب على الإسلاميين بالذات وضعها نصب أعينهم. أنا لا أفترض أن الإسلاميين هم أعداء الثورة و أهدافها، و لكنهم أعداء لبعض قوى الحرية و التغيير بلا شك، و من البديهي أن كلامي لا يشمل أولئك الاسلاميين المعادين للثورة و للتغيير. بعض القوى تريد أن تعتقد و أن تقنع الآخرين و العالم أن الإسلاميين كلهم ضد الثورة و ضد الديمقراطية، و في الواقع فإن هؤلاء الإسلاميين أكثر ديمقراطية و ثورية من هذه القوى. ما تحاول أن تفعله قوى اليسار هو أنها تريد تصفية حساباتها السياسية مع التيار الإسلامي عبر استغلال ثورة الشعب، و لقد تجاهل الكثير من الإسلاميين المنخرطين في هذه الثورة هذا الأمر عن قصد و عن وعي و تجرد باعتبار أن المعركة الأهم هي اسقاط نظام المؤتمر الوطني، و أن الثورة في الأساس هي ثورة ضد الظلم و الاستبداد و الفساد، و أنه يجب تفويت الفرصة على النظام و دعايته التي يرددها عن أن هذه الثورة هي ثورة تقودها قوى اليسار و الشيوعيين. و هذه الدعاية لم تكن خالية من الحقيقة، و لكن الأهم كان هو “المرحوم الصف الوطني” و إسقاط النظام. قوى اليسار لاحقا كشرت عن أنيابها بالفعل وسعت و ما تزال للسيطرة على الحكم و تنفيذ أجندها الخاصة و التي ليست بالضرورة هي أجندة الثورة. ومع كل ذلك، و على الرغم من كل ذلك، فإن الصراع من هذه القوى ( و هو صراع مشروع و ليس ضد الثورة و لا هم يحزنون) يجب أن يكون داخل أفق الثورة و في إطارها. صراع من أجل رد السطلة الى الشعب وسيادة دولة القانون و الديمقراطية و من أجل معالجة المشاكل الحقيقية المزمنة و المتراكمة التي أدت في النهاية لسقوط النظام.
إذا لم تعمل قوى الحرية و التغيير (و أنا استخدم هذا الاسم اضطرارا لأنه لا يوجد غيره للدلالة على هذا التحالف الهُلامي الهش الذي يحكم السودان) على استيعاب الإرادة الشعبية كاملة بمختلف تجلياتها التي تشمل القوى الإسلامية و القوى التي كانت جزءا من النظام بالإضافة سائر مكونات الشعب الأُخرى، و أيضا بقية القوى المشاركة في الثورة التي تحكم باسمها قوى الحرية و التغيير، اذا لم تعمل على ذلك عبر تسوية سياسية من تلقاء نفسها ، فإن حملها على ذلك بالضغط السياسي و الجماهيري هو أمر مشروع و واجب و ضروري.
من الناحية الأخرى، فإن هذه القوى مهما اختلفنا معها، فإن خيارات مواجهتها من خارج إطار الثورة و اهدافها هي خطأ كبير و كارثي، إن سقوط الحكومة الحالية يعني سيطرة العسكر، و الإنقلاب عليها مهما كانت مبرراته هو ردة عن الثورة و سيكون كارثي و مدمر. والعدو المدني خير من الحليف العسكري مهما كان. قوى الحرية و التغيير مهما كانت فإنها في الأصل قوى ديمقراطية (باستثناء الحزب الشيوعي و أحزاب البعث ) و تحمل نوايا طيبة تجاه الشعب (بما فيها الشيوعيين و البعثيين )، حتى لو كانت اقصائية تجاه الإسلاميين و بعض القوى، و لكنها بطبيعتها تعمل على ترسيخ قيم الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان، و نزعتها الاقصائية هي من أثر الصراع مع النظام و الصراع الايديولوجي مع الإسلام السياسي و من الطمع في الحكم، و ليست أمرا غريزيا و جوهريا في طبيعتها بالضرورة. و ذلك بخلاف العسكر الذي بطبيعتهم المحضة لا يُمكنهم أن يكونوا ديمقراطيين و لا من حملة قيم الديمقراطية و حقوق الإنسان و لا حتى على سبيل الاستهبال السياسي. الانتباه لهذا الفرق الجوهري مهم للغاية بالنسبة لأعداء قوى الحرية و التغيير من الإسلاميين بالذات، مع انهم من المفترض أكثر من يدرك ذلك من تجربة الانقاذ.
إن الخيار الأفضل و الذي في مصلحة الجميع هو التسوية السياسية و الدخول الى الانتخابات بأعجل ما يُمكن في ظل توافق وطني، فالانتخابات نفسها قد لا تغير شيئا اذا تمت بدون توافق و قد تنتج ديمقراطية هشة و ضعيفة تنتهي بانقلاب أو بما هو أسوأ. و اذا فكرت قوى الحرية و التغيير، و التي ستكون مسيطرة على البرلمان في تفصيل قانون انتخابات على مقاسها هي و بغير رضا بقية القوى، لكي تضمن بقاءها في السلطة، فإن الوضع سيمضي للأسوأ.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.