آخر الأخبار
The news is by your side.

الإصلاح والأمل والمستقبل … بقلم: روبرت وليم اسكندر .. (ثورة ٢١ أكتوبر والعظات الثورية)

الإصلاح والأمل والمستقبل … بقلم: روبرت وليم اسكندر .. (ثورة ٢١ أكتوبر والعظات الثورية)

ثلاث ثورات فجرها الشعب السوداني علي مدي نصف قرن منذ استقلاله عام ١٩٥٦ للأطاحة بثلاث أنظمة فاشلة فأستحق بذلك الاستاذية في أدب الثورات الشعبية بين شعوب العالم وكانت ثورة ٢١ أكتوبر ١٩٦٤ فاتحة لهذا العمل الثوري ،فما هي السمات العامة لتلك الثورة ولفترتها الانتقالية ولحكومتها المنتخبة؟

١- شل الإجماع الشعبي الثائر القوة العسكرية الحاكمة وأبطل معولها فسلمت السلطة طواعية للمدنيين من دون مقاومة ولم يكن لذلك النظام أثار فيما صار يعرف لاحقا بالدولة العميقة .

٢- كانت الثورة مركزية في الخرطوم حيث كانت السلطة مركزية والإدارة مركزية وكانت (المديريات) تابعة للمركز تبعية تامة.

٣- غلبت قوة التغيير الشعوري علي قوة التغيير الفكري فأنفض سامر الثورة بمجرد أسقاط النظام مما جعل الثورة عرضة للسرقة من القوي الحزبية التي كانت في وقتها طائفية بحكم نشأتها الطائفية في الحركة الوطنية القريبة العهد. ولم تكن للاحزاب الطائفية أستراتيجية أو خطة عمل لنقل ألبلاد الي خانة التطور السياسي أو التقدم الاقتصادي وإنما كان همها يدور حول السلطة وصولا إليها أو صراعا من أجل البقاء فيها.

٤- لم يكن للثورة خطباء او محمسين منظمين وقد فاجأت القوي الحزبية فأنضموا الي ركابها لاحقا بعد أن نضجت واستوت.

٥- كان اليسار في موجة من الصعود وبخاصة في المركز وهو منافس شرس للأحزاب الكبيرة وكانت القوي الاسلاموية هي نفسها في حالة صعود وهي لا تملك إلا أن تحتمي بهذا الحزب الطائفي او ذاك.

٦- كانت مشكلة الجنوب هي المحور الذي دارت حوله الثورة حيث عجز الحكم العسكري عن الحل السياسي لها فأنصب جهده علي الحل العسكري . ولما جاءت الفترة الانتقالية بسلطتها ألانتقالية عجلت بالحل السياسي للمشكلة وعقدت مؤتمر المائدة المستديرة ألذي خرجت منه لجنة الاثني عشر، وعين أحد الجنوبين في منصب سيادي (وزارة الداخلية) هو السياسي المخضرم كلمنت امبورو ،ولو أن السلطة الطائفية المنتخبة كانت حريصة علي تطبيق مقررات لجنة الاثني عشر لما تفاقمت مشكلة الجنوب لاحقا ومن هذه المقررات تبني النظام الفيدرالي الجنوب والشمال معا.

٧- ضغطت الأحزاب الطائفية علي الحكومة الانتقالية برئاسة سر الختم الخليفة والمكونة من جبهة الهيئات (النقابية) فغيرتها ألي حكومة قومية بمشاركة ألاحزاب حسب اوزانها في أخر انتخابات.

من هذا السرد نستخلص أن الأحزاب قد استعجلت تولي السلطة تخوفا من ان تؤسس جبهة الهيئات لأوضاع جديدة في الفترة الانتقالية وهي ذات اتجاه يساري في ظنها، وهكذا اجهضت الثورة مع بدايات الفترة الانتقالية بسرقة القوي اليسارية واليمينية معا لمكاسب الثورة الشعبية وتوظيفها حزبيا.

ولم تستطع الفترة الانتقالية ان تضع اي خطة استراتيجية المستقبل البلاد كما هي حالة أحزاب الحرية والتغيير اليوم.

وجاءت الانتخابات العامة بنظام برلماني نالت به الأحزاب الطائفية الأغلبية في البرلمان وشكلت الحكومة برئاسة محمد احمد محجوب ثم برئاسة الصادق المهدي تاليا بعد خلافه الشهير مع عمه الإمام الهادي حول سيطرة الإمامة علي الحزب (عاد فيما بعد فجمع بين الإمامة وزعامة الحزب !!)

وكان الحكم ائتلافيا بين الحزبين الكبيرين وأحست الأحزاب الطائفية بخطر الحزب الشيوعي علي مستقبلها في الحكم بعد أن اكتسح الخريجيين وادخل أول امرأة سودانية في البرلمان ،فقام الحزبان الكبيران بدعم جبهة الميثاق الإسلامي بتعديل الدستور في بند الحقوق والحريات وبطرد نواب الحزب الشيوعي في البرلمان بعد حظر نشاطه ولما حكمت المحكمة العليا ببطلان ذلك التعديل لم تأخذ الحكومة برئاسة الصادق المهدي بقرار المحكمة فكان ذلك أول خرق للدستور ومبدأ أستقلال القضاء في العصر الحديث.

وانسدت السبل امام الحزب الشيوعي لممارسة حقه الدستوري في العمل السياسي فقام بتدبير انقلاب ٢٥ مايو بالتحالف مع القوميين العرب ( الضباط الاحرار) .

فالأنقلابات العسكرية الثلاثة خرجت من عباءة الأحزاب، أنقلاب عبود كان وراءه سكرتير حزب الأمة عبد الله خليل وانقلاب نميري كان وراءه الحزب الشيوعي وانقلاب البشير كان وراءه حزب الجبهة الإسلامية. وخطأ الأحزاب انها سدت الطريق الي السلطة أمام المعارضة فلجأت للانقلاب عليها عسكريا.

وقد عادت هذه الأحزاب بعد معارضة سياسية وعسكرية الي مشاركة السلطة العسكرية في الحكم .فمشكلة السودان هي تكمن في نظامه الحزبي بأتجاهه الي جعل السلطة غاية في ذاتها لا وسيلة للحكم الصالح وكان طبيعيا أن تؤول الأنظمة العسكرية الي نفس العجز والفشل وهي كالاحزاب لا تلتزم بأستراتيجية ولا خطة ولا برنامج وإنما جهدها في الحفاظ علي أمن نظامها مع توسيع الفرص لمنتسبيها في الفساد المالي والإداري.

هذه الأحزاب لا ننتظر منها نهضة شاملة لبلادنا لا الأحزاب الطائفية التي هرمت وفقدت صلاحيتها ولا الأحزاب اليسارية والعروبية وهي لا تقدم إلا بضاعة بائرة وصوتا مشروخا من الماضي، ولا الأحزاب الاسلاموية مهما جددت جلدها او مسمياتها وقد خبرها الشعب علي مدي ثلاثين عاما ولم يجن منها إلا مر الحصاد من فساد وكساد.

لا امل للشعب في نهضة شاملة إلا لدي المهنيين المستقلين فلم يحكموا سوي فترات متقطعة عقب الثورات مع الضغوط الحزبية عليهم فلنعطهم فرصة أطول بتأييد شعبي أشمل.

وأويد بشدة النظام الرئاسي حيث ينال به رئيس الجمهورية التفويض الشعبي المباشر ولا احبذ لمستقبل البلاد النظام البرلماني الذي يصير فيه البرلمان ساحة للصراع الحزبي. اؤيد ان يكون المرشح لرئاسة الجمهورية مهنيا مستقلا يؤسس حكومته من التكنوقراط ذوي التخصصات العالية والتجارب الواقعية ، ويحدد الدستور العلاقة بين رئيس الجمهورية والبرلمان (بعضويته الحزبية) علي مبدأ الضبط والتوازن check and balance

ارجو ان تكون ثورة ٢١ أكتوبر قد فتحت عيوننا علي الواقع حتي نخطط بذكاء للمتوقع.

والله المستعان

روبرت وليم اسكندر
المرشح القومي المستقل لرئاسة الجمهورية .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.