آخر الأخبار
The news is by your side.

إعوجاج الفكر السياسي و فشل تشكيل الامة و بِناء الدولة بجنوب السودان (5)

إعوجاج الفكر السياسي و فشل تشكيل الامة و بِناء الدولة بجنوب السودان (5)

د/ بيتر أدوك نيابا  

ترجمة: يدجوك آقويت

جنوب السودان في حاجة إلى خطوات جادة للخروج من الفترة الانتقالية:

ليس من المبُالغة إن قلت إن جنوب السودان مرت بفترة إنتقالية دائمة منذ عام 1956؛ الفترة الأول كجزء من جمهورية السودان، التي انتهت في عام 2011. ثم دخلت مرحلة انتقالية، و كانت غير ضرورية ابداً. الدستور الإنتقالي لجمهورية جنوب السودان (TCSS  2011) الذي وضع مع الإستقلال، كان يمكن تجنبها لولا إفتقاد النخبة السياسية والتي تقودها الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى الإرادة السياسية لبناء بلدٍ مُسالم. وبطبيعة الحال، فإن العملية السياسية المؤدية إلى الإنتخابات النصفية عام 2010 سممت المناخ السياسي، و قادت إلى إندلاع العنف إحتجاجاً على نتائج الانتخابات في ولايات أعالي النيل وجونقلي. مع ضرورة الإشارة إلى إن الدستور المؤقت لجنوب السودان كانت مناسبة لتستخدم كدستور للدولة الوليدة فقط، مع حذف كل ما يتعلق بالسودان.

ومع ذلك ، فإن من صاغوا الدستور – كما لو كانوا يبدون إحباطهم من بعض الزعماء في دوائرهم الانتخابية – وهبوا الرئيس جميع السلطات التي من شأنها أن تجعله ديكتاتوراً شمولياً. مُنح الرئيس صلاحيات دستورية لإقالة المسؤولين المنتخبين على المستوى الوطني والولائي. لا عجب في أنه بعد مرور ثماني سنوات على الإستقلال والحرب الأهلية، أصبح قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان والجمهورية الوليدة نسخة طبق الأصل من الجسم الهزلي والمأسوي المُسمى بحزب المؤتمر الوطني في السودان. لقد قام الرئيس بتقليص كل المؤسسات، التي أصبح جنوب السودان دولة تمر بمرحلة انتقالية دائمة.

الفترة الانتقالية الثانية كانت بموجب إتفاقية السلام لحل الصراع بجنوب السودان (ARCISS) في أغسطس 2015. مرت ثلاث أشهر فقط من بداية تنفيذ الاتفاق التي سرعان ما أنهارت عقب أحداث القصر الرئاسي في جوبا في 8 يوليو 2016. مُعلناً رجوع البلاد إلى مربع الحرب وعلى نطاقاً أوسع هذه المرة، إذ أجتاحت العنف المناطق التي كانت بلا حرب سابقاً في بحر الغزال والإستوائية آدى إلى ظهور وإنتشار جماعات المعارضة السياسية والمسلحة. في العام 2017 ، دشن ال(إيغاد) المنتدى رفيع المستوى (HLRF) لإعادة أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات. وأدى ذلك في النهاية إلى التوقيع في 12 سبتمبر 2018 في أديس أببا ، إثيوبيا ، على إتفاق السلام المنشط بشأن حل النزاع في جنوب السودان (R-ARCISS) مما أدى إلى فترة إنتقالية ثالثة، تسبقها فترة قبل إنتقالية لمدة 8 أشهر تهدف إلى إعطاء أطراف الصراع وقتاً للتحضير للفترة الإنتقالية.

نحن في بداية شهر مارس من العام 2019 وقد مر جزءٍ مقدر من الفترة قبل – الإنتقالية و يوضح إن أطراف النزاع أهدروا هذه الفترة دون القيام بأيّ أنشطة ذات معنى وقد كان من المتوقع أن يقوم رئيس الجمهورية بمبادرة لدعوة القادة السياسيين لورشة عمل برنامج سياسي إستعداداً للتنفيذ. حان الوقت لتأسيس حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية (R- TGoNU). بمُتابعة الساحة حالياً، نلاحظ عدم تصرف الزعماء بشكل إستراتيجي لإخراج البلاد من الأزمات الإجتماعية والسياسية الحالية ؛ إنهم ، على العكس من ذلك ، يتصرفون بشكّلٍ تكتيكياً من أجل الحفاظ على قوتهم. هذا هو الموقف الذي من المحُتمل أن يستمر طوال الفترة الإنتقالية، حيث أن كل حزب سوف يستعد للإنتخابات قبل نهاية الفترة الإنتقالية مباشرةٍ كما هو موضح في R-ARCISS، مما قد يضع البلاد على مُفترق طرق محفوفة بالمخاطر.

إن القيادات السياسية الحالية بجنوب السودان، سواء في الحكومة أو في المعارضة لا يترددون في إتخاذ الحرب وسيلةٍ للسُلطة، لذا من المحتمل أن يعيدوا البلاد إلى الحرب لتحقيق طموحاتهم في السلطة، بدلاً من تقليص الأنا الفردية أو الجماعية لصالح البلاد وشعبها مما يشير إلى وجود عجز واضح في الفكر الوطني. هذا النوع من الدمار الذي يحدث الان في أجزاء من جنوب مناطق باريّ و ولاية نهر ياي، هو مؤشر لما من المحتمل أن يحدث بمجرد فشل الفترة الإنتقالية نتيجة مغامرات القادة، والتي ستكون بمثابة إعلان موت جنوب السودان كدولة. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه المرحلة الحرجة هو، كيف سنمنع الانزلاق لهذه الهاوية؟

العنف المُنتشر على نطاقٍ واسع و وجود “المسُلح المجهول” unknown gunman في السنوات الخمس الماضية، أحبط العديد الناس عن التنوير، وبات من المستحيل التفكير في إنتفاضةٍ شعبية مثل تلك التي أطاحت بالجنرال عبود (1964) أو نميري (1985)، بجانب إنخفاض مستوى الوعي الإجتماعي و السياسي بجنوب السودان، والذي بدونه، لا يمكن تحريض الجماهير على الثورة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.