آخر الأخبار
The news is by your side.

صحة المواطن أولوية خاصة في الفترة الانتقالية

الإصلاح والأمل والمستقبل … بقلم: روبرت وليم اسكندر

صحة المواطن أولوية خاصة في الفترة الانتقالية

إذا كانت للفترة الانتقالية أولويات عامة، كالسلام الشامل، ومحاسبة النظام المباد على جرائمه، وحل الأزمة الاقتصادية إلخ، فإن للفترة الانتقالية أولويات خاصة على رأسها صحة المواطن التي صارت مهددة بالموت البطيء. فالمجتمع الدولي يحذر من آثار حرب اليمن الكارثية، وعلى رأسها الأمراض الوبائية، بجانب المجاعة، بينما المواطن السوداني يقف على حافة الانهيار الصحي، لا بسبب الحرب، وإنما بسبب سياسات النظام المباد العاجزة الفاشلة.

وإنه ليحز في نفسي أن ترتفع فاتورة العلاج بالخارج مما يستنزف مواردنا المالية لمصلحة الدول المستضيفة فيما تسميه في ميزانياتها بالسياحة العلاجية. فمتى نبدأ في توطين العلاج بالداخل كشعار فارغ المحتوى ظل يرفعه النظام المباد بينما يصيب العلاج بالداخل التدهور المروع. وصارت العيادات الخاصة والمستشفيات الخاصة تجذب المواطنين ولو على حساب مدخراتهم المحدودة فتصرفهم عن العلاج في مؤسسات القطاع العام التي لا يلجأ إليها إلا ذوو العوز والفاقة من المواطنين.

علينا في المرحلة الانتقالية أن نطلب رسمياً الدعم المالي والفني من منظمات الأمم المتحدة والدول الشقيقة والصديقة في صندوق خاص يخصص للعلاج بالداخل، وذلك بأن نحدد احتياجاتنا العلاجية ذات الأولوية، وأكثرها إلحاحاً لمستشفياتنا العامة احتياجان:

المعدات اللازمة للفحوصات، والأدوية المعالجة. أما باقي الاحتياجات فتتكفل بها ميزانياتها برفع النسبة المخصصة لبند الصحة، وكوادرنا الطبية المؤهلة. ولا أريد أن آخذ كل مفردة على حدة من سلسلة الطب العلاجي، فهي مفردات مترابطة لا انفصال لبعضها عن بعض.. فبجانب مخصصات الحكومة المالية للعلاج، وهي ستكون في البداية ضعيفة، والموارد الخارجية لصندوق العلاج، لابد من جهد ذاتي يقوده شباب الثورة بنفسه، بعد استكمال مهام ثورتهم، وذلك في هذين الاتجاهين:

الأول: جمع التبرعات المالية النقدية من سائر المواطنين وبخاصة من رجال الأعمال، للصندوق القومي للعلاج، وبصورة من الشفافية الموثقة المعلنة في قوائم الشرف.
الثاني: قيادة لجان الأحياء الثورية لحملات شهرية تستهدف إصحاح البيئة، استكمالاً للجهد الرسمي من سلطات المحليات.
لابد من استثمار طاقات الشباب، من ذكور وإناث، في عمل ثوري من نوع آخر، بنفس أخلاقيات الاعتصام أمام القيادة العامة، وهو دعم الصندوق القومي للعلاج، على أن تكون له إدارة مختارة حكومية وشبابية، تخضع للمحاسبة والمراجعة القانونية دورياً. ذلك بأن الفعل الثوري ليس لحظياً لتغيير نظام بنظام وإنما هو فعل مستدام لتغيير نمط الحياة بنمط آخر جديد. وذلك حتى تستيقظ السلطات المحلية من سباتها العميق لتقوم بواجباتها في تأدية الخدمات على وجه الجودة، وأهمها على الإطلاق صحة المواطن وقائياً وعلاجياً.

الطب الوقائي
وعلينا أن نقوم من جانبنا بما هو أهم من الطب العلاجي، وهو الطب الوقائي، وهو يكلف أقل بكثير من الأول. وقد استرعى اهتمامي ما قرأته في أدبيات العالم الثالث من أن الدولة التي تفتح مشفىً جديداً أو سجناً جديداً تدل بذلك على فشلها في الطب الوقائي والأمن الوقائي!! وهذا حق لا مرية فيه، فمكافحة البعوض زهيدة التكلفة إذا قيست بتكلفة العلاج من الملاريا.

أما الطب الوقائي فالمسؤولية عنه بالكامل إنما تقع على سلطات المحليات في هذه الاتجاهات:

إصحاح البيئة في الأحياء والأسواق، من حيث التخلص السليم من القمامات ونظافة الشوارع، وصحة محلات الأطعمة والأطعمة نفسها.

الرش الدوري المنتظم من الجو وداخل المنازل للناموس والذباب وسائر الحشرات الضارة.

سلامة الصرف الصحي والقضاء على المياه الراكدة داخل الأحياء وخارجها، بتجفيفها أو رشها.

توفير المراحيض الصحية الجماعية لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، وللباعة في الأسواق.

تشجير مداخل البيوت في الأحياء كمصدات للرياح الناقلة للأمراض.
وهذه المسؤوليات إنما تحاسب عليها المحليات من سلطات الولايات كواجب وطني للطب الوقائي لتقليل تكلفة الطب العلاجي.

توطين صناعة الدواء
بجانب اعتمادات الحكومة لصناعة الدواء، وهي موارد قليلة في البداية، ثم موارد الصندوق القومي للعلاج، وقد تكون ضخمة، لابد من تشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي في هذه الصناعة الحيوية، بتقديم تسهيلات وامتيازات تفضيلية للمستثمرين في هذا القطاع. وذلك حتى تتسع قائمة الأدوية المصنعة محلياً، مع دعم الاستيراد للأدوية الأخرى كاستثناء لسد النقص.

هذا ولابد من الإشراف والرقابة لتحقيق الجودة في التصنيع المحلي، وربما للتصدير لدول مجاورة حتى ندخل سوق المنافسة. وهذا ما تقوم به الإمدادات الطبية تحت إدارة فعالة جديدة.

توفير البيئة الصالحة للكوادر الطبية
لابد من إعادة النظر في دخول ومخصصات الأطباء، المتخصصين والعموميين، ولسائر الكوادر الطبية المساعدة، حتى نجذبهم للعمل بالداخل ونصرفهم عن العمل خارج البلاد، في حالة من الاستنزاف الدائم والمتصاعد لهذا المورد البشري. وهذا يقتضي أيضاً إصلاح بيئة العمل بالمستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، كما يقتضي إدارة جديدة لوزارة الصحة الاتحادية والولائية، بوصفها قائمة على ضمان سلامة رأس المال البشري الذي نعده للنهوض بهذه الأمة.

هذه الوزارات تعمل لهدف واحد مع وزارات الشباب والرياضة، وهو صحة الإنسان وسلامة الأبدان، كما ترعى وزارات التعليم والثقافة نجابة العقول.

التأمين الصحي
وهو حق لكل مواطن وكل أسرة، في المدينة أو القرية والفريق، وقد تاجر به النظام المباد كهياكل تفتقر إلى الكفاية. فالتأمين الصحي ينبغي أن يكون له اختصاصيون وأطباء عموميون في المراكز الحكومية، تتبعه أجهزة للفحوصات والمعامل كافية، وصيدليات كثر، تتوفر لديها الأدوية الكافية، مع العمليات الجراحية الكفوءة، وليست هذه المؤسسات التي تفتقر لأبسط الإمكانيات، أو هذه المظلات العلاجية القاصرة، أو هذه الصيدليات ذات العدد المحدود التي يغشاها المرضى دون أن يجدوا الدواء بعد طوافٍ مضنٍ.

حالات مجانية العلاج
المستشفيات العامة لابد أن تخصص أقسام الحوامل الولادة وطب الأطفال للعلاج المجاني، ليس كشعار أجوف، وإنما كواقع معاش، وأن يمتد العلاج بالمجان لحالات الشيخوخة والإعاقة. وذلك بأن يكون العلاج في الأقسام الأخرى بمقابل رمزي يجُمع لتطوير المستشفيات إنشائياً.

قياس الأداء في المستشفيات والمراكز الصحية
لابد من قياس الأداء في هذه المشافي لمدى قربه من الجودة، وفق نظام دقيق للقياس. كما يجب أن يمتد هذا النظام إلى المشافي الخاصة لضمان أدائها في مستوى التميز، وأن يكون الهدف الاستراتيجي أن يلحق الأداء في المشافي الحكومية نظيره في العلاج الخاص. ونلاحظ أن التدهور قد لحق بالمشافي الخاصة، ولابد من مطالبتها بمستوى الجودة، إن لم يكن مستوى التميز.

تحويل المبادئ والشعارات إلى واقع ملموس
مبدأ الصحة للجميع أو شعار مجانية العلاج لابد أن يتحول إلى الواقع الصحي للبلاد. وهو من أبسط حقوق المواطنين التي تندرج تحت حق الحياة، الملازم لحق الحرية، كتوءمان لا ينفصلان. فليس لحق الحرية الذي نلناه بمبدأ مدنية السلطة من قيمة حياتية إذا لم نحقق معه الحق في الحياة، كما يمثله الطب الوقائي والعلاجي. فلنوجه الطاقات الثورية لتحقيق الارتقاء بخدمات الرعاية الصحية والعلاج وبتكلفة رمزية، إن لم تكن مجانية.

من حق الأطفال علينا أن يجدوا التحصين من الأمراض، والعلاج بالمجان في سائر المستشفيات، ذلك أُدخل في الإعلان العالمي لحقوق الطفل. ومن حق النساء الحوامل أن يجدن الغذاء الضروري والرعاية الصحية طيلة شهور الحمل، والولادة المجانية في المشافي العامة، وذلك أُدخل في الإعلان العالمي لحقوق المرأة.

ومن حق المواطن عامةً على السلطة أن توفِّر له الرياضة البدنية، والعلاج الكافي في المشافي، وذلك من ضمن الحقوق لسائر المواطنين، ناهيك عن المساواة في هذه الحقوق. وعلى السلطة والمجتمع بإعلامه الحر أن ينشر الوعي بهذه الحقوق جنباً إلى جنب مع مادة الترفيه. نريد أن نرى برامج تلفزيونية للإرشاد الصحي والتوعية الصحية بديلاً لتلك البرامج الدعائية للأغراض الشخصية، الوعي الصحي لدى المواطن لا يقل في الأهمية من وعيه السياسي الذي توفر حتى فاض.

والله المستعان

المرشح القومي المستقل لرئاسة الجمهورية

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.