آخر الأخبار
The news is by your side.

عوائق، أمام الصناعات التحويلية والتحول نحو الإنتاج / ما بعد الجائحة التاجية / 2

عوائق، أمام الصناعات التحويلية والتحول نحو الإنتاج / ما بعد الجائحة التاجية / 2
بقلم: جورج حدادين

سبق للمجتمع الأردني أن ساهم في تأسيس شركات مساهمة عامة في قطاع الصناعات التحويلية منذ بداية العقد الخامس من القرن الماضي، تأسيس شركة مناجم الفوسفات الأردنية، وشركة الأسمنت، مصفاة البترول، التعدين العامة، شركة البوتاس … ألخ، هل يمكن إعادة انتاج هذا المثال، نعم بكل تأكيد، بالرغم من ضنك العيش، فالمجتمع افضل حال عما كان عليه في الخمسينات، والخبرات والكفاءات المتوفرة أرقى نوعية وأكثر عداداً، مما كان، والفترة الزمنية لتحقيق الانتاج في قطاع التعدين والصناعات التحويلية، ما بين ثلاث الى خمس سنوات، ولا تحتاج إلى حجم اسثمار ضخم، يحقق مردوداً عالٍ جداً، مثلاً، فترة استرداد رأس المال في صناعة الصخر الزيتي تتراوح ما بين سنتين ونصف وثلاث سنوات، وقس، والتعامل مع الصناعات التحويلة،على هذه الأرض، يمتد الى قبل سبعة الآف عام، حيث تم صهر النحاس وتشكيله، في وادي عربة، وفي الآلف الثاني قبل الميلاد، تم صهر الحديد وتشكيله، من قبل اسلافنا في عجلون ووادي عربه.
أين تكمن المشكلة ؟ تكمن في قانون التبعية – الهيمنة الذي يحكم الأردن، ويغلق الطريق أمام تطوره الطبيعي، من خلال حجز تحول الدولة والمجتمع الى الإنتاج، وفرض استدامة بنية دولة مستهلكة ومجتمع مستهلك، يعيشان على المساعدات الخارجية والقروض، لكي يبقى القرار السيادي مرهون بيد قوى التمويل، وبحسب القانون ذاته، يتم اخضاع المجتمع عامة والنخب خاصة لعملية تزييف وعي مستدامة، من خلال الحفاظ وتعميق سيادة ثقافة الاستهلاك، وتعميق الثقافة الغيبية بوجهيها اللبرالي والديني، وتعميم شعور العجز وعدم الحيلة لدى المجتمع، وتسليع الكفاءات والخبرات والقوى العاملة في الخارج، على حساب تنمية قوى الانتاج الوطني، وترويج فكرة الاصلاح عبر مقاربة ” تغيير البنى الفوقية”، وتجريم الاقتراب من مقاربة ” تغيير البنى التحتية” أي التحول نحو الانتاج ومعاقبة من يدعو للتحول بشكل مباشر أو غير مباشر.
بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، بداية تسعينات القرن الماضي، وسيادة الطغمة المالية، وبدء تطبيق “توافقات واشنطن” التي تنص على خصخصة القطاع العام اينما وجد، ورفع يد الدولة عن التدخل في آلية السوق، ورفع الدعم عن المواد الأساسية، اي لقمة عيش الشرائح الكادحة والمفقرة والمهمشة، وتعميم مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين” أي منع النقابات العمالية من الدفاع عن منتسبيها، بمعني وضع العامل والموظف المجرد من أي سلاح أمام رب عمل مدجج بكافة أنواع الأسلحة القانونية والأمنية والمادية بالاضافة الى امتلاكه سلاح الاعلام، التي تمكّن من تعميم ” صناعة القبول وثقافة القطيع” لتنتج ثقافة تسليع البشر وتقديس المال وتكفير القيم الإنسانية.
بناء على تطبيق املاءات الصندوق والبنك الدوليين تم بيع الشركات الوطنية المساهة العامة، بأبخس الاثمان لجهات، الكثير منها غير معرف، بحجة اطفاء المديونية والاصحاح الاقتصادي فجاءت النتائج، كما هو متوقع، الإمعان في تدمير الاقتصاد وبلوغ المجتمع الحضيض.
لا يعني أن التحول نحو الانتاج نزهة سهله، بل هي عملية يعتريها الكثير من الصعوبات، التي يمكن تخطيها بواسطة الإرإدة وإعمال العقل المبدع المنتج، خير تشخيص لهذه الصعوبات ما تضمنته خطة التنمية الاقتصادية – الاجتماعية الأردنية الرسمية (1986- 1990) وهي آخر خطة تنمية، حيث بعدها تم تسليم مقاليد الحكم للصندوق والبنك الدوليين، (المرحلة الثالثة من الانتداب)
الصعوبات المشخصة في هذه الخطة، ما تزال بمعظمها ماثلة، وعلى النحو التالي:
1. ضعف الترابط بين الصناعات المختلفة، واستمرار اعتماد الصناعات التحويلية بشكل رئيسي على المواد والخامات المستوردة من الخارج، ( علماً أنها متوفره تحت سطح الأرض الأردنية، يتم حجزها بفعل قانون الهيمنة – التبعية).
2. ضعف قدرة الاجهزة الوطنية على اعداد وتطوير دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع الصناعية الكبرى، وعدم الاشتراك الفعلي لهذه الاجهزة مع المستشارنين الاجانب الذين يقومون باعداد هذه الدراسات، ولا يملكون المعرفة الكاملة بالبيئة الاستثمارية الأردنية أو الاقليمية مما يؤثر على سلامة هذه الدراسات، ( رجاءً التمعّن والتدقيق بعمق وجذرية وخطورة هذا التشخيص، من قبل كفاءات وطنية مخلصة، فعل المنع من احداث التراكم المعرفي)
3. ضيق السوق المحلي المتاح لإنتاج الصناعات الأردنية مما ينتج عنه فوائض في الإنتاج، بالاضافة الى إغراق السوق المحلي بالمستوردات الاجنبية المنافسة،(انتبه، انها دعوة غير مباشرة لأهمية توحيد السوق العربية، وفي الوقت ذاته التنبيه لخطورة تداعيات سياسة فتح السوق أمام البضائع والسلع والمواد الأجنية المدمرة للانتاج الوطني)
4. تدني قيمة الصادرات الصناعية نتيجة لضعف التكامل والتنسيق على المستوى العربي، ( بناء دولة الأمة هي خشبة الخلاص بالنسبة للمجتمع الأردني خاصةً والعربي عموماً)
5. ارتفاع كلفة المستلزمات والخدمات المحلية المقدمة للصناعة وغيرها وعدم توفر وسائل الشحن البحري بأسعار منافسة الى الاسواق الطبيعية للسلع الأردنية، ( سبق وان طرحنا موضوع الطاقة، الصخر الزيتي والطاقة البديلة، الطاقة الشمسية، عناصر متوفرة منذ القدم، وحجز استثمارها حجز متطلبات التحول نحو الانتاج)
6. تعدد الجهات المتعلقة باقامة الصناعات (دور البروقراط المعطل للتحول الى الإنتاج)
7. تدني حجم الاستثمار الاجنبي والعربي في الصناعات الأردنية ( وغياب نهج التراكم الرأسمالي الوطني)
8. غياب الحوافز الضريبية الكافية لتشجيع الصادرات الصناعية والتحويلية والاستثمار بها، مثل:
– اعفاء الارباح الناشئة عن التصدير من ضريبة الدخل
– السماح بطريقة الاستهلاك المتسارع للمكائن والآلات
– منح اعفاءات ضريبية للصناعات التي تمتلك مراكز ابحاث
– اعفاء الارباح التي يعاد اسثمارها من ضريبة الدخل
– اعفاء نسبة مؤية من ارباح المؤسسات التي تقوم بتاهيل كوادرها

نستنتج بأن منع التحول نحو الانتاج قاعدة ارتكاز رئيسة لضمان ديمومة الهيمنة والتبعية، ووعي مهمة كسر التبعية مفتاح تحقيق الاستقلال الناجز وضمان الحفاظ على المجتمع والدولة،
الى كل هؤلاء الذين يدّعون الحفاظ على الوطن والوحدة الوطنية… الخ عبر الحفاظ على هذا النهج التبعي السائد، ومتابعة تسويقه، أكان من قبل مؤسسات أو افراد، أنكم بمعرفة أو بدون معرفة تساهمون في تدمير مستقبل بناتكم وابنائكم، وهي جريمة موصوفة مكتملة الاركان، وبوعي أو بدون وعي تدمرون البلد، وهي خيانة عظمى يجب أن يجرّم عليها القانون، ما بعد الجائحة التاجية ليس كما قبلها.

يتبع…

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.