آخر الأخبار
The news is by your side.

هل نحن موعودون بـ (منصور خالد) جديد؟

هل نحن موعودون بـ (منصور خالد) جديد؟

بقلم أمجد هاشم

إن الأثر الإيجابي لإنضمام عمر قمرالدين بديناميكيته العالية إلى طاقم وزارة الخارجية لا يخفى على متابع وأكاد أجزم بأنه كان وراء الموقف المشرف والمستقل للسودان في الجامعة العربية مؤخرا إزاء مشروع القرار المصري المعادي لأثيوبيا وهو ما أعاد إلى ذهني مقالا كنت قد نشرته قبل فترة عندما رشح خبر ترشيح السيد قمر الدين لوزارة الخارجية وحينها لفت انتباهي وجه الشبه الشديد بينه وبين الدكتور منصور خالد (أطال الله عمره وشفاه).

أعترف بأنني قبل الترشيح لم أكن أعلم عن (عمر قمرالدين) سوى أنه ناشط سوداني/دارفوري مقيم بالولايات المتحدة وساهم بقدر كبير في إبراز قضية دارفور ضمن الأجندة السياسية الأمريكية… ولكن ترشيحه لوزارة الخارجية دفعني للبحث عنه مستقصيا بمساعدة (عمو قوقل) فعثرت على مجموعة من مقالاته المنشورة في بعض المواقع الإلكترونية وعدد من اللقاءات المفتوحة والحوارات التلفزيونية التي أجراها مع قنوات أجنبية… وللأمانة فإن الرجل وبناءا على ما قرأته وشاهدته من حوارات ظل يحتفظ على مر السنين بمواقف ثابتة ومتسقة تجاه نظام الإنقاذ الشمولي كما أنه يتمتع برؤية واضحة وأفكار مرتبة برع في إيصالها للمتلقين بلغة إنجليزية طليقة.

من ناحية أخرى يبدو أن لعمر قمرالدين بحسب ما شاهدته من فيديوهات ارتباطات وثيقة بالكونجرس الأمريكي الذي إستضافه عدة مرات كما ان له علاقات وطيدة بمراكز الدراسات والبحوث السياسية والإستراتيجية في واشنطن وهي مؤسسات معروفة بتأثيرها الواسع على مراكز إتخاذ القرار ليس في الولايات المتحدة فحسب بل في العالم كله و يمكنها تشكيل موقف إيجابي داعم فيما يتعلق بالسودان تجاه ملفات مهمة تشمل الإعفاء من الديون المتراكمة، رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتقديم القروض الغير مشروطة من مؤسسات التمويل الدولية وتدشين برامج إعادة الإعمار مستقبلا في مناطق الحرب.

الأهم من ذلك هو أن السيد عمر قمرالدين بعكس منافسيه القادمين من رحم الخدمة المدنية لديه القدرة على إخراج السودان بحسب ظني من دائرة الوصاية الإقليمية التي ورطنا فيها الإسلاميين… فطيلة الفترة الماضية ظل تعاطي الدول الكبرى (أمريكا و الإتحاد الأوربي) مع الشأن السوداني دائما عبر بوابة الوسطاء الإقليميين (مصر والسعودية والإمارات واثيوبيا مؤخرا) وهي وضعية شائهه وشائنة لا تتسق مع المكانة المأمولة للسودان وسط الأمم والتي نستحقها بجدارة استنادا على موقعنا الجغرافي المميز وإرثنا الحضاري العريق ومواردنا البشرية والطبيعية المهولة.

في رأيي أن قمرالدين البعيد تماما عن شبهة الانتماء للنظام السابق والقريب من الطبقة السياسية في واشنطن يمكنه أن يحدث إختراق مهم سينقلنا إلى مرحلة التعاطي المباشر والندي مع الدول الكبرى دون أي وسطاء وهو الأمر الكفيل بتحجيم محاولات الدول الإقليمية الساعية لفرض هيمنتها على السودان والتأثير على مسار الانتقال السياسي فيه لصالح أجنداتها الخاصة (حرب اليمن، سد النهضة الخ…) مع ذلك ورغم حالة الحماس التي إنتابتني تجاه المرشح قمر الدين إلا انني كنت حريصا على استكشاف وجهات النظر المعترضة على ترشيحه وإستبيان مشروعيتها وهي التي استندت على نقطتين أساسيتين:

أولهما هي أن المرشح لم يلتحق في حياته بالسلك الديبلوماسي وبالتالي لن يكون قادرا على التعامل مع دهاليز وزارة الخارجية… أما النقطة الثانية فمتعلقة بعلاقة عمر قمرالدين بلوبيهات مؤثرة في واشنطن وشخصيات بعينها ناصبت نظام الأنقاذ العداء مثل الممثل الأمريكي الشهير جورج كلوني و الناشط المعروف في منظمة كفاية الأمريكية برنارد غاست واللذان اصطحبا عمر قمرالدين في اللقاء المشهود الذي جمعهم بالرئيس السابق باراك أوباما إبان فترة رئاسته.

ومن هنا بإعتقادي يحاول البعض الإيحاء للرأي العام بإرتهان المرشح (عمر قمرالدين) لدوائر خارجية وهي نفس التهمة القديمة المتجددة التي لطالما كان يستخدمها الإسلاميين لتشويه صورة خصومهم .. برغم قناعتي بأن النقطتين اللتان ارتكز عليهما نقد السيد قمرالدين لا تنتقصان منه شيئا ولكن في إتجاه آخر نفس هاتين النقطتين لفتتا نظري إلى أوجه الشبه الشديد بينه وبين منصور خالد وزير الخارجية الأعظم في تاريخ السودان وهو الأمر الذي زاد من حماسي للمرشح بالإضافة إلى سبب شخصي آخر وهو ما علمته من إلتحاق قمرالدين في فترة سابقة من حياته بمنظمة أطباء بلا حدود وهي مدرسة لوحدها في العمل الطوعي والانساني الخالص والمنزه عن أي أهداف أخرى.

بالعودة إلى منصور خالد فإن سيرته المهنية وسيناريو إرتقاءه لمنصب وزير الخارجية والظروف المحيطة به والاتهامات التي تعرض لها مشابهة إلى حد كبير لسيرة السيد عمر قمرالدين… فمنصور خالد لم يتدرج في السلك الديبلوماسي وقد جاء لوزارة الخارجية من خلفية حقوقية في فترة شائكة من تاريخ السودان أعقبت فشل انقلاب هاشم العطا وإعدام جعفر النميري لقيادات الصف الأول في الحزب الشيوعي الأمر الذي أدى لتوتر العلاقات بين السودان ودول المعسكر الإشتراكي وقد نجح منصور خالد كوزير للخارجية في تطبيع العلاقات مع هذه الدول مرة أخرى كما أنه استطاع أن يوطد علاقات النميري (الذي بدأ عهده إشتراكيا) مع أمريكا وذلك بفضل صلات منصور خالد الشخصية الحميمة بهنري كيسنجر وهو واحد من أساطين الديبلوماسية الأمريكية.

في المحصلة نجح منصور بحنكته في جمع النقيضين (أمريكا والاتحاد السوفييتي) وهي كانت مهمة شبه مستحيلة.. فمن الصعوبة بمكان أن تحافظ دولة ما أيا كان حجمها على توازن علاقاتها مع جميع الدول والمحاور بما يخدم مصالحها وخصوصا في ذلك الوقت الذي استعرت فيه الحرب الباردة.

هذه النجاحات الباهرة لم ترضي الكثيرين فتكالبت على منصور خالد الإتهامات بالعمالة للإمبريالية العالمية والرأسمالية الطفيلية وهي الإتهامات الجاهزة التي تولى اليساريين كبرها وتمادوا فيها فتحولت العلاقة بينهم وبين منصور خالد إلى عداوة مستشرية بلغت ذروتها عندما إستهدفه عبدالله علي إبراهيم بالترويج لرواية تخابر منصور مع السي أي أيه عندما كان طالبا والإتهام ورد في سلسلة مقالات سماها عبدالله علي إبراهيم (منصور خالد: القوال) و رغم أن منصور إختلف فيما بعد مع النميري (عدو اليساريين الأول) وغادر السودان غاضبا بسبب تنصل النميري عن إتفاقية أديس أبابا مع الجنوبيين إلا أن هذا الموقف لم يخفف من حدة الهجوم اليساري عليه ولكن هذه المرة بسبب إتهامهم له بتحويل مسار جون قرنق والتسويق له غربيا.

إن تجربة منصور خالد في وزارة الخارجية كانت مليئة بالإنجازات فسياسة تصفير المشاكل السياسية الخارجية من موقع الندية وليس التبعية (زيرو أزمات) لم تكن الإنجاز الوحيد لمنصور فقد نجح أيضا في إعادة ترتيب وزارة الخارجية وهيكلتها إلى إدارات متخصصة وتطوير أساليب وإستراتيجيات العمل الديبلوماسي الأمر الذي تحول إلى تقاليد عمل راسخة في الوزارة حتى بعد مغادرته لها وهي ذات التقاليد التي جنبت الخارجية السودانية إلى حد ما مخاطر التمكين الكيزاني فيما بعد مقارنة بمؤسسات الدولة الأخرى التي أستبيحت تماما.

والشاهد في الأمر أن عدد مقدر من الديبلوماسيين السودانيين يفتخرون حتى الان بأنهم (أولاد منصور خالد)… إن أوجه الشبه بين منصور خالد والمرشح لوزارة الخارجية (عمر قمرالدين) تبشرنا بعهد جديد في السياسة الخارجية السودانية يرتكز على توظيف العلاقات الدولية بكل تناقضاتها وتقاطعاتها ومحاورها المختلفة لمصلحة السودان أولا وأخيرا بعيدا عن الإنحيازات الايديولوجية… فهل نحن موعودون ب(منصور خالد) جديد؟

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.