آخر الأخبار
The news is by your side.

“الحبُّ أوَّلُه هَزْلٌ وآخِرُهُ جِدٌّ” … بقلم: نوال حامد الطيب

مشاهد من الحب في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه

“الحبُّ أوَّلُه هَزْلٌ وآخِرُهُ جِدٌّ” (ابن حزم الأندلسي)

كانت عاتكة بنت زيد زوجة لعبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت قد غلبته على رأيه وشغلته عن سوقه. فأمره أبو بكر بطلاقها ففعل، فحزن لفراقها فوقف لأبيه أبي بكر الصديق وهو ذاهب إلى الصلاة فبكى وأنشأ يقول:

ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها * ولا مثلها في غير جرم

يطلق لها خلق جزل وحلم ومنصب * وخلق سوي في الحياة ومصدق

فرقَّ له أبو بكر -رضي الله عنه- وأمره بمراجعتها، فلما مات قالت ترثيه:

آليت لا تنفك عيني سخينة * عليك ولا ينفك جلدي أغرا

فلله عينا من رأى مثله فتى * أعف وأمضى في الهياج وأصبرا(5)

ذكر ابن القيم هذه القصة في فصّل سماه “في رحمة المحبين والشفاعة لهم إلى أحبابهم في الوصال الذي يبيحه الدين”. والقصة فيها عشق رجل لأمرأة وشدة هيامه بها، حتى إنه بعد طلاقه إياها اشتد عليه فراقها، فأنشد لأبيه باكيا ومبيّنا لمنزلتها منه وحبه لها، حتى رَقّ له أبوه وحَنّ عليه فأمره بإرجاعها مرة أخرى وإن شغلته عن صناعته وحياته، وأبوه هو أبو بكر الصديق خليفة رسول الله وصاحبه، ومع ذلك لم يجد حرجا في أن يفهم ما بولده من الوَجد والشوق وأن يَردّ إليه روحه بحلال الوصل ورجوعه إلى مَن يحب.

وقد أورد ابن القيم هذه القصة(6) ثم أورد قصصا مشابهة وقعت لخلفاء النبي الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم جميعا، مما يبيّن أن هذه العاطفة ليست مما ينتقص من أقدار الناس في عهد الصحابة الأوائل، ثم علّق ابن القيم بعد إيراده عددا من القصص التي حدثت في عهد الخلفاء: “وقد جاء عن غير واحد من الخلفاء الراشدين ومن بعدهم أنهم شفعوا هذه الشفاعة”7 أي شفعوا للمحبين بين يدي أحبابهم.

من قصيدة بانت سعاد للصحابي كعب بن زهير ويروي أهل السير سماع النبي لها وفي مطلعها الغزل العفيف (مواقع التواصل)

وقد أورد أهل الآثار وكتب الحديث تصريح النبي -صلى الله عليه وسلم- بحبه لعائشة وخديجة -رضي الله عنهما- أمام الناس(8)، فلما سأل عمرو بن العاص النبيَّ مَن أحب الناس إليك؟ قال: “عائشة”، وقال لعائشة وهي تعاتبه في ذكره خديجة: “إني رُزقت حبها”.

وعلى هذا المنوال نسج علماء الإسلام، فلم يجدوا حرجا من الحديث في الحب وعن الحب بطيب الكلام ورقيق الأخبار. يقول الإمام الحافظ مغلطاي: “وقد أجمع العلماء: أن الحب ليس بمستنكر في التنزيل، ولا بمحظور في الشرع!”(9)، وقد بوّب الإمام البخاري بابا في صحيحه سماه “باب شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في زوج بريرة”

وأورد حديثا عن ابن عباس: “أن زوج بريرة كان عبدا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: “يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا”، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لو راجعته؟! قالت: يا رسول الله تأمرني؟! قال: إنما أنا أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه”(10).

قال الإمام ابن بطال في تعليقه على الحديث: “لا حرج على مسلم في هوى امرأة مسلمة وحبه لها ظهر ذلك أو خفي”(11)، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: “فهذه شفاعةٌ من سيد الشفعاء من محب إلى محبوبه، وهي من أفضل الشفاعات وأعظمها أجرا عند الله، فهي تتضمن اجتماع محبوبين على ما يحبه الله ورسوله، ولهذا كان أحب ما إلى إبليس وجنوده التفريق بين هذين”(12).

وفي الحديث صورة عجيبة من صور العشق، رجل يسير خلف امرأة كانت زوجه ثم أصبحت أجنبية عنه، وهو يبكي وراءها بكاء حقيقيا، تسيل دموعه على لحيته! حتى أثار هذا المنظر المؤثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ‏ ‏مُغِيثٍ‏ ‏بَرِيرَةَ، ‏وَمِنْ بُغْضِ ‏ ‏بَرِيرَةَ ‏مُغِيثًا”، والغريب أنه لم يعدّ هذا الفعل منه فعلا منكرا، ما دام أنه لم يمسها بسوء، ولا تعرّض لها بأذى(13).

وفي حديث خنساء بنت خذام أن رجلا على عهد رسول الله زوّج ابنة له وكانت تكرهه وكانت تحب عمّ بنيها، وكان خطبها قبل ذلك عمُّ بنيها، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها وزوّجها عمّ بنيها(14).

لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها

لا يسهر الليل إلا من به ألم لا تحرق النار إلا رجل واطيها

لا تسلكن طريقا لست تعرفها بلا دليل فتغوى في نواحيها

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.