آخر الأخبار
The news is by your side.

الموشحات الأندلسية … بقلم: نوال حامد الطيب

الموشحات الأندلسية … بقلم: نوال حامد الطيب

الموشحات الأندلسية نشأت الموشحات في الأندلس، أواخر القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) في الفترة التي حكم فيها الأمير عبد الله بن محمد، وفي هذه السنين ازدهرت الموسيقى وشاع الغناء من جانب، وقوى احتكاك العنصر العربي بالعنصر الإسباني من جانب آخر. فكانت قد نشأت الموشحات استجابة لحاجة فنية أولاً، ونتيجة لظاهرة اجتماعية ثانيا. أما كونها استجابة لحاجة فنية، فبيانه أن الأندلسيين كانوا قد أولعوا بالموسيقى وكلفوا بالغناء، منذ أن قدم عليهم زرياب، وأشاع فيهم فنه. والموسيقى والغناء إذا ازدهرا وكان لازدهارهما تأثير في الشعر. وقد اتخذ هذا التأثير صورة خاصة في الحجاز والعراق حين ازدهر فيهما الغناء والموسيقى في العصر الأموي ثم العباسي. وكذلك اتخذ هذا التأثير صورة مغايرة في الأندلس حين ازدهر فيها الغناء والموسيقى في الفترة التي نسوق عنها الحديث. فيظهر أن الأندلسيين أحسوا بتخلف القصيدة الموحدة، إزاء الألحان المنوعة، وشعروا بجمود الشعر في ماضيه التقليدي الصارم، أمام النغم في حاضره التجديدي المرن. وأصبحت الحاجة ماسة إلى لون من الشعر الجديد، يواكب الموسيقى والغناء في تنوعها واختلاف ألحانها. ومن هنا ظهر هذا الفن الشعري الغنائي الذي تتنوع فيه الأوزان وتتعدد القوافي، والذي تعتبر الموسيقى أساسا من أسسه، فهو ينظم ابتداء للتلحين والغناء. وأما كون نشأة الموشحات قد جاءت نتيجة لظاهرة اجتماعية، فبيانه أن العرب امتزجوا بالإسبان، وألفوا شعبا جديدا فيه عروبة وفيه إسبانية، وكان من مظاهر هذا الإمتزاج، أن عرف الشعب الأندلسي العامية اللاتينية “رومانثي” كما عرف العامية العربية؛ أي أنه كان هناك ازدواج لغوي نتيجة للازدواج العنصري. وكان لا بد أن ينشأ أدب يمثل تلك الثنائية اللغوية، فكانت الموشحات. فمن المقرر أن الموشحات كانت منذ نشأتها إلى ما بعد ذلك بقرون تنظم بالعربية الفصحى، إلا الفقرة الأخيرة منها وهي الخرجة، فقد كانت تعتمد على عامية الأندلس. ومعروف أن تلك العامية كانت هي عامية العربية المستخدمة لألفاظ من عامية اللاتينية. وفي ذلك يقول ابن بسام، في حديثه عن مخترع الموشحات (مقدم بن معافي القبري) إنه “كان يأخذ اللفظ العامي والعجمي ويسميه المركز، ويصنع عليه الموشحة”. فكأن الموشحات إذن لها جانبان: جانب موسيقي يتمثل في تنويع الوزن والقافية، وهذا قد جاء استجابة لحاجة الأندلس الفنية حين شاعت الموسيقى والغناء، وجانب لغوي، يتمثل في أن تكون الموشحة فصيحة في فقراتها العامية وفي خرجتها، وهذا الجانب قد جاء نتيجة للثنائية اللغوية المسببة عن الثنائية العنصرية.

موشحة أبي اسحق إبراهيم بن سهل الأندلسي

هل درى ظبـيُ الحمى أن قد حمى قـلب صبٍّ حلّه عن مكنس
فـهْـو في حـرّ وخـفـقٍ مثلما لعبـت ريـح الصَّبا بالقبس
يا بـدورًا أطـلعـت يوم النوى غرراً تسلـك بي نـهج الغرر
ما لقلبي في الهوى ذنـبٌ سـوى منكم الحسن و من عيني النظر
أجتني اللذات مكـلوم الجـوى والتذاذي من حبيـبي بالفـكر
كُـلّـما أشكوه وجداً بسمـا كالرُّبى بالـعارض الـمنبجـس
إذ يـقيم القـطر فيها مـأتـما وهي من بـهـجتها في عـرس
غـالـب لي غالـب بالـتـؤدهِ بأبي أفـديـه من جـاف رقيق
ما رأيـنـا مـثـل ثـغر نضّدهِ أقحواناً عـصـرت منه رحيق
أخـذت عينـاه منه العـربـده وفؤادي سكـره ما إن يفـيق
فاحم الجمّـة معـول الـلمـى أكحل الـلحـظ شهيُّ اللعس
وجهـهُ يتلـو الضحـى مبتسما وهو من إعـراضـه في عبـس
أيـها السائل عن ذلّـي لديـه لي جـزاء الـذنب وهو الـمذنب
أخـذت شمس الضحى من وجنتيه مشرقاً للصـبّ فيـه معـرب
ذهبت أدمـع أجـفـاني عليـه ولـه خــدّ بلحظي مـذهب
يطـلع البـدر عليه كـلّـمـا لاحـظـتـه مقلتي في الـخلس
لـيـت شـعري أيّ شيء حرّما ذلك الورد عـلـى الـمغترس
كلّـمـا أشكـو إليـه حـرقي غـادرتني مـقلتــاه دفـنـا
تركـت ألـحـاظه من رمقـي أثـر النمل على صمّ الصـفـا
وأنـا أشكـره فيـمـا بـقي لسـت ألـحـاه عـلى ما أتلفا
فهو عندي عادل إن ظـلـمـا و عـذولي نـطـقـه كالخـرس
ليس لي في الـحبّ حكمٌ بعدما حلّ من نفسي مـحلّ الـنّـفس
منـه لـلنّار بأحشائي اضطرام يـلتـظـي في كل حين ما يشـا
وهي في خـديه بـردٌ وسلام و هـي ضـرٌّ وحـريـقٌ في الحشا
أتّـقي منه على حكم الغـرام أسـد الـغـاب و أهـواه رشـا
قلت لـمّا أن تبدّى معـلمـا وهـو من ألـحاظـه في حـرس
أيـهـا الآخذ قلبي مغنـما اجعل الـوصل مـكـان الـخمس

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.