آخر الأخبار
The news is by your side.

 ردًا على عثمان ميرغني … بقلم: واصل علي 

 ردًا على عثمان ميرغني … بقلم: واصل علي 

في هذا المقال حاول الأستاذ عثمان ميرغني رئيس تحرير جريدة (التيار) في السودان توجيه اللوم لرئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بعد حديثه لصحيفة (وول ستريت جورنال) عن اقتراب الوصول لتسوية مع أسر ضحايا تفجير المدمرة (كول) في عدن والسفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا.

وحسب كلام الأستاذ عثمان ميرغني فإن قبول حمدوك بأي تسوية قد تفتح الباب أمام قضايا أخرى مماثلة وحسب كلامه قد يظل السودان يدفع إلى ما نهاية.
من ناحية شكلية وضح لي بعد قراءة المقال ان الاستاذ عثمان ميرغني للأسف الشديد وصل إلى الخلاصة ثم بحث عن معطيات تدعمها ولم يسعى للبحث عن وجهة النظر المضادة لتظهر له جميع جوانب الصورة ويخرج مقاله بهذا الشكل الضعيف.
اعتراضي انا شخصيا ليس على الخلاصة بل على أن رئيس تحرير لم يبذل أي جهد في تقصي خلفيات الموضوع الذي يكتب فيه وفي المحصلة النهائية فإن الضحية هو المتلقي الذي تم تضليله والراي العام الذي ينتج عن ذلك‏.
بالنسبة لمتن كلام الأستاذ عثمان ميرغني فمن الواضح انه غير مدرك ان جمهورية السودان لم تكن اصلا لتكون في هذه الورطة لولا وجودها على قائمة الدول التي ترعى الإرهاب. ليه؟
لانه هناك قانون امريكي يسمى
Foreign Sovereign Immunities Act (FSIA)
وترجمته قانون الحصانات السيادية الأجنبية
سن هذا القانون في عام 1976 وهدفه بشكل عام توضيح حصانات الدول ومؤسساتها من المقاضاة امام المحاكم الأمريكية والاستثناءات من ذلك ايضا.

في حالة السودان أصبح مستثنى من الحصانة من المقاضاة امام المحاكم الأمريكية بموجب هذا القانون بسبب استثناء نتج عن قانون آخر هو
Antiterrorism and Effective Death Penalty Act
وترجمته قانون مكافحة الإرهاب وعقوبة الإعدام المفعلة وصدر عام 1996

تم تعديل FSIA ليستثني من الحصانة السيادية من المقاضاة الدول التي ادرجها وزير الخارجية الأمريكي في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب التي من ضمنها السودان. اي انه لولا وجود السودان في القائمة منذ 1993 لرفضت المحاكم كل القضايا التي رفعت ضد جمهورية السودان بموجب الحصانات السيادية.

لو نحينا جانبا هذه القوانين فقد قام الكونجرس الأمريكي بتمرير قانون جديد في 2016
Justice Against Sponsors of Terrorism Act
وترجمته قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب
وكان نتيجته ان فتح الباب على مصراعيه أمام الأفراد مقاضاة الدول امام المحاكم الأمريكية بدعوى ‏تورطهم في العمليات الإرهابية التي أوقعت ضحايا أمريكيين حتى ولو لم يكونوا في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب وكان المستهدف منه بالدرجة الأولى المملكة العربية السعودية وعلاقاتها المزعومة بتفجيرات 11 سبتمبر التي لم يكن بالإمكان سابقا مقاضاتها مثل السودان.
‏لأنها لم تكن على قائمة الدول التي ترعى الإرهاب. وبالتأكيد فإن أهالي ضحايا العمليات الإرهابية ومحاميهم يفضلون مقاضاة دولة نفطية غنية مثل السعودية واتهامها بدعم القاعدة وليس بلد فقير مثل السودان ولكن الأخير كان الخيار الوحيد المتاح وقتها بسبب قائمة الإرهاب.

اي ان السودان دفع ثمن حماقات الإنقاذ التي أوقعته في قائمة الإرهاب وجعلته هدفا سهلا للمقاضاة امام المحاكم الأمريكية. وصحيح ما ذكره الأستاذ عثمان ميرغني من اهمال حكومة الإنقاذ في البداية للقضايا المرفوعة ضدها وده يرجع لعدة أسباب منها انعدام الكفاءة والجهل وفشل الأجهزة الحكومية ‏لكن أهمها هي التكلفة المالية الباهظة لمكاتب المحاماة الأمريكية وهي مسألة تجاهلها تماما الأستاذ عثمان ميرغني. المحامين المتخصصين في هذا النوع من القضايا بقبضوا بالساعة واي تكاليف أخرى مكتبية او حتة كباية القهوة برضه تدفعها حكومة السودان يعني نتكلم عن ملايين كثيرة بالدولار لقضايا مرفوعة منذ بداية الألفية الثانية تقريبا. فإذا كان راي الأستاذ عثمان ميرغني هو المضي قدما في هذه القضايا أمام المحاكم الأمريكية أملا في حكم لصالح السودان فعليه أن يشرح لنا من اين يقترح ان تأتي الأموال لدفع أتعاب المحامين وفوقها ندفع تعويضات اذا خسر السودان القضايا.

ونرجو منه ان يشرح لنا ايضا لماذا يعترض على تسوية مرضية للطرفين تكلف نصف مليار مثلا وتخرجنا من قائمة الإرهاب بسرعة بدلا من 10 مليار و معاها أتعاب المحامين؟ هل لديه خيار أفضل اقل تكلفة وتراعي عامل الوقت والظرف الحرج للاقتصاد السوداني المستميت للتخلص من ديون بعشرات المليارات؟
الأهم من ذلك كله ان حمدوك لم يكن يتفاوض شخصيا بل هناك فريق من المحامين يمثل حكومة السودان وهم أدرى بالنظام العدلي الأمريكي والخيارات الأمثل للسودان. وعليه وخلافا لما أوحى به الأستاذ عثمان ميرغني فإن حمدوك لديه الاستشارة القانونية الوافية التي بناءا عليها يتخذ قراره
حاول الاستاذ عثمان ميرغني أن يعطي الانطباع ان مسألة تعويضات هي شرط جديد خلقته إدارة ترامب لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ولم يكن مطروحا سابقا. ده كلام غير دقيق لانه هذا الشرط كان حاضرا دوما ولكن المحادثات بين الطرفين لم تصل إلى مرحلة متقدمة لنقاش هذه النقطة والتفاوض حولها.
بمعنى آخر ان التوصل إلى تسوية حول هذا الملف تحديدا هو علامة باقتراب لحظة حذف اسم السودان من قائمة الإرهاب. سواء كان البشير في الحكم أو حمدوك او مناوي او عبد الواحد محمد نور او الصادق المهدي لم تكن الإدارة الأمريكية بغض النظر عن من في الرئاسة ستقدم على رفع اسم السودان دون‏ تسوية هذا الملف لأسباب قانونية وسياسية. كون الأستاذ عثمان ميرغني ما سمع بالشرط ده لا يعني أنه حكومة البشير لم تكن تعرفه وتعلم أن عليها الوصول فيه لتسوية.
واسترعى انتباهي في مقال الأستاذ عثمان ميرغني فقرة
“بل وقد يفتح ذلك شهية آخرين في دول اخرى تضرر رعاياها من الإرهاب فيرفعوا قضايا مماثلة”

ماهي تلك الدول وهل تسمح قوانينها بذلك؟ وماهي الحوادث التي يمكن أن يقاضوا السودان من أجلها؟ نأمل في إجابة واضحة على هذا السؤال
والشيء المهم في كل ذلك. ماهي الحلول البديلة العظيمة التي يقترحها الأستاذ عثمان ميرغني لتخرجنا من هذه القائمة؟ ما فهمته ان الحل الناجع عنده هو حل قضايا داخلية “دون شروط او ضغوط امريكية” قبل الانصياع لشروط في “شؤون خارجية لا علاقة للسودان بها اطلاقا”.
اي ان الحل هو تجاهل موضوع التسويات الى أجل غير مسمى ونظل في قائمة الإرهاب ريثما نحل كل القضايا الداخلية (ان حلت) في فترة زمنية لا يعلم مداها الا الله.

سواء شاء الأستاذ عثمان ميرغني ام أبى فإن الشعب السوداني سيدفع ثمن جرائم لم يرتكبها ان أراد التطبيع مع الولايات المتحدة
ليس هناك مخرج من مسألة التعويضات سوى الوصول إلى تسوية. هل أجرى الأستاذ عثمان ميرغني تقييم للمكاسب التي يجنيها السودان من التسوية كما أجرى تقييم “للخسائر” التي أوردها في مقاله؟ بإمكاني مساعدته فالمكاسب أهمها
– فتح باب التفاوض حول اعفاء الديون التي اقتربت من حاجز ال 60 مليار قصمت ظهر السودان مع نادي باريس وغيرهم من الدائنين والمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي (السودان والصومال هما الدولتان الوحيدة في العالم التي لديها متاخرات للصندوق) والبنك الدولي. وعليه أن يتذكر ‏ان السودان يحتل المركز الثالث عالميا في نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 167.5% وهي نسبة تخيف اي مستثمر أو مقرض.

– ترفع الحظر الذي تفرضه القوانين الأمريكية على الإدارة الأمريكية من دعم السودان في تلقي قروض واعفاء الديون
– تفتح الباب أمام تلقي السودان مساعدات اقتصادية وزراعية وعسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية

– تفتح الباب للسودان للاستفادة من قروض وضمانات القروض والتأمينات التي يمنحها بنك التصدير والاستيراد الأمريكي التي تستخدم لتصدير البضائع والمنتجات الأمريكية
– تفتح الباب أمام البضائع السودانية للحصول على إعفاءات جمركية لدخول الأسواق الأمريكية

– تفتح الباب أمام السودان للحصول على منتجات تكنولوجية محظورة حاليا بموجب قائمة الإرهاب
‏27/
– ترفع بعض التشديد المفروض على مواطني السودان الراغبين في الحصول على تأشيرة لدخول امريكا
– ترفع القيود الأمريكية المفروضة على مواطني الدول الاخرى الذين يسافرون إلى السودان

– تزيل احد الحواجز النفسية امام الشركات الأمريكية والدولية من العمل في السودان
هل “الخسائر” من هذه التسوية تفوق هذه المكاسب ام العكس؟ اعتقد ان غالبية الناس ستتفق ان المكاسب تفوق الخسائر واعتقد انه ليس من العدل الطلب من السودانيين إضاعة سنوات اخرى من عمرهم انتظارا “للحل العادل” لموضوع قائمة الإرهاب. حان الوقت لتخطي حقبة مظلمة من تاريخ السودان
وادماج البلاد في المجتمع الدولي مما ينعكس على حياة السودانيين بدلا من العنتريات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. هل وقع ظلم على السودان في موضوع العمليات الإرهابية والتعويضات؟ اغلب الظن نعم لكن ليس من خيارات أفضل من ماهو موجود لتجاوزها.
ختاما نتطلع ان نسمع من الأستاذ عثمان ميرغني في مقال لاحق لحلول أفضل تخرجنا من قائمة الإرهاب بتكاليف اقل وبنفس السرعة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.