آخر الأخبار
The news is by your side.

مخَاطِر بِناء الأمة .. قِراءة في قضايا الحربْ والسلام بالسُودان … بقلم: ملوال دينق

مخَاطِر بِناء الأمة .. قِراءة في قضايا الحربْ والسلام بالسُودان … بقلم: ملوال دينق

يقدم هذا الكِتَاب، قِراءة نقْدية هامة لقضايا الحرب والسلام في السودان منذ العام 1984 حتى توقيع إتفاقية السلام الشامل في عام 2005. يركز المؤلف، الدكتور جون قاي يوه، الحاصل على درجة الدكتوراة في السياسة الدولية، والمُهتم بإدارة وفض النزاعات، على تجربة الحركة الشعبية لتحرير السودان، الحزب الحاكم في البلاد حالياً، منذ طرحها شعَاراتِها التي تدعو إلى “تحويل السودان إلى دولة ديمُقراطية وعلمانية، سياسياً، إقتصادياً وإجتماعياً”، ومراحل تنفيذ إتفاقية السلام، وتجربة حكومة الجنوب، وقضية إستفتاء تقرير المصير، ومسألة بناء الأمة.

يستعرضُ الكِتاب، الإمكانات والفُرص المُتاحة للحركة الشعبية لتطبيق شعارات حرب التحرير، وإستغلال الموارد البشرية لصالح تحقيق التنمية والإعمار في البلاد، إلى جانب التأثيرات الآنية والمستقبلية المترتبة على نجاح أو فشل الحركة في إنجاز مشروع البِناء الوطني.

وفي وقت يضع عموم السودانيين، آمال كبيرة على إتفاقية السلام، وإمكانية مساهمتها في أحداث تغييرات أساسية في البلاد نتيجة لعملية السلام الجارية في دولة كينيا بين طرفى الصراع الرئيسين حينذاك، وما قد يترتب على ذلك من تغييرات حاسمة على الأصعدة كافة، سياسياً، إجتماعياً وثقافياً، إلا انه هناك خوف قديم مستوطن من التغيير نفسه، إذ يُعتقد على نِطَاق واسع إنه “كلما يتم التوصل إلى تسويةٍ سياسية هامة، أو عندما تصل رغبة الناس في التغيير الحقيقي مداها، يمتنع التغيير ويبقى كل شيء كما كان.”
صدرت الطبعة الأولى المترجمة للكتاب، بالإنجيلزية The Hazards of Nation Buildingعن دار رفيقي للطباعة والنشر بجوبا في 2016، ونقله للعربية المترجم مُحمد علي جادين، ويقع في (329) صفحة من القِطع العادية.

يتألف الكتاب من مُقدِمة قصيرة، وإحدى وعشرون فصلاً مكتوبة بأسلوب المقالات المطولة ذات الموضوع الواحد، وتشرح المقدمة، الفكرة الأساسية للكتاب والمواضيع التي يسلط عليه الضوء.

في الفصل الأول، يرى المؤلف انه ينبغي على القادة في جنوب السودان في الفترة ما بعد الحرب، التركيز على توفير إحتياجات المواطن، وإزالة مظاهر الخراب والدمار عن المدن والأرياف، وليس على المجاملات والتسويات الجماعية وتهميش غالبية السُكان، وان يكون التغيير القادم، نتيجة لإتفاق مشاكوس، تغييراً يعبر عن “تضحيات ومعأناة الجنوبيين، خاصة الشهداء الذين فقدوا أرواحهم خلال النضال الطويل”.

ويضيف :”ان القائد لا يمكنه المبادرة بإحداث تغيير ملموس في حياة شعبه، ما لم يحدث مثل هذا التغيير في طريقة تفكِيره وسلوكهِ ونظرتهِ للحياة” في إشارة لحديث رئيس الوزراء المصري الإسبق الراحل أنور السادات لزوجته “جيهان”.

ويبحثُ الكِتاب عن الجذور التاريخية لسياسات التخلُف التي فرضتها تاريخياً، الحكومات المركزية المتعاقبة في الخرطوم على جنوب السودان والمناطق المهمشة الأخرى، وتأثير ذلك على جهود بناء الأمة.

يؤكد المؤلف على إن تخلُف الإقليم، قد ظل مُسْتمراً لأكثر من مائة عام بطريقة لا إنسانية، لاسيما و إن النُخب الشمالية، التي تسلمت مقاليد السُلطة من سُلطات الحكم الثنائي البريطاني/المصري قبل خمسون عاماً، قد تجاهلوا تنمية الإقليم الجنوبي عمداً، لدرجة أن بعض المناطق التي كانت مدناً عامرة في السابق، تدهورت بفعل الإهمال وأضحت مجرد قُرى كبيرة، واختفت فيها مظاهر التحضر والتمدن لتنحصر في دوائر ضيقة ومحدودة.

يرى المؤلف أن الجنوب بفضل سياسات التخلف هذه، فقدت فرص تلقي الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، والإتصالات والطرق المعبدة وخلافها، إضافة إلى غياب الإعلام المكتوب (الصحف، المجلات .. الخ).

ويشير إلى أن حجم التخلُف الذي فُرض على الجنوب، والمناطق المهمشة الأخرى، كانت له تأثيرات سلبية ومضاعفات سيكولوجية واسعة وسط المثقفين والسياسيين، الذين حصرت تطلعاتهم في العمل كموظفين حكوميين ومديرين ووزراء، وليس أكثر من ذلك.

في معرض حديثه عن “بناء القدرات وتعبئة الموارد البشرية للتنمية” يتطرق الكتاب لموضوع الِخبرات والكوادر المؤهلة التي تحتاجه حكومة جنوب السودان لتسيير دولاب العمل، وتنفيذ مشاريع التنمية على أنقاض الدمار الذي خلفه الحرب، ويشدد بان الحكومة الإنتقالية في الجنوب يجب أن تتأكد من ان الذين تتوفر عندهم المؤهلات والقدرات سوف يخضعون لمنافسة عادلة دون إنحياز.

ويقف الكتاب حول إستراتيجية الإستفادة من الخبرات المتراكمة لدى المهنيون والتكنوقراط الجنوبيين المنتشرون في مختلف بقاع العالم، في بناء المؤسسات الإدارية الجديدة، لاسيما انه في كل مجالات التنمية الإنسانية، ليس هنالك بديل للموارد البشرية :”إن التحدي الحقيقي، الذي يواجه القيادات السودانية بشكل عام، والقيادات الجنوبية بشكل خاص، يتمثل في توفر رغبتها في الإستثمار في الموارد البشرية، وفي اهتمامها بجمع المعلومات والإحصائيات حول القوى العاملة الماهرة في الداخل والخارج”.

يطرح المؤلف أسئلة من قبيل: “هل هناك رغبة واهتمام حقيقي بهذا الجانب؟ هل هناك خطة لتحويل هذه القضية إلى أولوية عليا في برنامج حكومة الجنوب الانتقالية؟ أم أنها ستكون مجرد خيار بين خيارات ومشاريع عديدة ترتكز على آمال موهومة في قطاع البترول، الذي تحتكر عائداته نخبة الجبهة الإسلامية القومية، الصينيون، الاندنوسيون، الماليزيون والهنود، إضافة إلى القادمين الجدد من الشركات الأمريكية والأوربية؟ .. هل تقرر الحركة الشعبية تهميش مواردها البشرية الماهرة والمدربة وتتجاهل تقوية وتعزيز قدراتها لإي سبب كان؟ وإذا اختارت هذا التوجه، فإن النتيجة ستكون الاعتماد في إدارة الحكومة الإنتقالية على الخبراء المستوردين من البلدان المجاورة والولايات المتحدة وبلدان أسيا والشرق الأوسط وأوربا. والنتائج البعيدة المدى لمثل هذه السياسات والتوجهات معروفة سلفاً لكل الناس”. وهي أسئلة تحمل في طياتها تحذيرات من مغبة الاستغلال السيء للنفط وتهميش الموارد البشرية المحلية.

يحاول المؤلف – خلال فصل خاص – مناقشة “الجذور التاريخية لوجود قطاعين في الحركة الشعبية وهدفين توأمين، متمثلتان في مشروع السودان الجديد الموحد وتقرير المصير لشعب جنوب السودان”، ويقر إنه ليس مستغرباً من إنقسام الحركة إلى قطاعين كل منهما مسؤول عن مهام وأهداف محددة.

يقدم الكتاب مُقاربات لوجهات النظر الجارية وسط المهمشين حول رؤية السودان الجديد على ضوء مانفستو الحركة، ويؤكد ان الجميع يعتبر نفسه جزاءاً من هذه الرؤية ويناضل من أجل تحقيقها على أرض الواقع. بيد إنه تكمُن المشكلة في التعقيدات الموجودة في صياغات الرؤية، “خاصة في المستويات التنظيمية للقطاعات، وفي الصعوبات التي يواجهها كل قِطاع في شرحهها وتثبيتها لتتلائم مع منطقته المحددة، بهدف تركيزها، دون إهتمام بالجوانب التي قد تكون متناقضة”.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.