آخر الأخبار
The news is by your side.

زاوية منفرجة  … بقلم: جعفر عباس  ..  من هو سي دي جافر

زاوية منفرجة  … بقلم: جعفر عباس  ..  من هو سي دي جافر

اسمي بالكامل جعفر عباس سيد أحمد حاج محمد حاج شيخ موسى حاج، مما يؤكد أنني من شجرة مباركة نال مؤسسها لقب “حاج” عن استحقاق، وتسمى عائلة والدي بأحفاد حاج كلتوما، واستبعد ان جدي السابع أو الثامن كان ابن سيدة اسمها كلتوما، رغم أن النوبيين لا يرون غضاضة في الانتساب لأمهاتهم، وإلى يومنا هذا يناديني بعض أهل منطقتي ب”جافر آمنن تود” اي جعفر ابن آمنة، ويُذكر المصطفى عليه السلام في ألسنة النوبيين دائما مقرونا دائما باسم أمه آمنة، “ميمد آمنن تود”، وحرف الحاء لا مكان له في لسان، تماما مثل الثاء والخاء والذال والزاي والصاد والضاد والطاء والظاء والعين والغين
أرجح ان لي جدا يحمل اسما نوبيا صرفا هو “كلتوما”، وإن كنت لا أعرف للاسم معنى، وهو الحال مع كثير من الأسماء النوبية، والنسائية على وجه الخصوص: دوانة ودانة وهولا، ومسكة، وألقية، ودارا وفرين، التي ما تزال متداولة إلى يومنا هذا وقد ضاعت منا معانيها، كما في أسماء مثل ساتي ودياب وأليسا (نعم هو اسم نوبي قديم وشائع وإن كان كثيرون لم يسمعوا به إلا عند المطربة اللبنانية ذات التضاريس البركانية)
وموطني في السودان هو جزيرة بدين التي هي جزء من كرمة، عاصمة الدولة والحضارة النوبية العريقة، وبالتالي فإنني نوبي قح، وأجيد اللغة النوبية وأعشقها، وجدي لأبي، “سيد أحمد” من جزيرة سِمِد (الأطلس كتبها “سمت”) الواقعة الى شمال بدين، ويبدو أن أبو السيد كان “شبعان وصاحب جيب مليان”، لأنه تزوج جدتي “هبسي” اي حفصة، وهي من عائلة فقير، واسم عائلتنا هو فقيرن أسِّي Nassi (سلالة فقير) والفقير هو الفقيه الزاهد، وصاحبكم سليل “فقراء” (ضلفتين) أي بالجهتين، فمن ناحية الأم فإن قباب أجدادي وأضرحتهم، تشغل حيزا كبيرا وسط مقابر حي أب جاسي العتيق في جزيرة بدين.
ولد أبي في جزيرة بدين وطفش منها وعمره نحو 17 سنة. فالأرض الزراعية في ديار النوبة محدودة لأن الصحراء تحاصرها شرقا وغربا، كما أن القسم الأعظم منها “كدين فاكي Kidin fakki أي أرض الحجر”، وهكذا عرف أجدادنا الهجرة الى السودان الأوسط ومصر والسعودية منذ مطلع القرن 18، ومن هنا اكتسب النوبيون شهرة كطباخين في القصور وبيوت الأثرياء في وادي النيل والجزيرة العربية، وصار من يحسبون أنفسهم عربا، في السودان يتندرون بالقول بأن النوبي إذا أفلح يصبح “طباخا”، بينما الطباخة عصب الحياة، وفن لا يجيده إلا أصحاب الحضارات ومن لديهم “ثقافة طعام”
لم يكن والدي راغبا في مهنة الزراعة. وكان شقيقه (عمي الطيب)، يعمل في شركة جنرال موتورز في الإسكندرية، فقرر أبو العبس أن يسير في دربه، وتسلل من بلدتنا (بدين) مع صديق له، وشقا طريقهما سيرا على الأقدام حتى وصلا أسوان في جنوب مصر بعد مسيرة أكثر من شهرين، ومكث أبي في أسوان إلى أن بعث له الطيب بتذكرة القطار، وانطلق إلى الاسكندرية، وهناك أكرم أخاه الطيب وفادته لعدة أيام ثم أتاه بتذكرة سفر وقال له: أدينا عرض أكتافك وارجع إلى السودان، ولما طنطن أبي ونقنق اضطر الطيب (كما روى أبي) إلى صفعه “قلمين” وقال له ما معناه: أنت أصغرنا نحن الأشقاء الذكور الأربعة، وعليك أن تحرس “العَقاب”، التي هي “الأهل والثروة”، وغادر أبي الاسكندرية وقرر البقاء في القاهرة، ولكن أخاه الطيب سمع بالأمر وجاء وسحبه من أُذنه وأركبه القطار، ولم يغادر الطيب الرصيف إلا بعد ان انطلق القطار بأقصى سرعته.
ومن الواضح أن والدي ورث عني “نشفان الرأس” فبدلاً من ان يعود الى بدين ليحرس “العقاب”، واصل أبي رحلته الى الخرطوم ونجح في الحصول على وظيفة في بواخر مصلحة النقل النهري في الخرطوم بحري، التي فيها ولدت (اختلف المؤرخون حول سنة مولد سي. دي. أبو الجعافر، فهناك من يقول إن ذلك كان بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وغيرهم يقول إنه كان في السنة التي وصل فيها الأمريكان الى القمر، وفئة تزعم إنه كان سنة حفروا البحر)
أمي اسمها آمنة فقير حامد شوكت، واشتهر والدها ب”فقير بحرية”، وكان رجل علم ودين، ولأجدادي مسجد عتيق وعريق في حي أب جاسي، يعود الى فترة انتقال النوبيين من المسيحية الى الإسلام، (كان النوبيون يهودا، ثم صاروا مسيحيين فمسلمين، وهناك مؤرخون يقولون ان سيدنا موسى نوبي) ويسمي النوبيون المسجد “مسيد” وبما ان علماء النوبة هم من نشر الإسلام في السودان الأوسط، فقد انتقلت هذه المفردة معهم، إلى السودان الأوسط “العربي”….. بالتجنس، وبعد كل هذا يقولون عنا إننا “نُص ديانة”

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.