آخر الأخبار
The news is by your side.

مجزرة القيادة: قتلوا طفلها بالرصاص وتفاجأت بشقيقها يُعرض في “خفافيش الظلام”

مجزرة القيادة: قتلوا طفلها بالرصاص وتفاجأت بشقيقها يُعرض في “خفافيش الظلام”

مأساة أسرة عائدة من السعودية استقلبها الوطن بالدم

الخرطوم: شمائل النور
يبدو أن مجزرة القيادة لن ينجو منها أحد، لا معتصم ولا مفقود، لا أسر ولا متطوعون ولا حتى صحافة تروي وتوثق بشاعة ما حدث فجر التاسع والعشرين من رمضان 2019، فالذين نجوا من الرصاص تتخطفهم الصدمات النفسية ويتعافون حاليًّا في المصحات والمراكز المتخصصة. الناجون وحدهم هم من صعدت أرواحهم إلى السماء.
غربة في أرض الوطن. !
ذكية، سيدة سودانية، ولدت بالمملكة العربية السعودية هي وأسرتها، تزوجت هناك وأنجبت بنينا وبنات، وكل شيء كان يمضي على ما يرام حتى أعلن ولي العهد محمد بن سلمان سياسات اقتصادية تضرر منها الأجانب على نحو خاص، هنا بدأت القصة، اضطرت الأسرة لبيع ما تملك للخروج من المملكة، لأن البقاء هناك مكلف أكثر من الخروج، وقبل أن تغادر الأسرة التي لا تعرف عن السودان شيئا، كانت سلطات المملكة وفقًا لسياساتها ضد الأجانب رحّلت شقيق ذكية إلى السودان دون علم أسرته. عبد اللطيف (31) عاما، وجد نفسه في وطن لايعرفه ولا يعرف أهله، هي أرضه لكنه لم يولد فيها ولا حتى والديه، حيث لا أسرة ولا معارف ولا أصدقاء هنا. هبطت طائرة عبد اللطيف وبدأت حياة جديدة، مباشرة انتقل إلى مسجد المطار، ثم تنقل من مسجد إلى مسجد، عبد اللطيف الذي درس علوم الحديث ثم عمل في المملكة مؤذنًا وإمامًا حباه الله بصوت شجي، وثّق له أحد المواطنين تسجيلًا في أحد المساجد يظهر جمال خامة صوته، ثم انتشر المقطع المصور في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن هنا تعرفت عليه الأسرة التي لم تكن تعلم أن السلطات قامت بترحيله لتكتشف أنه تعرض لصدمة نفسية قوية جراء ترحيله القسري من بلد يتعقد أنه بلده إلى وطن غلّق أبوابه عليه.

رحلة التعافي النفسي. !

بدأت رحلة ذكية لمساعدة شقيقها للخروج من الصدمة النفسية، عرضته على أحدى المصحات فاعتذرت لأنها لا تقبل مريض بلا مرافق، ولما كانت ذكية تكابد الحياة وحدها برفقة أبنائها جرت محاولات عدة لينتهي الأمر عند إحدى المستشفيات التي لا تشترط وجود مرافق، بدأت رحلة التعافي النفسي لعبد اللطيف وكان كل شيء يمضي بهدوء، وكانت المستشفى تمنحه أسبوعا كل شهر يقضيه بين أسرته، لكن الأسبوع الأخير كان فاصلا في تحول دراماتيكي في حياة الأسرة، بينما كان شقيقه يرافقه إلى المستشفى بعد انتهاء الأسبوع الشهري، مرت الحافلة التي كانت تقلهما عبر القيادة العامة للجيش، وقتها كان اعتصام القيادة في أوجها فصادف مرور حافلة عبد اللطيف موكبا فأطلقت القوات النظامية الغاز المسيل للدموع بالقرب من الحافلة، ففر جميع الركاب من كثافة الدخان، تشتت الركاب وهنا فُقد عبد اللطيف أمام ساحة الاعتصام.
رحلة بحث انتهت بكارثة. !
مباشرة شرعت الأسرة في إجراءاتها وظلت تنتظر اليوم تلو الآخر حتى ما أطل فجر التاسع والعشرين من رمضان واستيقظت البلاد على مجزرة القيادة، لم تدري ذكية أن الغدر الذي وقع في محيط الجيش سوف تصلها شظاياه حتى منطقة سوبا جنوب الخرطوم، بعد فض الاعتصام الوحشي عاشت الخرطوم ثلاث ليالي من الرعب والرصاص، بينما سكان مجمع جوهرة العودة الذي تسكنه ذكية كانوا في الشارع يترقبون ويتابعون الموت العبثي، انتاشت ثلاث رصاصات غادرة الطفل عثمان (12) عاما، تقول والدته ذكية أن عساكر على ظهور سيارات يرتدون زي الدعم السريع أطلقوا الرصاص على ابنها دون البقية، ولم يكتفِ مطلق الرصاص بواحدة، كان الهدف بشكل واضح القتل وسط رعب وصدمة الجميع وتهديد العساكر الذين أشهروا السلاح في وجوه سكان المجمع محذرين من الاقتراب من الجثمان، وجع ذكية ليس فقط أن ابنها قُتل بل الوجع الأكبر أنها لم تستطِع إنقاذه حتى فارق الحياة أمام أعينها، الطفل عثمان لحظة إطلاق الرصاص كان يحاول إنقاذ طفل ذي ست سنوات لم تستطِع والدته حمله مع شقيقه الآخر، فهرول الطفل عثمان لمساعدتها لكن الرصاص كان جزاءه.
سعت ذكية بين سكان المجمع الذين غالبيتهم ضباط في القوات المسلحة والشرطة، كانت تطرح أسئلتها بدهشة، لماذا لا تحموننا، لكن لا تجد الإجابة، ارتقت روح الطفل عثمان غدرًا ووُوري جثمانه الثرى، وبينما الأسرة تعيش حزنها المطبق على فراق ابنها الطفل وفقدان الخال ذي الظرف الصحي الخاص، كان القدر يخبئ فظاعة أخرى.

“خفافيش الظلام”
تقول ذكية: كنت في المطبخ أحاول إنجاز بعض الأعمال المنزلية، فجأة سمعت صرخات أبنائي وبناتي تتعالى، كانوا يشاهدون التلفاز، فأسرعت نحوهم. . . كانت المفاجأة والفاجعة؛ شقيقي المفقود يظهر في التلفزيون في الفيلم سيء السمعة “خفافيش الظلام” أظهروه باعتباره عسكريا وأن الثوار اعتدوا عليه وأوسعوه ضربا وتعذيبا، وانتزعوا أسنانه، وهو لا عسكري ولا يعرف شيئا عن السودان بل هو مريض وكان يتعافى. . . كان مشهدا بشعًا أن أرى شقيقي بهذه الصورة.
لجأت الأسرة للنشر الموسع في وسائل التواصل الاجتماعي مرفقة صوره وأرقام هواتف للأسرة، وبعد فترة تلقت ذكية اتصالا هاتفيًا. . العثور على عبد اللطيف في منطقة جبل أولياء، هرولت الأسرة إلى هناك، وجدته بحالة مزرية، تقول الأسرة أن المواطنين هناك عثروا عليه ملقًى على الأرض، وبعض الشهود يقولون أن عربة بوكس رمت به وتركته ملقيا في الأرض.
عادت الأسرة إلى منزلها بسوبا برفقة عبد اللطيف الذي مكث معهم لأيام قبل أن تنتكس حالته، تروي ذكية أن طيلة الأيام التي مكثها عبد اللطيف معها وأبنائها كان يتحدث عن “أيام الجهاد” وعن حرق الخيام والاغتصابات، و”أيام الجهاد” يقصد بها المجزرة، “طلبوا مني حرق الخيام، أنا قلت لهم حرام” هذا ما قاله عبد اللطيف لشقيقته تقول ذكية كان كثيرا ما يجسّد مشاهد فض الاعتصام، كانت الصدمة كبيرة لذكية حينما حاول شقيقها انتزاع رداء أحد أبنائها ليصور لهم مشهد الاغتصاب ويقول “هكذا فعلوا” وتواصل ذكية: بدا عنيفا بعض الشيء كان يقول لابني مهددا “سوف انتزع أسنانك”.
انتكاسة
تعاملت ذكية بشكل طبيعي مع شقيقه وظنت أنها صدمة وسوف تمر، لكن شاءت الظروف أن يشب حريق في منزل ذكية، في هذه اللحظات التي تصاعدت فيها ألسنة اللهب لم يستع البيت لعبد اللطيف كان يصرخ ويقول “المجرمين جوا” ” يلا نطلع من هنا” هنا انتبهت أن الأمر استفحل وأن ذاكرة شقيقها لم تعد تتسع إلا لمشاهد فض الاعتصام الدموية.
تواصلت ذكية مع مبادرة “حاضرين” وهي واحدة من المجموعات الطوعية التي تنشط في المجال الإنساني، وعلى وجه السرعة باشروا معها إجراءات نقله إلى مصحة نفسية.
الآن عبد اللطيف يتعافى من صدماته المتتالية بينما والد الطفل عثمان لا يريد قصاصا يريد فقط أن يعترفوا أنهم قتلوا ابني.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.