من درجات الإيمان: الْإِحْسَانُ

من درجات الإيمان: الْإِحْسَانُ
بقلم: عمرو عبده
إن الإحسان درجة هامة من درجات الإيمان.. حيث يقوم الإسلام على ثلاثة أمور… الإسلام والإيمان والإحسان… فالإحسان جزء أساسي من عقيدة المسلم ، كما دل عليه حديث جبريل وهو متفق عليه ، فقد سأل جبريل عليه السلام عن هذه الثلاثة ، وقال رسول الله ﷺ في نهاية الحديث… هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم “فسمى الثلاثة ديناً ، وفى الإجابة عن الإحسان قال رسول الله ﷺ…” الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”
.
الإحسان لغة… هو فعل ما هو حسن ، مع الإجادة في الصنع وهو ضد الإساءة… وشرعاً… أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك… والإحْسَان إصطلاحاً نوعان…
.
إحسان في عبادة الخالق… بأن يعبد الله كأنَّه يراه فإن لم يكن يراه فإنَّ الله يراه… وهو الجِدُّ في القيام بحقوق الله على وجه النُّصح، والتَّكميل لها…
.
وإحسانٌ في حقوق الخَلْق… وهو بذل جميع المنافع مِن أي نوعٍ كان ، لأي مخلوق يكون ، ولكنَّه يتفاوت بتفاوت المحْسَن إليهم ، وحقِّهم ومقامهم ، وبحسب الإحْسَان ، وعظم موقعه ، وعظيم نفعه ، وبحسب إيمان المحْسِن وإخلاصه ، والسَّبب الدَّاعي له إلى ذلك…
.
وقال الأصفهاني… “الإحسان على وجهين… أحدهما الإنعام على الغير ، والثاني… إحسان في فعله ، وذلك إذا علم علماً حسناً أو عمل عملًا حسناً…
.
وجاءت مادة “حسن” في القرآن الكريم بجميع صيغها ما يقرب من مائة وخمس وتسعين مرة منها اثنتا عشرة مرة بلفظ “إحسان” وهذا دليل على أهمية هذا المقام في الإسلام ، حيث أمر به الله عز وجل {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}
.
كما هو مؤكد أن الإحسان من صفات الله تعالى… {وَأَحۡسِن كَمَاۤ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَیۡكَۖ} وقال ذو الجلال والإكرام {ٱلَّذِیۤ أَحۡسَنَ كُلَّ شَیۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَـٰنِ مِن طِینࣲ} وقال العظيم {صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةࣰۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَـٰبِدُونَ} وقال رب العرش الكريم {لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ فِیۤ أَحۡسَنِ تَقۡوِیمࣲ}
.
وفي الإسلام يعد الإحسان مرتبة عالية من مراتب الدين الثلاثة، بعد الإسلام والإيمان… وقد ورد في القرآن… {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
.
أي أن الله يأمر عباده بالعدل والإنصاف في حقه بتوحيده وعدم الإشراك به ، وفي حق عباده بإعطاء كل ذي حق حقه ، ويأمر بالإحسان في حقه بعبادته وأداء فرائضه على الوجه المشروع ، وإلى الخلق في الأقوال والأفعال ، ويأمر بإعطاء ذوي القرابة ما به صلتهم وبرُّهم ، وينهى عن كل ما قَبُحَ قولا أو عملاً وعما ينكره الشرع ولا يرضاه من الكفر والمعاصي ، وعن ظلم الناس والتعدي عليهم ، والله بهذا الأمر وهذا النهي يَعِظكم ويذكِّركم العواقب ؛ لكي تتذكروا أوامر الله وتنتفعوا بها…
.
وكذلك ورد في القرآن… {وَمَن یُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنࣱ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} وقال تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} ، أي هل جزاء مَن أحسن بعمله في الدنيا إلا الإحسان إليه بالجنة في الآخرة؟… وقال النبي محمد ﷺ “إن الله كتب الإحسان على كل شيء”
.
والإحسان في العبادات… يكون باستكمال شروطها وأركانها ، واستيفاء سننها وآدابها ، مع استغراق المؤمن في شعور قوى بأن الله عز وجل مراقبه حتى لكأنه يراه تعالى ، ويشعر باًن الله تعالى مطلع عليه ، كما جاء في حديث جبريل… وقال تعالى {لِّلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِیَادَةࣱۖ وَلَا یَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرࣱ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ}
.
عرف شيخ الإسلام ابن تيمية العبادة ، بأنها… اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة…
.
والإحسان في باب المعاملات… يكون ببر الوالدين ، من حيث طاعتهما ، وإيصال الخير إليهما ، وكف الأذى عنهما ، والدعاء والاستغفار لهما ، وإكرام صديقهما ، وإنفاذ عهدهما… قال تعالى: {وَٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُوا۟ بِهِۦ شَیۡـࣰٔاۖ وَبِٱلۡوَ ٰ⁠لِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنࣰا} ثم ذكرت الآية ثمانية أصناف أخرى يجب لها الإحسان وهى بنص: {وَبِذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱلۡجَارِ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالࣰا فَخُوراً}
.
وقد ورد توجيه نبوي في الإحسان إلى الخدم ، وذلك بإعطائهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم ، وبعدم تكليفهم ما لا يطيق… فإن كان عندك خادم مقيماً بالبيت فليأخذ حقه من الطعام والكساء ، كما في حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال… “إذا أتى أحدكم خادمه بطعام ، فإن لم يجلسه معه ، فليناوله لقمة أو لقمتين ، أو أكلة أو أكلتين ، فإنه وَلِى علاجه”
.
أما عن الإحسان في العلاقات الإجتماعية… فقد أمر به الإسلام بالنسبة للزوجة في حسن معاملتها وإيفائها كافة حقوقها وحسن عشرتها ، والإحتكام إلى أهلهما إن اختلفا ، وعدم الإضرار بها بوجه من الوجوه كما ورد فما غير آية من القرآن وفى قوله ﷺ “استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان” ؛ وقوله ﷺ “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”
.
إن الإحسان إلى الزوجة يكون بالمعاشرة بالمعروف فقد ورد الأمر بذلك في قوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ} وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلقاً ، وخيركم خيركم لنسائهم” وأيضاً الإحسان تجاه الأبناء حيث قال عليه السلام… “اتقوا الله ، واعدلوا في أولادكم”
.
وهكذا يتنوع الإحسان تبعاً لأحوال الآخرين… فهو للأقرب ببرهم والرحمة بهم والعطف عليهم مع الأقوال والأفعال الطيبة… ولليتامى بصيانة حقوقهم ، وتأديبهم ، وتربيتهم ، وعدم قهرهم… وللمساكين بسد جوعتهم ، وستر عورتهم ، والحث على إطعامهم ، وإبعاد الأذى والسوء عنهم…
.
ولأبناء السبيل بقضاء حاجتهم ، وصيانة كرامتهم وبإرشادهم و هدايتهم… ولعامة الناس بالتلطف في القول ، والمجاملة في المعاملة ، مع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ورد حقوقهم ، وكف الأذى عنهم… والإحسان للحيوان بإطعامه إذا جاع ، ومداواته إذا مرض ، والرفق به في العمل ، وإراحته من التعب…
.
بشكل عام الإحسان في التعامل مع الآخرين يشير إلى التصرف بلطف واحترام نحو الأشخاص من حولك… ويتضمن ذلك مساعدة الآخرين عند الحاجة ، والإستماع بعناية إلى آرائهم ومشاعرهم ، وتقديم الدعم والتشجيع عندما يكون ذلك مناسباً… والإحسان في التعامل يساهم في بناء علاقات إيجابية وصحية مع الأشخاص وتعزيز التفاهم والتواصل الجيد…
.
والإحسان في العمل ، إنما يكون بإجادته ، وإتقان صنعته ، مع البعد عن التزوير والغش ، روى في الحديث النبوي “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” والإتقان إحسان الصنع… والإحسان في العمل يعني أداء العمل بأفضل ما يمكن بغض النظر عن الظروف أو المكافأة المالية ويشمل ذلك تقديم الجهد الإضافي ، وتحسين الجودة ، والامتثال للمعايير المهنية ، والتعامل بأخلاقية مع الزملاء والعملاء..
.
الألفاظ التي ذات الصلة بالإحسان هي الإفضال والإمتنان والإنعام والإكرام وإلى ذلك من الكلمات التي تتزامن مع الإحسان.. وقال العالِم الحكيم ابن كثير رحمه الله… يخبرنا الله تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح الحسنى في الدار الآخرة كقوله تعالى {هَلۡ جَزَاۤءُ ٱلۡإِحۡسَـٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَـٰنُ} وفي قوله سبحانه {لِیَجۡزِیَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُوا۟ وَیَزِیدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ}
.
صَدَق الْلَّه الْعَظِيْم
.
إن الحديث عن الإحسان في الإسلام وفي المعاملات وفي ما أمدنا به رب العالمين من فضل ونِعم عبر الإحسان لن يكفينا فيه عشرات المجلدات… ولذلك يجب علينا كلنا أن نتمسك بالإحسان ونجعل هذه الصفة أساس في داخل نفوسنا ونحافظ عليها حينما نتكلم ونعمل وفي كل علاقاتنا مع الآخرين فبدونها لن نجد لنا راحة بالدنيا ولا بالآخرة..
.
.
حياكم الله.

شارك على
Comments (0)
Add Comment