مفاهيم إسلامية: يوم الحساب

مفاهيم إسلامية: يوم الحساب

 بقلم: د. هاشم غرايبه

يوم الحساب أمر غيبي من غيب المستقبل الذي أنبأنا الله به، وجاء ذكره والتذكير به في كتاب الله العزيز كثيرا، وبتسميات متعددة منها: يوم القيامة واليوم الآخر ويوم الدين والحاقة والساعة.. وغيرها، وجميعها تفيد المرحلة الانتقالية بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، ويتم فيها حساب الناس على أعمالهم في الحياة الدنيا، لكن وقت حدوثه ومكانه ومقدار طوله لا يعلمه إلا الله، إلا أنه مؤكد أنه سيكون بعد انتهاء الحياة الدنيا، لذا فهو ليس أمرا متاحا للبشر البحث فيه، لذلك اعتبر عامة الفقهاء موضوعه نقليا، أي غير خاضع للمناقشة العقلية، لكن بعضا منهم مثل “ابن القيّم” رحمه الله قال بأنه يمكن للعقل التوصل إلى الإيمان به بالاستدلال المنطقي.

وهنالك الكثير من الأدلة المنطقية التي توصل العقل المحايد الى اليقين به، من باب ضرورة أن لا يترك الناس هملا بلا رقابة ولا حساب، ومنها:

1 – في أية مؤسسة، لا يمكن أن تؤدي أعمالها بلا مدير، ووظيفته تنظيم العمل وتوزيع المهام، والرقابة على حسن التنفيذ، ولولا علم الموظفون أنهم تحت رقابته ما استتب النظام وسير العمل، ولو علموا أن هذا المدير يتركهم وشأنهم، فلا يعاقب المقصر ولا يكافىء المخلص، لانتفت عدالته، وعندها يوغل المقصر في تقصيره، ويعود المخلص عن حسن أدائه.

2- لكننا نرى كونا يسير منذ الأزل بهذه الدقة والإحكام، ما كان ليدوم ويبقى لولا أنه يسير وفق نظام صحيح، أي نظام عادل يأخذ بالحسبان كل العوامل، ويحقق توازنا، ويمنع أي حيف، لأن أي ميل عن ذلك التعادل في القوى، ولو كان في منتهى الضآلة، سيؤول بعد أزمان وحقب الى النزوح باتجاه ذلك الإنحراف، لكننا نعلم بما أوتينا من معرفة لحد الآن أن ذلك لم يحصل، لذا نستنتج أن هذا الإتزان ما تحقق لولا العدالة، والتي هي صفة إلهية ضرورية لحفظ الإتزان مثلها مثل القدرة والحكمة والتدبير.

والعدالة تقتضي الإنصاف والذي هو احقاق للحق ومنع للظلم، وهذا لا يتحقق إلا بالحساب، لتمييز من التزم بما شرعه الله في الحياة الدنيا ممن خالفه واتبع هواه.

3 – لقد ميز الله الإنسان بأن جعل أفعاله خاضعة لإرادته، وليست كالكائنات الحية الأخرى تسيّرها الغريزة (الفطرة)، فكانت أفعالها على نسق واحد، فليس فيها خير وشر، لذا فلا يعقل أن يتساوى الحيوان الأعجم الملتزم بما هُيِّئ له فلا يحوز إلا قوت يومه وبقدر سد جوعه، مع الإنسان المدرك الذي يمكنه تجاوز كفايته، والإستيلاء على قوت آلاف غيره، لذا فمن باب تحميل المسؤولية، فالمنطق أن يحاسب الإنسان دون الحيوان.

4 – منح الإنسان حرية الإرادة كانت تكريما له عن سائر مخلوقات الله، وكان ذلك مقابل تكليفه بالعبادة طوعيا، فلا يعقل أن تعني إطلاق العنان لفعل ما يحلو له، لذلك لا بد أن يكون هنالك ضابط لها، وهو تحميله المسؤولية عن نتاج فعله، وهذا عين العدالة، فلا مساءلة للحيوانات العجماء عن أفعالها المسيرة لها بالفطرة التي فطرت عليها، فهي ملتزمة بها لا تحيد عنها.

لذلك قرن الله تعالى الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر، فالإيمان به إلها واحدا لا يكفي لضمان التزام الإنسان بتعليماته، بل لا بد من معرفته أنه يراقب ويسجل الأعمال، ليحاسب المقصر والمخالف، ويكافيء من يحسن أداء عمله.

من يشككون بيوم الحساب هم الظالمون والمعتدون على حقوق الآخرين، فهم الذين يتمنون أن لا يكون هنالك حساب، فيفلتوا من العقوبة، لكن الخالق الذي خلق كل شيء، وكل الخلق عياله، عادل في إحقاق الحقوق، فلا يمكن أن ينال الظالمون والمظلومون المصير نفسه، فكل سيحصد في الآخرة ما زرع في الدنيا: “أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى”[القيامة:36].

شارك على
Comments (0)
Add Comment