خاطرة: في وطننا العربي

خاطرة: في وطننا العربي

بقلم: د. هاشم غرايبه

في وطننا العربي، عادة ما يقدم النظام السياسي التهنئة في المناسبات الوطنية للمواطنين بصيغة: تهنئ الأمتين العربية والإسلامية.

قد يكون الدافع لهذه الازدواجية وجود مسلمين غير عرب، ووجود عرب غير مسلمين، لكن هل هنالك شعب في العالم ينتمي لأمتين؟.

المعروف أن العرب هم جزء من الأمة الإسلامية، ويفترض أنهم الأكثر تمسكا بهذا الانتماء من الأقوام الآخرين، كونهم هم مؤسسوها وقادتها والدعاة الأوائل إليها.

لم تظهر النزعات القومية (الانشقاقية) الا عند ضعف الدولة الإسلامية، ولذلك سمي هؤلاء بالشعوبين، العرب لم تكن لديهم هذه النزعة، إذ أنه لم تكن هنالك تاريخيا وحدة بينهم على أساسها، ما توحدوا إلا عدما جاءهم الإسلام، فأصبح العرب قادة الأمة لأنهم من دعوا الأمم الأخرى للإسلام، كما أثبتوا جدارتهم الحضارية من خلاله وتحت رايته، وليس لكونهم عربا، من خلال التلاقح التقافي مع الأمم التي تخلت عن انتمائها القومي لصالح الانخراط في الأمة الإسلامية، بدليل أن أغلب المفكرين والفقهاء والفلاسفة كانوا مسلمين من غير العرب.

هكذا كانت الأمة الإسلامية هي الوحيدة من بين الأمم التي تمكنت بانتهاجها الفكر الأممي من إلغاء النزعات القومية التي ظلت على مر التاريخ وقود الصراعات والحروب، فتوسع رقعة الدولة الإسلامية لم يكن حروبا استعمارية، بل سميت فتوحات، لتعني الانضمام الى الدولة الإسلامية، والدليل القاطع على ذلك، أنه بزوال كل استعمار كان البلد المتحرر يعود الى ثقافته الأولى، بينما بقيت الشعوب التي انضمت الى الدولة الإسلامية متمسكة بانتمائها الجديد، ورفضت العودة الى ثقافتها السابقة قبل الإسلام، بل تجدها متمسكة به أكثر من العرب.

لذلك لم يوجد ما عرف بالفكر القومي العربي إلا بعد ضعف آخر صورة للدولة الإسلامية (الدولة العثمانية)، لم يكن السبب أن الأتراك هم سادة الدولة، فقد تقبلت الشعوب العربية قبلها حكم مسلمين غير عرب كالسلاجقة والصفويين والمماليك.

لكن تم تغذية هذه النزعة كونها تحقق تفكك الدولة العثمانية، فمن جهة جرى تغذية النزعة الطورانية في تركيا، من خلال تأسيس المخابرات البريطانية لجمعية “تركيا الفتاة” وإنشاء حزب “الاتحاد والترقي”، ودعم يهود الدونمة بأموالهم ثلاثة ضباط سيطروا على قيادة الدولة، وهم: طلعت باشا وأنور بك وجمال باشا، والأخير قام بمجازر في بلاد الشام لتأجيج الكراهية للأتراك.

هنا تهيأت البيئة المناسبة لتأسيس فكر على أساس قومي اقبل عليه المواطنون بحماسة، بهدف استقلال البلاد، لكنه اعتمد كيافطة للثورة على الدولة العثمانية.

كان من المفترض بقادة هذا الفكر أن يستفيدوا من العقيدة الإسلامية التي كرمت العرب، فقد نزل القرآن بلغتهم، وكل العبادات يؤديها المسلم سواء كان يعرف العربية أم لا باللغة العربية الفصيحة، ابتداء من البسملة والتكبير والصلاة وانتهاء بالدعاء، وذلك دعوة غير العرب لتعلم اللغة العربية، ويمكننا أن نعرف فضل تعلم اللغة عندما نعلم كم ترصد فرنسا مثلا من مخصصات لتشجيع تعلم الفرنسية، لما لذلك من أثر في رفعة فرنسا، فالإسلام ألزم كل الشعوب بمعرفة العربية من غير أن يتكلف العرب شيئا للتشجيع على ذلك، لذلك فللإسلام فضل على العرب بتعريف الآخرين بهم، ونشر ثقافتهم بين الأمم.

هذا الأمر فهمه المخلصون للأمة الذين لا يرون تناقضا بين عروبة الشخص وانتمائه الإسلامي، لكن ما حصل أن المغرضين المعادين انتهجوا الفكر القومي العربي ليجعلوه نداً وبديلا للفكر الإسلامي، فاسسوا العلمانية العربية للتستر على عدائهم للدين، وهو المنهج الأتاتوركي ذاته الذي طبق في تركيا، فلماذا الإصرار على تجريب المجرب؟.

السؤال الهام: هل هو مخلص من يسعى لفصلنا عن الأمة الإسلامية التي تشكل خُمس العالم، ونحن لسنا هامشيين فيها بل نعتبر عمادها وحاملو مشعل الدعوة لها؟.

العرب يبلغ عددهم 360 مليونا أى 25 % من الأمة الإسلامية، أي 5 % من سكان العالم، وهم صنفان: 10 % عرب عاربة، و 90 %عرب مستعربة، وأغلبهم تعزز انتماؤه العروبي بعد الفتوحات الإسلامية، أي أن لللإسلام فضل تكويني على العرب زيادة على الفضل التوحيدي والفضل الحضاري.

العربي لا يمكن أن ينسلخ من عروبيته فهي هويته، ولن يترك الإسلام فهو روحه، من يعتقد أنهما على طرفي نقيض فهو معاد لأحدهما.

الأمة الإسلامية جامعة للعرب و رافعة لهم إن اتبعوا منهجها.

شارك على
Comments (0)
Add Comment