اليوم الذي لن تنساه الجزائر أبدا  … بقلم: قور مشوب

اليوم الذي لن تنساه الجزائر أبدا  … بقلم: قور مشوب

إنتهت نسخة تاريخية ومختلفة من مسابقة كأس الأمم الإفريقية، بتتويج الجزائر بطلةً لها، الجمعة، بعد الفوز على السنغال في النهائي، بهدفٍ دون مقابل. بعد إنتظار إمتد طويلاً، لـ 29 عاماً بالتحديد، توجت الجزائر باللقب، أخيراً، للمرة الثانية في تاريخها. لكن، التتويج باللقب الثاني لا يشبه الأول إطلاقاً، ليس بسبب التغيير الذي طرأ على البطولة، أو طريقة تتويج الجزائر به، بل لإعتبارات وأسباب أخرى.

الجزائر لن تنسى هذا اليوم أبداً

هذا مؤكد، فالجزائر لن تنسى اليوم الذي توجت فيه بلقب كأس الأمم الإفريقية، أبداً. إذ توجت باللقب، بعد إنتظار دام لـ 29 عام، دخولها سنواتٍ طويلة كانت أبرز عناوينها: الفوضى، التخبط، العشوائية، غياب التخطيط، عدم الإستقرار، والفشل، الفشل في التأهل لنسخة 2012، الخروج، مبكراً، في دوري المجموعات في 2013، الخروج من ربع النهائي في 2015، والعودة للخروج من دوري المجموعات في 2017.

لكن، ما كان مثيراً حقاً، هو ان الجزائر لم تكن من بين المنتخبات المرشحة للوصول إلى هذه المرحلة من البطولة، ربما كانت مرشحة للذهاب فيها بعيداً، ولكن ليس الوصول إلى نصف النهائي، خصوصاً مع فشلها في الفوز ولو بلقاء واحد فقط في النسخة الأخيرة من هذه المسابقة، خروجها منها مبكراً. هذا، بالإضافة إلى فشلها في التأهل إلى النسخة الماضية من بطولة كأس العالم.

لذا، فإن التتويج بهذا اللقب يأتي بعد سنوات من الفشل، التغيير، والتجريب، وليؤكد تغييرها للصورة السلبية التي كانت السائدة عنها والتي ترسخت في الأذهان، تحسينها لتلك الصورة، تجاوزها وتناسيها إخفاقات المشاركات الماضية، معالجتها للأخطاء التي صاحبت المشاركات السابقة، إعتلاء قمة إفريقيا.

بالقياس على هذا الواقع وهذه المعطيات، والوضع الذي تعيشه حالياً، فإن تتويجها بلقب كأس الأمم الإفريقية، لعام 2019، سيبقى في الذاكرة طويلاً، ولن يُنسى بسهولة.

نحن لا نهتم حقاً

صحيح، الجزائر لم تُقدم المستوى المعهود عنها في النهائي، لم تظهر بالأداء القوي والمقنع الذي ظهرت به في كل مراحل البطولة، لم تُقدم ما كان متوقعهاً منها أمام السنغال في النهائي، لم تكن الطرف الأقوى، لم تشكل خطورةً على مرمى الخصم، لم تحاول كثيراً تحقيق الفوز، إطلاقاً.

في النهائي، كانت السنغال الطرف الأقوى، الأكثر إستحواذاً على الكرة، تسديداً، تمريراً، لعباً للتمريرات العرضية، لمساً للكرة، محاولةً على المرمى، حصولاً على الركلات الحرة، الركلات الركنية، أقل إرتكاباً للمخالفات، أقل حصولاً على البطاقات الصفراء، الأكثر خطورةً، ورغبةً في تحقيق الفوز.

مع ذلك، فإن كل هذا كان له ما يُبرره، بالتأكيد. مبكراً، كانت الجزائر قد حسمت أمرها، إذ نجح بغداد بونجاح في وضعها في المقدمة، في الدقيقة الثانية، بعد تسجيله لهدفاً خاطفاً وسريعاً. كل تلك الحقائق عن المباراة النهائية لا تُهم إطلاقاً، فالجزائر كانت قد قررت أنها ستكتفي بهذا الهدف، وتعود للدفاع عنه، حتى النهاية، ومهما كلف الأمر.

الفوز لم يكن مقنعاً، مبهراً، ولم يصحبه الأداء. لكن، كل هذا لا يهم حقاً، فالجزائر قد توجت باللقب، في نهاية المطاف، بهذه الطريقة وهذا الأداء، كما ان الفوز يأتي في المرتبة الأولى ويكتب في سجلات التاريخ وليس المستوى الذي قدمته في البطولة أو الطريقة التي لعبت بها.

إذا أردت شيئاً بشدة

هذه هي الحقيقة، لأن الجزائر أرادت التتويج بلقب البطولة بشدة، فإن الكون كله قد تآمر معها من أجل تحقيق مرادها، في النهاية. كل شيء كان يؤكد ذلك، بدايةً من إثباتها تجاوزها لإخفاقات الفترة الماضية، ان معاناتها في السنوات القليلة الماضية كانت كبوة جواد، تصحيحها للأخطاء التي صاحبت مشاركاتها الأخيرة في كل البطولات، عودتها إلى مسارها الصحيح، رغبتها الجادة في الصعود إلى قمة إفريقيا، إمتلاكها لمدرب مقتدر، لتشكيلة متكاملة، لجيل ذهبي قادر على قيادتها للفوز باللقب.

كل هذا، يُضاف إليه حقيقة ان الجزائر كانت تمتلك كل ما تحتاجه للتتويج باللقب، في ظل وجود جمال بلماضي على رأس جهازها الفني، إمتلاكها لمجموعة متميزة من اللاعبين على غرار رياض محرز، ياسين براهيمي، إسلام سليماني، بغداد بونجاح، عدلان قديورة، رفيق حليش، سفيان فيغولي، وغيرهم، في وقتٍ تمتلك فيه قائمة يستطيع فيها، أي لاعب، تعويض غياب أي لاعب آخر، في التشكيلة الأساسية، دون الشعور بغيابه.

هذا، عطفاً على العمل الكبير الذي قام به بلماضي، إذ حول المنتخب إلى كتلة واحدة، حول مجموعة من اللاعبين الموهوبين أصحاب القدرات الفردية الرائعة إلى وحدة متماسكة تلعب من أجل هدفٍ واضح ويسعى الجميع لتحقيقه، وأقنع الكثير من اللاعبين بالجلوس على دكة البدلاء دون أن يثيروا الكثير من الضجة والجدل.

الحقيقة ان بلماضي أثبت نجاحه في معظم الدول التي عمل فيها، إذ أثبت جمال بلماضي نفسه في فرنسا، إنجلترا، قطر، ومع الجزائر، في الفترة القليلة، التي قاد فيها المنتخب من موقع المدير الفني للمنتخب.

لتأكيد كل ذلك، فإنه يكفي الإشارة إلى ان الجزائر كانت المنتخب الأقوى في البطولة، الأكثر ثباتاً، إستقراراً، تطوراً، رغبةً في التتويج باللقب، الأقوى هجومياً، ودفاعياً، وغيره، إذ سجل خط هجومها 13 هدفاً وإستقبلت شباكها هدفين فقط في البطولة بأكملها.

الدفاع يجلب البطولات

من خلال البطولة، أثبت الجزائر بأن هذه حقيقة مطلقة، إذ إمتلكت الدفاع الأقوى، العناصر الأكثر إنسجاماً وتفاهماً، حيث إستقبلت شباكها هدفين فقط في سبعة مباريات. لكن، ما كان مثيراً للإهتمام حقاً، هو المستوى القوي الذي ظهر به خط دفاعها في دوري المجموعات، إذ لم تستقبل شباكها أي هدفاً في ثلاثة مباريات، بل ان هذا الوضع استمر معها في دور الـ16 حتى تحطم في ربع النهائي أمام ساحل العاج.

هذه التوليفة الرائعة، كانت إحدى المفاتيح الرئيسية والمحورية في التتويج باللقب، فالدفاع هو أساس كل منتخب قوي، هو الذي يجلب البطولات، ففي وجوده، يصبح بقية اللاعبين قادرين على اللعب بهدوء، يحاولون الوصول إلى مرمى الخصم بقوة، لا يهتمون كثيراً بإمكانية إستقبال شباكهم للأهداف، لأن هناك خط دفاع قوي يستمدون منه الثقة، ويدفعهم لتقديم أفضل مستوياتهم.

شارك على
Comments (0)
Add Comment