الاقتصاد السياسي للسودان .. الوعي أساس الملك

الاقتصاد السياسي للسودان .. الوعي أساس الملك

بقلم: د/ سبنا إمام

ان لازمة النهوض لاي امة هو وعيها الوجودي . و هو وعي افراد هذه الامة بموقعهم من الانسانية وموقعهم من الكون ثم موقعهم من العالم والاقليم واخيرا موقعهم من بعضهم البعض داخل المساحة الجغرافية التي يتشاركونها. والاصل في الكون التنوع والاختلاف والنجاح هو نجاح ادارة هذا الاختلاف والتنوع وصولا لما يعرف بقبول الاخر. فرفض الاخر وارتيابه هو ما تقبى للإنسان من اثر حيوانيته وهو غريزة دفاعية . ولذلك ينبح فيك الكلب إذا لم يستبين رائحتك وتهرب منك الهرة بعد ان تمعن النظر في عينيك فلا تجد لك مرجعية في شريحة دماغها. ولذلك يقترب الكلب والقط وغيرها من السوام بذكائهم العاطفي والتواصلي من درجة الإنسان بعد ان يطمئنوا اليه ويستأنسوه كما يستأنسهم فعلاقة الشخص بكلبه هي علاقة انسانية بين إنسانين وليست علاقة بين انسان وحيوان كما ان علاقة الانسانيين المتحاربين هي علاقة حيوانية بين حيوانيين تحركهما غريزة البقاء البدائية.
وعليه فالوعي بالاخرين اللذين يشاركوننا هذا الكون الفسيح هو الانسانية وهو مفتاح تقدم الامم لتقود الامم الاخرى.
والولايات المتحدة بنت نهضتها في المئتي عام المنصرمين على هذا الوعي. فامريكا تقع بين محيطين الاطلنطي والهادئ. ووعي الأمريكيين باهمية موقعهم هذا للتجارة الدولية جعلهم يمتلكون اكبر واقوى اسطول بحري يتحكم اليوم في كل حركة السفن والبوارج التجارية والعسكرية في المياه الاقليمية والبعيدة. ومن يتحكم في مسارات التجارة يتحكم في الاقتصاد العالمي. ولذلك حين يهم الامريكيون بتأديب دولة مارقة يحرمون عليها التجارة فتختنق حتى الركوع.
ووعيهم الاجتماعي والجغرافي جعلهم يدركون ان هذه الارض ذات الموارد المتنوعة والمساحات الشاسعة لا يمكن ان تبنى بيد واحدة كما انها لا يمكن ان تبنى بثقافة واحدة ولا بتركيبة جنية واحدة فكل جنس متفوق على اخر في شيء ما لاختلاف الخصائص الجينية والسبيل الوحيدة لتعظيم العائد من تنوع الارض والبشر هو تكاملهم واندماجهم فيما بات يعرف بالحلم الامريكي. كما ادركوا ان هذا التنوع هو عملية مستمرة ومفيدة للاقتصاد ولذلك فتحوا بلادهم للمهاجرين الباحثين عن الفرص فكانت هي ارض الفرص بإمتياز فقد هجر اينيشتاين من المانيا النازية العنصرية الى امريكا والتي تمكنت بفضله وغيره من خيرة العلماء الاوربيين من ردم الهوة العلمية بينها واوروبا بل وتفوقت عليها.
ووعيهم السياسي جعلهم يعكسون قيم التنوع والحريات والكرامة في دستور دولتهم لتصبح هي غاية الدستور ووسيلته ولذلك تكونت لديهم ديمقراطية راسخة وقادرة على معالجة عيوبها بنفسها وبرز ذلك جليا في قوانين الفصل العنصري التي كادت ان تدمر الإمبراطورية ولكن الديمقراطية قومت نفسها واصلحت مؤسساتها وطورتها لتستوعب واقع ان العبيد لا يمكن ان يظلوا عبيدا الى الابد.
هذا ما صنع امريكا التي تقود العالم على الاقل منذ انتهاء الحرب الباردة.
وعلى النقيض نجد ان السودان بكل ما يمتلك من موارد متنوعة واختلاف في الاجناس والافكار والاديان كان تنوعه واختلافاته سببا في تفتته وضعفه وانقسامه. ولذلك لضعف الوعي عندنا بجغرافية المكان وتنوع الموارد واختلاف الالوان والالسن فنرتاب الاخر ونرى في بقائه مهددا وجوديا يستدعي الاحتراب للابقاء على النوع ولذلك خضنا حروبا اهلكت الزرع والنسل فكثير من اطراف البلاد بات يسكنها غير اهلها اللذين هجروها اما بالموت او الهجرة او النزوح. واذا ما استمر الوضع على هذه الشاكلة سيفنى جنينا بالذوبان في اجناس اخرى بشكل لا يمكن تجنبه. وستنزف كل مواردنا بالحرب والنهب فتضحى الارض بورا.
لذلك وجب ان تكون ثورة ديسمبر نقطة التحول الفكري وان نعي النقاط الاتية:
اولا هنالك حتما منطقة تقاطع انساني بين اي مكونيين مختلفين في السودان ويتطلب الدخول في هذة المنطقة تحركا جادا من كلا الطرفين بإتجاه هذه المنطقة.
ثانيا يجب ان نعي ان التنوع اصل في السودان وعليه فإن اي نموذج سياسي او اقتصادي يقوم على القطبية الفكرية سيفشل طال الزمن اوقصر لانه لا يمكن فرض منهج اوحد على قالب متنوع.
ثالثا الحرب فناء للطرفين وهذة صيرورة لا مفر منها لان احتراب اعضاء الجسد الواحد يهلك الجسد فتفسد الأعضاء بفساد الجسد فتهلك.
رابعا ان الاحتكام يجب ان يكون للمؤسسات وان المؤسسات يجب ان تتسم بالقداسة وان المؤسسات كائن حي يتعلم ويطور نفسه ويعالج أخطاءه وبستحدث اساليبه ليستجيب لحاجة التنوع ولتغير الازمان ليحافظ على ديمومته.
خامسا ان السودان بلد غني وينبغى ان يفتح اذرعه لكل من أراد ان يطوره ويستثمر فيه وان من حق اي إنسان في العالم ان يكون جزءا من النسيج السوداني فلا سبيل لاستثمار مواردنا بالشكل الامثل الا باستقطاب خيرة العقول واصحاب الهمة والطموح والباحثين عن المجد.
عليه ينبغي ان نركز اليوم ولعشر سنوات قادمة على بناء المؤسسات ووضع القيم السودانية المشتركة واقل ما نحتاجه اليوم هو ممارسة السياسة فالمرحلة هي مرحلة بناء المؤسسات التي يمكن ممارسة السياسة بأمان وبطريقة اكثر كفاءة وانتاجية داخلها . اما ممارسة السياسة في ظل مؤسسات ضعيفة او في ظل انعدام المؤسسات فنتيجته اعادة انتاج الدكتاتوريات ولكن بنسخ اكثر بشاعة واكثر بدائية وصولا للفناء.

شارك على
الاقتصاد السياسيالوعي
Comments (0)
Add Comment