إصلاح الحياة السياسية

كتابات للوطن .. بقلم : حمزة محمد الخليفة (الكودابي) ..  إصلاح الحياة السياسية

قبل كتابة هذا المقال قمت بالطواف مطولاً والبحث حول العالم لمعرفة أعداد الاحزاب في كل دولة عساي ولعلني أجد ما يثنيني عن هذه الفكرة التي سأكتب عنها الآن والتي ظلت تراودني منذ أمد بعيد (كتبت عنها قبل عدة أعوام والمقال موجود في صفحتي علي الفيس بوك في أيام الحوار الوطني رحمة الله عليه) ..
هذا البحث الذي اجريته زادني قناعة بضرورة اتخاذ إجراء في اعجل وقت ممكن نحارب به هذا التكاثر الطفيلي لأعداد الأحزاب السياسية في بلادنا الحبيبة .. كما جرّني للربط بين واقع تعدد الاحزاب وتطور الأمة ..

فما بين خمسة أحزاب في أمريكا منها حزبين فاعلين وحزبين في إنجلترا لدرجة ان تعالت هناك أصوات تنادي بضرورة انشاء حزب ثالث في إنجلترا يحتل منطقة الوسط بين تطرف الحزبين نحو اليمين واليسار .. مرورا بسبعة أحزاب (تقريبا) في ألمانيا فاعلة داخليا مع عدد اخر من الاحزاب الفاعلة علي المستوى الأوروبي ..

وحتي في منطقتنا العربية نجد أن مصر ببضعة وخمسين حزبا هي الأقرب لفوضانا الحزبية هذه لكنها تظل بعيدة عنا كل البعد وعن العدد الخرافي الذي وصلنا له .. فبلادنا بها ما يزيد على المائة وعشرين حزبا أو لعلها مائة وخمسون.

كنت وما زلت علي قناعة تامة بأن هذه الاحزاب إلا ما رحم ربي منها لا تمثل إلا باباً من أبواب الإبتزاز والكسب السياسي أو المادي الرخيص ..

لأنه ليس لأمة مهما تعددت مشاربها وتنوعت ثقافاتها ان تخلص الي ما يزيد عن المائة وخمسين طريقة مختلفة لحكم البلاد ..

وهل يعتبر الحزب السياسي الا مشروع فكرة لحكم البلاد ؟
إذا فإن وجود هذا العدد الكبير جداً من الأحزاب لا يمت إلى المنطق بصلة .. بل إنه غير مقبول إطلاقاً وأعتبره شخصياً واحدة من معوقات التحول الديمقراطي الحقيقي في بلادنا ومن معوقات التطور أيضا ..

بناء على ذلك فإنني أقترح أن نبدأ إصلاح حياتنا السياسية من عند هذه النقطة وذلك كالآتي :

١. قرار (يتوافق عليه الجميع) باعطاء (جميع) الاحزاب فرصة ستة أشهر أو سنة لتلبية الشروط المذكورة لاحقاً أو يتم شطب الحزب تلقائياً (يمكن أن يكون القرار هو : حل جميع الاحزاب حالاً واعطاءها فرصة التسجيل من جديد وفق ذات الشروط وذات المدة المحددة) او يمكن أن تكون اي صيغة اخري لقرار نصل به الي ضرورة أن يلبي كل حزب الشروط التي ساذكرها أو يكون كأنه لم يكن تلقائياً ..

٢. تقوم لجنة متخصصة من الاحصائيين ومبرمجي الحواسيب مع جهاز الشرطة بمراجعة جادة ودقيقة للسجل المدني (الرقم الوطني) الموجود حاليا لتلافي اي عمليات تلاعب محتملة في الأعداد والبيانات (ستنبني علي هذه الخطوة خطوات لاحقة) ..

٣. يقوم اي حزب راغب في الحصول على الرخصة بتقديم قائمة من (مليون) شخص منضويين تحت لوائه علي أن يتم ذلك وفق الآتي :
أ. يحصل الحزب علي عضوية ما لا يقل عن (١٠٠ الف) شخص من كل إقليم من الأقاليم الخمسة (او مجموع الولايات المكونة للاقليم) ..
ب. الشرط (أ) تم وضعه لضمان ان تتمتع الاحزاب بصفة القومية والشمول لكل الوطن ولعدم قيام اي أحزاب عرقية او مناطقية ..
ج. يقدم الحزب قائمته المليونية مصحوبة بالارقام الوطنية لأصحابها مع أرقام الهواتف ..
د. الرقم الكبير المطلوب يقصد منه وبشكل اساسي محاربة نشوء أحزاب صغيرة ليست ذات وزن يملأ اصحابها الدنيا ضجيجاً ومتاجرة ومن ثم التخلص من العدد الكبير الحالي ..

٤. تقوم لجنة مشتركة من جميع الاحزاب التي تقدمت باوراقها مع الجهات الحكومية والشرطية بعمل مراجعة لقوائم كل حزب صاحب طلب مع بيانات السجل المدني وبالاتصال على عينات عشوائية من هذه القوائم حسب أرقام الهواتف المرفقة ومن ثم التصديق بقيام الحزب أو رفض قيامه وذلك كالآتي :
أ. تتم مراجعة كل قائمة الحزب مع السجل المدني وعليه فإن وجود إختلاف تام في عدد مائة رقم وطني (مثلا) من عضوية الحزب يلغي القائمة (الخطأ في رقم او حرف يمكن تبريره كخطأ مطبعي) .
ب. نكران ٢٠٪ من العينة العشوائية لعلاقتهم بالحزب يلغي القائمة .
ج. وجود ممثل او ممثلين من كل حزب متقدم بطلب في اللجنة يعتبر نوعاً من الشفافية وضامن لعدم سماع أي حديث عن ظلم او تواطؤ .
د. يمكن إضافة اي آلية أخرى تحقق الاستيثاق من أن لا تكون القوائم المقدمة قوائم وهمية لا علاقة لها بالحزب المدّعي أو أن تكون مجرد بيانات تمت سرقتها من شبكة السجل المدني دون علم أصحابها .

٥. تتوافق جميع المكونات السياسية علي إتباع فلسفة الإصلاح من داخل الحزب بدلاً عن اللجوء إلى انشاء حزب سياسي جديد يحمل ذات الأفكار مع اختلاف طفيف في أمرين أو ثلاثة .. فالواقع يقول ان كثيراً من الاحزاب انشقت بسبب خلاف في فكرة واحدة أو حتي أسلوب التنفيذ لذات الفكرة وهذا نوع من العبث في اعتقادي لانه ما من حزب الا ويجب أن تكون فيه أفكار مختلفة ومتباينة والشواهد حولنا كثيرة لوجود صراع لتيارين مختلفين داخل حزب واحد يتم حسمه براي الأغلبية .. دعك عن أحزاب اخري نشأت لأسباب اكثر تفاهة كالخلافات الشخصية والدسائس المخابراتية وغيرها .

٦. اقتراح عضوية مليون شخص لكل حزب نبع في الأساس من تحليل أن عدد سكان السودان وفق اخر تعداد يفوق الثلاثين مليوناً .. باستخراج العجزة والأطفال فإن عدد الناخبين او الفاعلين سياسيا كان (حوالي) سبعة عشر (١٧) مليونا .. هذا العدد هم الأشخاص الفاعلين في الحياة السياسية للبلاد .. لكنهم أيضا ليسو جميعا متحزبين (أعضاء في أحزاب) .. بل الواقع ان الأشخاص المتحزبين من هؤلاء السبعة عشر مليونا لن يفوت العشرة ملايين باي حال من الأحوال (شخصياً اعتقد انهم اقل من ذلك) وبقية السبعة هم مهتمون بالسياسة لكنهم غير ممارسون لها (أمثالي) .. عليه فإن نشوء عدد ما بين ثلاثة الي ستة أحزاب كبيرة يتوزع عليها هذا العدد من المحبين لممارسة السياسة (العشرة ملايين) يبدو منطقيا في اعتقادي .. (الأرقام غير دقيقة عن تعداد السكان وهي لتقريب الفكرة فقط)

٧. ليس غريباً ان تتعالي بعض الأصوات الرافضة لمثل هذه الفكرة لانه ومبدئياً أثق تماماً في أن الاحزاب التي لا تزيد عضويتها عن مئات والتي تعجز عن حشد المزيد تحتها سترفض .. والتي نشأت علي اساس عنصري مناطقي سترفض .. والتي لا تحمل فكرة او برنامجا تقنع به الناس سترفض .. وهؤلاء يجب تجاوزهم لأنهم هم نفسهم المشكلة التي نسعي لحلها وموافقتهم لا أظنها ضرورية .. أما بقية الاحزاب الكبيرة أعتقد انها يجب أن تدعم هذا المنحى لانه لن يؤثر على وجودها بل سيسهل لها ممارسة العمل السياسي بصورة أيسر وأصدق تجاه الوطن ..

حفظ الله بلادنا الحبيبة وشعبها

شارك على
اصلاح السياسيةحمزة الكودابيكتابات للوطن
Comments (0)
Add Comment