آخر الأخبار
The news is by your side.

إعوجاج الفكر السياسي و فشل تشكيل الامة و بِناء الدولة بجنوب السودان (3)

إعوجاج الفكر السياسي و فشل تشكيل الامة و بِناء الدولة بجنوب السودان (3)

د/ بيتر أدوك نيابا  

ترجمة: يدجوك آقويت

إستولاء الطبقة الرأسمالية الطفيلية على الدولة و غش الشعب:

ما يحدث الان بجنوب السودان، نتيجة منطقية للإفلاس الإيديولوجي للحركة الشعبية لتحرير السودان و الفكر السياسي المشوه لقادتها، و يعكس شبح القومية العرقية أو حتى شيء أسوأ. صحيح أن هنالك تنافس عرقي واضح في جنوب السودان على السُلطة، بغرض الهيمنة على الموارد والفضاء السياسي العام. ومن السهولة رؤية ذلك في بعض الوزارات الحكومية حيث يسيطر إثنيات محددة على القوى العاملة كتعبير عن الهيمنة.

إن ما يبدو كتنافسٍ عرقي، والذي غالباً ما يسمى”بالقبلية” هو في الأساس، تعبير منطقي عن إيديولوجية الطبقة البرجوازية الصغيرة. في المنافسة فيما بينهما، تتبنى هذه الطبقة أيديولوجيا عابرة للاثنيات من أجل تعزيز مصالحها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية. قد يبدو للإنسان البسيط أن الرئيس سلفاكير ميارديت، تعبان دينق قاي أو جيمس واني إيقا، موجودين في السلطة لتحقيق مصالح إقتصادية و سياسية لمجموعات الدينكا، النوير أو الباري، و هذا زعم أبعد ما تكون عن الحقيقة. الواقع، إنهم في السلطة لحماية مصالحهم فقط، لكنهم سيبذلون قصارى جهدهم لإقناع أبناء جلدتهم إنهم هناك من أجلهم. بهذه الخدعة، تجهض الطبقة الرأسمالية الطفيلية تطور الوعي الطبقي بين الفئات المحرومة و المكونة من مختلف إثنيات جنوب السودان. وهذا ما يفسر لما كان من السهل على هذه الفئة أن تشعل الحرب تحت ستار (الدينكا-نوير) ليشكل الدينكا “dotku beny” (لنحمي الرئيس) وميليشيا “mathiang anyoor” (مثيانق أنيور) بينما أنشأ “jiech boor” أو الجيش الأبيض من قبل النوير. ورطت هذه الطبقة الفقراء في حرب شرس، بينما إنشغلوا بتخريب و سرقة الموارد المالية والإقتصادية للدولة.

بدأت الفوارق الاجتماعية في البروز بشكلٍ جدي بجنوب السودان الان، وسيكون من الحماقة، الإنكار أن الطبقة القمعية والاستغلالية بجنوب السودان تتكون من عناصر من مختلف الإثنيات، و سيكون من الخطأ تحديد إثنية الدينكا فقط لأن مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية توحدهم مع هذه الطبقة الرأسمالية الطفيلية عبر العلاقات العرقية لإدامة نظام القمع السياسي الذي يتيح نهب وإستغلال الموارد دون تقديم خدمات إجتماعية و تنمية إقتصادية. لإثبات ذلك ، لنأخذ مدينة جوبا على سبيل المثال. فجوبا، مقر هذه القوة السياسية والإقتصادية، هي بمثابة نموذج أكبر من مدن العصور الوسطى، ولا علاقة لها بالمدن الحديثة. إن إفتقار جوبا إلى المياه المنقولة بالأنابيب وإمدادات الطاقة المركزية يلخص الأولويات الإنمائية لهذه الطبقة الرأسمالية الطفيلية المنُشغلة بالتراكم البدائي للثروة، و يعكس مدى تخلف هذه الطبقة الرأسمالية الطفيلية التي تغامر بحياة الناس.

بعد ستة عقود من إستقلال السودان وأربعة عشر عامًا من اتفاقية السلام الشامل، تعمل هذه الطبقة الرأسمالية الطفيلية بطريقة غير مباشرة على حصر الشعب في حدودهم العرقية. مسألة الاثنين و الثلاثون ولاية الحالية، أو لإنشاء ولايات أكثر قبلية على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية المنشطة لحل النزاع في جنوب السودان (R-ARCISS) يوضح تشابه الفكر السياسي البرجوازي سواء في الحكومة أو في المعارضة. إذ كيف يمكن أن نتحدث عن الحدود الإثنية بعد ما يقارب المائتي عام من الكفاح ضد العدو المشترك. إبتدأ من الإستعمار المصري، الأنجلو-مصري والاستعمار الداخلي في السودان؟ في الواقع ، إنهم يعدون الشعب لحرب أهلية أخرى.

هذا مؤشر فعلي للصعوبات الكامنة في تركيبة الدولة و التي تستغلها الطبقة الرأسمالية الطفيلية في هذه المرحلة تحديداً، بغية ممارسة التراكم البدائي لرأس المال. كما يقول أميلكار كابرال، لكي تقوم البرجوازية الثورية الصغيرة بدورها الكامل في النضال من أجل التحرر الوطني ، يجب عليها الانتحار كطبقة، لتبعث كقوة ثورية ملتحمة بشّدة مع تطلعات الشعب (3). هنا تكّمن الفشل في إحداث التحول الأيديولوجي الذي كان من المفترض أن يخوضه قيادة الحركة الشعبية / الجيش الشعبي لتحرير السودان في التسعينيات ، وتعكس لماذا كرست الحركة الشعبية / الجيش الشعبي لتحرير السودان نفسها للنضال المسُلح فقط، ولماذا لم يكُّن يؤمن بالفلاحين و بالطبقة العاملة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.