آخر الأخبار
The news is by your side.

إعوجاج الفكر السياسي و فشل تشكيل الامة و بِناء الدولة بجنوب السودان (1)

إعوجاج الفكر السياسي و فشل تشكيل الامة و بِناء الدولة بجنوب السودان (1)

د/ بيتر أدوك نيابا  

ترجمة: يدجوك آقويت

توطئة:

نتيجةٍ لغياب قناعاتٍ سياسية و إيدلوجية راسخة و جامِعة في مشّوار نِضالهم ضّد العدو المُشترك، فشلت حرب التحرير، و التي شَكّلت الحركة الشعبية لتحرير السودان فيها رأس الرُمح، في خلق الوحدة الضرورية بين شعوب جنوب السودان، بل وعلى العكس، شَكّلت الحاضِنة للتناقضات الموروثة من السياق الإجتماعي، الثقافي و التنوع، و إنعكست هذه التناقُضات لاحقاً بقوة على المناخ السياسي.

دولة جنوب السودان الوليدة خارجة الان من حرب أهلية مُدمرة و على أسسٍ شخصية، إثنية و مناطقية أستمرت لمدة خمس أعوام. تجربة جنوب السودان كدولةٍ حديثة النشأة، سيئة لدرجةٍ حرجة، و تؤكد الغياب التام للقيّم المُشتركة على المستويين، المناطقي و القومي.

إتفاقية السلام الشامل التي وضعت حداً للحرب، لم تكُّن كافيةٍ لزرع السلام و التماذُج الإجتماعي. موت الدكتور جون قرنق دي مبيور و الصراع حول السلطة، آدى إلى الشلل السياسي داخلياً، و فضحتا خِطابات و شعارات التحرير فارغة المضمون. من الأهمية الإشارة إلى إن، تكوين الحركة و الجيش الشعبي لتحرير السودان لم يستصحب الأزمة الاقتصادية، الإجتماعية و السياسية التي خلقها (نظام مايو)، بل أعتمدت عواملٍ خارجية مُتمحّورة حول تعقيدات إثنية في مختلف أجزاء الأقليم الجنوبي آنذاك و التي برزت نتيجة لأزمة نظام مايو، التي هي الاخرى، إنعكاس لبرنامج التعديل البنائي المفروض من صندوق النقد الدولي – البنك الدولي.

مُعظم المُقاتلين الذين تسنموا الرُتب في الحركة و الجيش الشعبي لتحرير السودان، كانوا إقطاعيون قرويون او رعاة. سيكون من اللاصدق، إعتبار إنضِمامهم ،إستجابةٍ واعية لنداء الثورة. في الحقيقة، سعى معظمهم للحصول على أسلحة تعيّنهم في حسم الصراعات التقليدية المحلية. فالدينكا المنحدرون من بحر الغزال رغبوا في الحصول على السلاح لمقاومة المُرحْلين من الرزيقات و المسيرية، دينكا بور أرادو السلاح لحسم حربهم ضد المورلي، و فدانق لترجيح كفة صراعهم على الارض مع الشلك و الخ.

دُمج هذه المجموعات في الجيش الشعبي دون تقديم التعليم السياسي و التوجيه الإيدلوجي المطلوب لمُجابهة النوايا السيئة هذه، نتيجةٍ لذلك، لم يتسلح معظمهم بالفهم العلمي الصحيح، للمُحركات الداخلية و الخارجية الكامنة خلف الحرب.

لا مراء إن بعض الصراعات التقليدية أشتعلت مرةٍ أُخرى بعد إتفاقية السلام الشامل مباشرةٍ. فشل قادة حكومة الحركة الشعبية لتحرير السودان في ترجمة نيفاشا – وهي تسوية سياسية في الجوهر – إلى سلام و تماذج حقيقي بين المجتمعات الجنوبية التي تضررت من الحرب و أزمّت لدرجةٍ لا تطاق، الوضع السياسي بجنوب السودان. أجتاح حمُى الحرب على أسسٍ أثنية، أو نتيجةٍ لنهب الابقار، أجزاءً واسعة من ولاية أعالي النيل، جونقلي، واراب، البحيرات و الإستوائية الوسطى. الشلل السياسي نتيجةٍ لغياب التنظيم و المؤسسية، قاد ايضاً إلى شّيوع الفساد الحكومي و على المستوى المجتمعي.

الإنزلاق لهذا الوضع الهش، الفشل و ثم الإنهيار، بدأ منذ فترة. الحرب الأهلية الاخيرة كشفن فقط مدى أزمة الدولة و التدخلات الإقليمية فيها. الدولة الحالية ببساطة، نُسخةٍ كاريكاتوريةٍ من النموذج الذي ألهم الجنويين لتقديم التضحيات على مدى الستّ عقود الماضية.

ما الهمني بكتابة هذه الورقة، هو الاوضاع المُزرية في جنوب السودان. بعد خمس سنوات من التيه السياسي، عُدت إلى أرض الوطن لأشهد الدمار الذي حدث قبل تنفيذ إتفاقية السلام. أستقلتُ من الحركة الشعبية في المعارضة بزعامة ريك مشار تينج. و بعد متابعتي لسلوك و تصرفت القادة في السلطة، و المُقربين، وضح لي تماماً إن الحركة الشعبية لتحرير السودان لا تُشَكّل المأساة فقط، بل الشبح الذي يُطارد شعوب جنوب السودان.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.