آخر الأخبار
The news is by your side.

آخر الحكي … بقلم: وجدي الكردي .. خازوق أراضي “المندرة”

خازوق أراضي “المندرة”

أثناء النظر في محاكمة نائب رئيس الجمهورية الأسبق، اللواء عمر محمد الطيب – بدأت في أكتوبر 1985 وإنتهت في مايو من العام الذي يليه – سأل قاضي المحكمة الشاهد:
– أنت سافرت لندن عشان تشرف على خرائط المطار الجديد؟!
– أيوة!
– والمطار قالو ليك ح يكون في الحاج يوسف، مُش؟!
– أيوة.
– وتفتكر المطار دا، حقيقة أم خيال؟!
– كان خيال يا مولانا!
ولأننا كائنات خيالية في دولة خيالية يحكمها “خياليون بلا حدود”، قرّر مدير شركة مطارات السودان أن يهبط إلى ثرى الواقع “الكعب”، مفارقاً جماعته ومُعلناً عن تجميد العمل في مطار الخرطوم الجديد لفترة تمتد إلى “40” سنة ممّا تعدّون، أي أن المطار قد سيبدأ العمل فيه العام 2060 بإذن الله تعالى!
ومالو، ورانا أيه؟!
ومع ذلك، غالباً ما سيبتكر البشر قبل نصف القرن المقبل – موعد فك تجميد المطار من ثلاجة الفقر الباردة – سيبتكرون وسائل سفر وانتقال لا تحتاج إلى مطارات و”قروض”، أو “قرض” القروض وتبعاتها من الجبّانة الهايصة. كأنْ يغادر الإنسان إلى وُجهته بـ “الواي فاي”، أو بأجهزة منزلية تشبه الفاكس: “تخُش من هنا، وتطلع بهناك”، مثلاً يعني!
أرجع مدير المؤسسة المعنية، قرار “تجميد المطار”، إلى الظروف الاقتصادية “البطّالة” التي تحيق بالبلاد. وقال إنه شرع في إنشاء صالة مغادرة جديدة في مطار الخرطوم الحالي، بدلاً عن الصالة الحالية التي أسّسها “الاستعماري البغيض”، معالي جيمس روبرتسون. حيّا قبره الغمام.
أما لو دار محور سؤالك عزيزي القاريء، عن: “من أين لحكومتنا ثمن ترقيع المطار الحالي”، قال: “سيشهد الربع الأخير من هذا العام، بداية العمل الذي لا يُكلِّف خزينة الدولة كثيراً بعقد شَراكاتٍ مع شركات أخرى”.
وحذارِ أن تسأل عن هذه “الشركات الأخرى”، لأنها من أسرار العلوم الباطنية التي اختصّ الله بها أولياء مطاراتنا من الصالحين!
دعك من المطار و”سنينو”، ولنتوقف دقيقة حداد على “قروش” الأهالي الذين يحتفظون بشهادات بحث “خيالية” لقطع أراضي في “المندرة” المباركة، وهي بالطبع “أراضي كُوسة”، ستتجمّد مع المطار حتى حلول العام 2060 القريبة دي!
ما الفرق بين مُلّاك أراضي “المندرة”، وبين الذين أشتروا أراضي على سطح القمر، أو صكوك غفرانٍ تقيهم يوم القيامة من شرّ الجحيم؟!
حين قرّرت السُلطات إنشاء “مطار الحاج يوسف الدولي” في واحدة من تجلّيات الخيال، سارع الانتهازيون من باعة أراضي الدولة، إلى تسويق المخططات الخيالية للأهالي والمغتربين، وكنزوا الجنيه والدرهم والريال والدينار والدولار، وتنافس الخلق على الظفر بقطعة أرض “ناصية”، تفتح على “بيت المًضيفة السمحة الصغيرة السمراء”!
كل الدنيا تطيح بمطاراتها إلى فلوات قُصيّة. وحدهم السودانيون يتنافسون على مظان المهالك والمخاطر. يسكنون تحت ظلال الطائرات المجنونة. يتلقّفون “البُمبان الشرير” ليعيدونه إلى المصدر “غير الموثوق” . يكابسون في “بيت الحريقة”. يطوّقون “تانكر وقود مقلوب”، صدره يعلو ويهبط لينفجر في وجوههم الطيبة.
بربّكم أيها “الخياليون”، ما مصير البؤساء الذين بدّدوا مدخراتهم في أراضي “المندرة” التي تفرّق دمها بين ولايات الخرطوم وشمال كردفان والنيل الأبيض؟!
ألن تطال المحاكم والسجون، سماسرة المطارات وشركات المخطّطات “الأوانطة” التي باعت الترماي؟!
قال الشاهد:
– كان خيال يا مولانا!

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.