حكاية درتنا العطبراوية
أنور. محمدين
فور إكمال بعثتي الدراسية بجامعة الخرطوم رشحت لنيل الماجستير والدكتوراه في بريطانيا غير أن إدارة البعثات الخارجية بوزارة التربية الاتحادية اعتذرت لعدم وجود سوانح، فيممت شطر الشمال وقابلت المسؤولين بوزارة التربية الإقليمية بالدامر حاملا شهادتي فقرروا وضعي مديرا لتعليم الكبار في بلدية عطبرة، بناء على رغبتي وهو أحد مجالاتي وقد أهلت فيه بالداخل والخارج.
عدت لعطبرتنا، المدينة التي أعشقها للمرة الثانية فرحا:
قطار الشوق متين ترحل تودينا نشوف بلدا حنان أهلها ترسى هناك ترسينا
بت أقضي بعض أمسياتي في نادي المحس المستأجر يمين الجامع الكبير على ميدان المولد حيث أجد دوما الأحباب:
نعمان حسن موسى من فريق
فرح محمد فرح من مسيدة
مساعد طبي جعلي مواظب
بجانب آخرين يأتون حينا ويغيبون أحيانا
فدعوت لاجتماع شامل لكل أبناء المحس في عطبرة والدامر وبربر.
طرحت لإخوتي في الاجتماع الحاشد أن
كبارنا اجتهدوا وتركوا لنا قطعة أرض ممتازة مخصصة للنادي على شارع الشهداء أمام الثانوية الأهلية، على رأسهم عمنا الطيب عباس مدير شؤون المستخدمين في السكة حديد، وبما أن موقعها استراتيجي عرضة لشهية الطامعين، الذين يسعون لاستحواذها بالفعل وفق متابعتي فعلينا تنظيم أنفسنا وبناء القطعة المهمة عاجلا وإلا فقدناها.
بعد التداول قرروا:
.. فتح باب التبرعات.
.. دفع كل منا مبلغا شهريا لمشروع البناء.
واختاروا لجنة منتقاة للشروع في التنفيذ، وجاء مكتبها التنفيذي:
.. مولانا القاضي إدريس صالح فرح .. سمت، رئيسا
.. الأستاذ عمر عثمان صالح – الثانوية الحكومية بنين .. تنرى، نائبا للرئيس
.. أنور محمدين – التعليم، سعدنكورتى أمينا عاما
.. علي نصر – الضرائب، مشكيلة أمينا للمال.
بمسؤولية وحماس انتظمت اللجنة في اجتماعات متسارعة
وقررت إيفادي وأخي علي نصر للخرطوم لاستقطاب الدعم.
تحركنا فورا وتوجهنا للمنطقة الصناعية وطفنا بإخوتنا تجار الإسبيرات المحس دكانا دكانا بمرافقة الأستاذين الرائعين شيخ الدين مختار وحمزة حاج – مشكيلة.
في كل متجر كنا نشرح أهمية دارنا فوق جانبها الاجتماعي في إيواء طلابنا الذين لا أهل لهم بالمدينة ومغتربينا خلال عبورهم وسائقي التناكر، التي تنقل الجازولين لمشروعاتنا الزراعية.
عدنا لعطبرة بعد أسبوع مثمر نحمل نحو 22 ألفا وكان مبلغا ذا بال أعاننا على شراء بعض المدخلات كالاسمنت والطوب والزنك، فضلا عن الأبواب والشبابيك.
قررنا بعد توافر المطلوبات أن ننتظم في نفير بالعون الذاتي كل جمعة من السادسة صباحا حتى رفع أذان الصلاة نشارك فيه جميعا بأولادنا الصبية والشباب ونأتي ببناء ماهر ندفع له مستحقاته ضغطا للمصروفات.
انتظم نفيرنا بحماس .. نلتقي الصباح أسبوعيا مبكرا .. والكل كخلية النحل اشتعالا بدءا بحفر الساس ثم بين ناقل للطوب، ومعجن للمونة، ومسرع بها، ومعاون للأسطى .. إلخ
من جانبي كنت مواظبا على الحضور مبكرا رفقة جاري العزيز العميد تاج الدين وديدي على سيارته.
عند التاسعة نتناول الفطور بفول عطبرة الشهي بزيت سمسم وقد عضنا الجوع بجهد العمل الشاق ثم نتابع الاندفاع في سيمفونية رائعة والروح المعنوية تعانق الآفاق.
سبق ذلك استصدار شهادة البناء وتوصيلات
الكهرباء .. والماء ( التصديق به لايزال في ثنايا أوراقي).
أخيرا سمق البناء وبات يسر الناظرين باكتمال مراحل الجير والبوهية وتسوية الأرض وشراء الأثاث، ثم رفع التمام وتخرج كل منا ” برتبة طياني ” درجة أولى!
في ليلة فخيمة انتظمنا في باحة الدار في مسامرة راقية شرفنا فيها جارنا الرمز ” حيطة بالحيطة ” الفنان الكبير حسن خليفة العطبراوي ( صادح أنا سوداني أنا ) مرحبا عبر مداخلة طيبة وكنت قد ابتدرت الجلسة بكلمة إنابة عن اللجنة، فيما تأتلق الليلة بمشاركة وفد رفيع قدم من المنطقة لمتابعة بعض الملفات الخدمية.
.. وانداحت الرغيدة أماسينا، ونحن أعلى تكاتفا وأعظم إخاء.
.. الحين بعد طي السنين في زياراتي السنوية الراتبة لعطبرة أحرص على دخولها فأجد فيها بعض الشباب .. لا أعرف منهم أحدا ولا يعرفني أحد
يا للمفارقة!
ليت الإدارة الحالية أبرزت قائمة بنوارس اللجنة المؤسسة في موضع مناسب بغية التوثيق مضمخة بعبير نبذة موحية، ملهمة لوثبات لاحقة، فقد كانت قيادة الإنشاء حقا أشبه بكتيبة إنجاز مصادمة للتحديات، وارتقى كل منهم لسنام حكمة الإمام علي:
” لو تعلقت همة أحدكم بالثريا لنالها”.
التحية لكل من أسهم في ذلك الصرح السامي، الباهي في قلب عطبرة المجد.