آخر الأخبار
The news is by your side.

يقظة فكر … بقلم: د. ولاء أمين .. “الغلابة”

يقظة فكر … بقلم: د. ولاء أمين .. “الغلابة”

الحقيقة أن المصريين أصابوا كثيراً حين أطلقوا على الفقراء لفظ “الغلابة”، هذا اللفظ يرجع أصله في اللغة العربية إلى الفعل “غَلَبَ” بمعنى هَزَمَ أو أَخَذَ الشيء قهراً…فالفقراء هم فئة قُهرت وسحقت في ظل حكم الاستبداد…نشعر بالإستياء والتعاطف والخذلان تجاه ما يحدث لهذه الفئة ويسعى البعض لمساعدتهم بشكل أو بآخر…ولكن أسوء أشكال المساعدة هو الانضمام لهذه الطبقة بشكل اختياري تحت بند الزهد ولعل أبرز مثال تم تسليط الضوء عليه في الأيام الفائتة هو الطبيب الذي زهد بالحياة وأنضم لطبقة الفقراء واكتفى بمعالجتهم…يُطلق عليه اسم “طبيب الغلابة”، في تصوري أن المثال الذي يقدمه هو شكل من أشكال قبول الفقر والرضى بالدون من العيش والتعامل معه كأمر واقع وتحصيل حاصل وبذلك تغيب حقيقة أن الفقر هو نتيجة استبداد وقهر وظلم اجتماعي يتمثل بإحتكار الثروات لطبقة دون أخرى وعدم إرشاد معرفي للطرق المتعددة لطرق أبواب الرزق…فمعارفنا تقول بأن الفقير وُلِدَ فقيراً وسيظل والغني وُلِدِ غنياً وسيظل وإن كان ثمة شذوذ عن القاعدة فما هو إلا ثمرة إصلاح فردي، الحقيقة أن عملية الإصلاح عملية تفاعلية بين الفرد والمجتمع…فالنفس كما أنها أمانة فردية يجب مغالبتها وتقويمها فهي في الوقت ذاته نتاج روابط اجتماعية وعلاقات تفاعلية تتأثر بها وتؤثر فيها، ولذلك يجب علينا إيجاد نماذج بشرية إصلاحية لا تستأثر الخير لنفسها وتكتفي بإصلاح ذاتها…بل تشعر بمعاناة الآخر وتسعى لاستئصال سبب معاناته ولا تقبل بالسير في طريق المعاناة…ذلك أنها تدرك أن سيرها في طريق المعاناة والحاجة هو ترسيخ لمفهوم القبول الضمني لها، نحن بحاجة نماذج لا تجافي الحقيقة أو الواقع بل تتفاعل معه تفاعل ينقله من ضيق الكآبة وسواد الجهل إلى سعة المعرفة التي تحرره وتعتقه من الاستكانة للقوى الغاشمة وتكون بمثابة وسيلة تحسين وترشيد له…الناس بحاجة إلى من يشعرهم بوجود التغيير والإصلاح عملياً في حياتهم، لا من يثبت لهم وجوده كفكرة مجردة، لا صلة لها بحياتهم…كيف يحدث ذلك؟!…من خلال تعزيز القوة المعنوية ونشر المعرفة الذي تمكنه من فهم سبب معاناته وكيفية التخلص منها…المعرفة التي تحرر المرء من العجز…وتبطل كل دعوة فاجرة كما يصفها الشيخ محمد الغزالي..كل دعوة تحبب الفقر إلى الناس٬ أو ترضيهم بالدون من المعيشة٬ أو تقنعهم بالهون فى الحياة٬ أو تصبرهم على قبول البخس٬ والرضا بالدنية…دعوة فاجرة لأنها يراد بها التمكين للظلم الاجتماعي٬ وإرهاق الجماهير الكادحة في خدمة فرد أو أفراد.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.