آخر الأخبار
The news is by your side.

يا ربيع المدينة و يا صوتها … بقلم: حسّان النّاصِر

يا ربيع المدينة و يا صوتها … بقلم: حسّان النّاصِر

 

في العام 1911م غادر انطونيو غرامشي جزيرة “سردينيا” التي ترعرع فيها، تاركا خلفه اسوار المدرسة التي كانت تزين افق البحر في مخيلته، و ترسم نوارس الشواطئ الايطالية في داخله موجات لا حدود لها ، كان انطونيو يانعا كما قوس قزح، ونضر كما شقائق النعمان في قاع البحر.

وعلى اصوات العمال و طرقات المدينة التي تضج بالطبقة، استقبلته (تورينو)، بنظارته الملتوية قليلا الى اليسار عمل انطونيو في مصانع المدينة محتكا بحركتها واسفل القاع يتلقى دروسا في الجامعة لا نظامية ، نسقها كشعلة ماركس المتقدة في جوف المدينة و فنارتها التي ترشد آلاف العمال الى ديالكتيك هيجل، هكذا صك (لابريولا) المفكر و المثقف مقولات ماركس كعملات يونانية و اوضعها على الطاولة، الا أن السحابة كانت ديالكتيه كنهر فسار الى فيينا.

وهناك على وقع الاساطير و قاعات الدرس التي تحفها اطياف ماركس،إلتقى بلوكاش،وهناك بدأ الوتر المعزوف و المشدود على وعي الطبقة يرن،كأنه الأمد الذي تخرج منه مقولات تزين الافاق،و اندلعت شعلة ايطاليا و ربيع باليرمو و منحدرات نابولي بكامل عتادها المتراكم منذ عصور التنوير انفجر غرامشي ليخرج مفاهيم ما زالت تعيدنا الي لحظة ملهمة في تاريخ الفكر ونضالات العمال و الكتلة التاريخية .

من ميناء الي ميناء ومن بحر الى بحر هكذا حال الذين ينضالون عن مجتمعاتهم ومقهوري الارض و أشعة الشمس التي تلفح خدودهم،في مدينة ما كطيف انطونيو يخرج من سور الجامعة، و من تقاليد كتابية راسخة يشهد ان يتفجر للثورة روحها و ادبها،من قلب ميناء بورتسودان يخرج الصبية ضد كل هذا الارث،ارث الهيمنة التي تعيد انتاج شروط السلطة.

لتسقط( هبرو) صيف بورتسودان و المضلع الرابع في ازمة الشرق، لتسقط هبرو بممارستها السياسية التي تصعد علي خطى الاثنية، ان هبرو هي نموذج سياسي يعيش على وقع العلاقات التي تبنيها السلطة مع (الراسمالية / وادوات انتاجها)، وهو ما كشفه غرامشي من خلال فك مفهوم الهيمنة

في نظريته ، نظر جرامشي إلى الدولة كأداة للسيطرة التي تمثل مصالح رأس المال والطبقة الحاكمة. طور مفهوم الهيمنة الثقافية ليشرح كيف تحقق الدولة ذلك ، بحجة أن الهيمنة تتحقق في جزء كبير منها من أيديولوجية مهيمنة تم التعبير عنها من خلال المؤسسات الاجتماعية التي تجعل الناس اجتماعيين يوافقون على حكم المجموعة المسيطرة. لقد أدرك أن المعتقدات المهيمنة – المعتقدات السائدة – تقلل من الفكر النقدي ، وبالتالي فهي تشكل عوائق أمام الثورة، وكأن غرامشي يصف حال (الحرية و التغيير / قهوة هبرو) انها تعيق عمل الثورة من خلال تحالفاتها وهبرو تمثل قمة هذه التحالفات وتناقضاتها.

ليس هذا وحسب وانما( هبرو) هي التي تقتات على التفاوت المناطقي وهنا استذكر مقالة الكاتب اللبناني فواز الطرابلسي حيث. يقول: يولي غرامشي أهمية خاصة لتفاوت النمو بين شطري إيطاليا: شمال مصنّع وجنوب زراعي. وهذا الأخير موضوع إنتاج غزير لدى غرامشي. على أنه يؤجل حل «المسألة الجنوبية» إلى ما بعد انتصار الاشتراكية بل يرى إلى التنمية المناطقية المتوازنة وحل المسألة الفلاحية بما هما الحل الوطني الذي يعزز وحدة إيطاليا. وفي السياق ذاته، رأى إلى أن التفاوت يستوجب التحالف بين الطبقة العاملة الصناعية الشمالية والفلاحين والوسطى والمثقفين الجنوبيين، بما هو الشرط الحيوي لقيام قوة تغيير قادرة على تجاوز الرأسمالية.

انها جدلية شرق السودان حيث يؤثر التفاوت المناطقي علي موازين القوة الاجتماعية هنا وأثرها فهناك متحكمون في الفئات العمالية بالميناء متحالفون مع رأسمالية تتحكم في التوزيع و الانتاج، وهناك متربصون جدد يحاولن غنيمة هذا الصيد افرزتهم هذه التناقضات، اذن لتسقط( هبرو) قُصة العمال والمزارعين و الرعاة ليس في بورتسودان او البحر الاحمر ولكن في السودان ككل.لانها عائق امام انتقال حقيقي و تحول جذري يحدث في بنية السلطة.

واخيرا، ان كان سونقا هو التوسير مدينة الملح وقلبها فإن ايمن هاشم هو عقلها وصوتها المتقد هو ديالكتيها وتناقضها الذي يجب النظر اليه، انه غرامشي بفكره و حركته منتميا للمدينة الساحلية و لانسانها وللشرق و للشواطئ، وان كان من اعلى نخلة في مقاشي او فزاعة في حقول القمح هناك.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.