آخر الأخبار
The news is by your side.

وردي: قطا وغرنوق … بقلم: عبدالله علي ابراهيم

وردي: قطا وغرنوق … بقلم: عبدالله علي ابراهيم

سعدت بالوثائقية التي انتجتها قناة الجزيرة عن محمد وردي في مناسبة “احتجابه” عنا منذ ١٩ فبراير ٢٠١٢. وأول ما سمعت بـ”احتجاب” في معنى الموت كنت صغيراً في بيئة ختمية. فوفاة السادة الميرغينة عندنا “احتجاب” في حين يموت سائر الناس. وألهمتني الكلمة القديمة عبارة للشاعر “شبه القمرا” الحلنقي قال في الوثائقية إن وردي حولنا أينما كنا ولا نراه.

كنت تصالحت في نحو 1975 إلى أن الفنان محمد وردي ليس “فنان الشعب”. كان أكبر من ذلك. وكان أخطر. وبلغتُ هذه النتيجة وأنا أحاول كتابة كلمة عنه لصحيفة “الميدان السرية” وأنا بين حلقة الكادر الشيوعي الخفي. وكتبت “فنان الشعب محمد وردي”. وبدا لي وقتها فقط أنني أضيق واسعاً. وأكتفيت بـ “الفنان محمد وردي”. ولما التقيت به في لقاء من لقاءات مكتب الكتاب والفنانين الشيوعيين قلت له: “أنت منذ اليوم الفنان محمد وردي. أنا رئيسك في هذا المكتب وهذا أمر مني. لاتصدق من يشيع عنك أنك فنان الشعب”.

لن نحصي وردي نغماً. ولن نستنفده. وأعادني وردي نفسه إلى قراري برسمه “فناناً” بعد نحو ربع قرن من داره في لوس أنجلس الأمريكية. كنت أضرب أسأل عنه وأعوده. وفي ذات مرة حكى لي كيف نصحه أستاذنا عبد الخالق محجوب ألا ينضم للحزب الشيوعي. قال له “يا زول أختانا والله تدخل علينا ما تعرف الكتلك”. وخرج وردي من الحزب بعد عمر طويل من صالح الأعمال. بل حرمه الحزب من “شرف” المشاركة في أول ليلة سياسية له بعد عودة الأحزاب إلى الممارسة السياسة. وكانت للحزب ملحوظة واحدة عابرة عنه تشنج فيها الحزب وأغلظ وفارق صحة النفس. وصدق عبد الخالق. فالحزب رمى بوردي لأنه ممن لا نحصيهم نغماً.

ولن نفني وردي عددا. قيل إن أبا داؤد عبد العزيز قابل الرئيس نميري ليتشفع في طلاق سراح وردي من كوبر. وبدأ حديثه قائلاً: “يا رئيس وردي دا” فقاطعه نميري بحسم: “مالو وردي”. ففزع وقال: “حتكتلوه متين”. وكان يعرف أن الرئيس ربما كسب تلك الواقعة ضد وردي ولكنه سيخسر الحرب. وقد خسرها. ويا شعبك لهبك ثوريتك!

وردي لا متناه النغم والخطر. وبدا لي دائماً أننا اكتفينا منه بالعفو. ولم نقع في هذا النذر عن لؤم. فحبه سريرة في الناس وخاطر طيب. أسعدنا ما أذاعه فينا ولم نتربص به عند جنادل القمر وشلال الشمس. حدثني في مدينة إيست لانسنق بولاية ميتشجان، وقد اجتمعنا نحتفل به في 2002، عن زيارته وإبراهيم عوض إلى مدينة الحصاحيصا. وخرج منظم الحفل يدعو لليلة الغنائية. وكان يروج لهما قائلاً: “وردي الفنان الصاروخ وإبراهيم عوض الفنان الذري”. فعلق أحد اهل المدينة: “دا فن واللا قيامة”. ولأننا تبطأنا عن طريق الصاروخ والذرة لم نستنفد وردي.

لا اعرف عبارة في السعة مثل تلك التي يوغل بها مداح الرسول في إشادة عوالم سره الأعظم. يقول المادح:

بختم صلاتي تفوق ثم السلام مطبوق

كالطيب عبيقو يفوق عدد الزرع والسوق

ما قام غروب وشروق الطير قطا وغرنوق

فوردي عبيق يفوق. وهو قطا وغرنوق. وهو نفاج بين الغروب والشروق. وهو مجرة الصواريخ التي نجرجر أقدامنا دونها. ولو كان بيننا اليوم رفيقه الشاعر العذب المرحوم على عبد القيوم لقال عن سماواته الشماء الرعان:

يا تاج رأسي سلام

يأتيك فوق التجلة

من الجنوب بروقاً

ومن الشمال أهلة

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.