آخر الأخبار
The news is by your side.

والي القضارف المقال ضحية التجاذبات السياسية وصراع مراكز الضغط

والي القضارف المقال ضحية التجاذبات السياسية وصراع مراكز الضغط

بقلم :الفاتح داؤود

قبل ذهاء العام قذفت أقدار السياسية وتقلباتها بالشاب سليمان علي موسي ، فى منصب والي القضارف ، بعد أن حاز على ثقة القيادة السياسية والتنظيمية للتحالف الحاكم ، لإدارة ملف الحكم فى ولاية ظلت تصنف ضمن ولايات الأزمة بإمتياز ، نتيجة سجلها السياسي الموسوم بالصراعات السياسية.

وقد كان أمام القادم الجديد إلى كباينة القيادة ، تحدي الموائمة بين مطلوبات الثورة بإستحقاقاتها العاجلة، وإدارة التوازنات السياسية بثقلها وملفاتها الشائكة .

كما كان عليه الموازنة بين طلعات شارع مندفع بسقوفات ثورية عالية ، وظروف إقتصادية وسياسية فى غاية الحرج .

حولت لاحقاً برنامجه السياسي ، إلى هدف مشروع أمام حملات النقد من الأنصار قبل الخصوم .

فقد أخفق سليمان علي ، منذ الوهلة الأولي ، فى تكوين صورة مقربة ذات ظلال سياسية متعددة الزوايا ، عن أوضاع القضارف ، لتعينه على تجاوز المطبات السياسية ، ربما بسبب قلة التجربة فى شئون الحكم والإدارة ، فهو المنحدر من خلفية أكاديمية تعوذها الخبرة الإدارية , وتفتقر إلى التجربة السياسية .

ورغم ذلك كان بوسعه إستثمار حالة التأييد الشعبي الجارف ، فى تكوين كتلة ثورية متجانسة ومتوافقة ، نحو أهداف سياسية واضحة ومحددة ، ولكنه بدلا من ذلك تبني أجندة سياسية منحازة ، إتسقت مع أهداف مجموعة سياسية ذات أجندة متطرفة ، ظلت تقتات من المزايدات السياسية ، وخطاب الشيطنة والتخوين خالي المضمون والأهداف .

ولم ينج من سلوكها السياسي ، حتي الحلفاء داخل الصف الثوري .

وقد نجحت هذه المجموعة فى نصب شباكها وتطويق الرجل بإحكام ، ونحجت فى التدخل بصورة سافرة فى صناعة قرارته ، وتوجيه سياساته ، وإستدراجه إلى التورط فى معارك ثانوية ، ضد خصوم سياسيين على درجة من الوعي والنضج السياسي ، مقارنة بحلفائه ، وقد نجح خصومه لاحقاً فى رسم صورة ذهنية سالبة عن أول ولاة الثورة ، الذي لم يستوعب أنه الأول الذي تولي الموقع من خارج مجموعات النادي السياسي التقليدي .

فقد كانت أمام سليمان علي ، سانحة تأريخية حال النجاح ، فى تبني سياسة واقعية ومتوازنة و منفتحة ، ومتحررة من الأحكام السياسية المسبقة ومعدة سلفا عن الاخر ، ولكنه لم يستوعب ذلك ربما جهلا أوخوفا من ردات الفعل ، خاصة من الحاضنة السياسية ، ومجموعات الشباب التي ظلت محرومة من القيادة السياسية ، رغم وعيها وإنفتاحها على التجارب السياسية ، أو ربما بسبب الخوف من آلة التحريض والتعبئة الإعلامية التي يمكن توظيفها ضده من قبل النشطاء الذين كان ينظر جلهم إلى إختيار سليمان علي ، بإعتباره إنصافا لتضحياتهم التي فجرت ثورة ديسمبر المجيدة .

وقد يقول قائل من المشفقين أن متخذي القرار ، قد ألقوا به فى تحدي صعب وإمتحان عسير ، دون إرث أو تجربة سابقة .

بيد أن النظر المحايد للواقع ، قد يقود إلى غير ذلك الإستنتاج فذات العقبات التي عصفت بالوالي الشاب ، كان يمكن أن تمثل الفرص التي تقوده إلى النجاح ، إن أحسن إستغلالها وتوظيفها ، خاصة وأن الوسط السياسي بالقضارف ، يبدو أكثر تحررا وإنعتاقا من الصراعات ذات الطابع القبلي والجهوي، لأن معيار التنافس فيه فى الأغلب صراع على القيادة و الزعامة السياسية ، وبالتالي يبدو أكثر إنعتاقا من التحيزات الإجتماعية والإنتماءات العشائرية ، وهو ما كان يجعل من مهمة الرجل أكثر يسرا ، لأن إدارة التوازنات فى أجواء التنافس القبلي الصاخب ، أكثر صعوبة من معالجة التوازن بين مجموعات المصالح المتنفذة واللوبيات الحزبية .

ولعل الأخيرة هذه هي التي قصمت ظهر الرجل ، الذي فشل فى الإمساك بخيوط السياسة ، وتحديد قواعد اللعبة ، لأن إدارة ولاية مثل القضارف ، كانت تحتاج إلي وعي بطبيعة الخارطة المجتمعية ، وتركيبة العناصر التي تديرها ، حتي يتثني له التعامل معها بواقعية و ذكاء ومرونة ، وتوظيفها نحو خدمة برنامجه ، بصورة تأمن الإستقرار وقيادة دولاب العمل السياسي والتنفيذي ، فى ولاية جبل ساستها على الإنتهازية والأنانية وحب الذات .

ماكان سليمان علي ، فى حاجة إلى التورط فى خلافات الحرية والتغيير ، وماكان فى حاجة إلى الإنسياق وراء مجموعات التضليل السياسي ، وجوقة المستشارين ، وحارقي البخور ، بل كان عليه تقوية مؤسسات الدولة ، و الإنصات إلى أهل الإختصاص والخبرة والتجربة ، وعدم الإكتراث إلى إبتزاز النشطاء وأصحاب الأجندة ، ولكنه بدلا من ذلك إنساق وراء هذه المجموعات ، التي لاتتورع فى سبيل تأمين مصالحها إلى إرتكاب كل الموبقات ، فقد دفعت الرجل دفعا إلى إستعداء المجتمع العميق ، وليس (الدولة العميقة) ، لأن مجموعات مثل الأطباء ، و المزارعيين ، والتجار ، ولجان المقاومة ، ومجموعات الرصيف ، خارج النادي السياسي ، لا ينبغي لحكومة راشدة أن تستعديهم ، نزولا لرغبة شخصيات إنتهازية متواضعة القدرات .

فقد توقع معظم الخبراء ، أن يعكف سليمان علي ، منذ الوهلة الأولى ، على إجراء تقييم شامل للمشروعات التنموية ، و مراجعة خطط التنمية السابقة ، ومدي موائمتها للإحتياجات العاجلة ، ومن ثم إستقطاب رؤوس الأموال للمشاركة فى التنمية ، وقد كانت هذه الخطوة تيسر عليه ترتيب أولويات الحكم ، بتوازن يحقق الرضي المجتمعي ، ويعزز من فرص الإستقرار السياسي ، ولكنه بدلا من ذلك تورط فى الصراعات السياسية للحرية والتغيير ، التي إختزلت مشروع الثورة فى توفيق أوضاع كوادرها بالخدمة العامة ، و مفاصل الحكم ومواقع إتخاذ القرار ، ومن خلال لعبة المحاصصات نسفت مشروع الرجل ، وهزمت الثورة فى مقتل ، بعد نزيف سياسي وشعبي بسبب السخط و الإستياء وعدم الرضي عن أداء الوالي ،

خاصة بعد أن بدأت أصابع الإتهام تشير صراحة ، إلى إحتكار شخصيات معينة لعملية صناعة القرار ، من خارج مؤسسات الثورة ، وبات القرار السياسي للوالي ، بيد هذه الشخصيات ، التي لم تكتفي بذلك ، بل أصبحت تحدد مسار وبوصلة الأحداث بالولاية .

فقد نجحوا فى إفتقار شخصية سليمان علي ، إلى كاريزما القيادة ، فى إبرام صفقاتهم السياسية ، وتحقيق مصالحهم الشخصية ، وقد مارسوا كل ما بوسعهم من وسائل الخداع واشكال التضليل ، حتي نجحوا في تطويق برنامجه وقطع الطريق أمامه حتي لايستطيع قيادة أي بادرة إنفتاح أوخلق توافق مجتمعي ، يجنب حكومته تقاطعات الإنتهازيين ، ويحجم مصالح المتنفذين .

لذالك سقط فى حقول الألغام التي قد نصبتها الشلة فى مساره ، حتي نسفت مشروعه السياسي ، الذي ماكان فى حاجة إلى ترهاتهم وذاتياتهم ، بقدر حاجته إلى بناء منهج سياسي متوازن ، قائم على المرونة والإنفتاح على الجميع دون تصنيف ، والوقوف على مسافة واحدة بين المواطنين ، تجنبا للسقوط فى مستنقع الإستقطاب ، الذي هزم معظم الذين تعاقبوا على هذا الكرسي ، كما أنه كان مطالبا ولو من باب توسيع قاعدة المشاركة ، بإستدعاء كل الشخصيات و القيادات والرموز المجتمعية ، من أهل الخبرة الذين لم يتورطوا فى صراعات سابقة، ولم تحوم حولهم شبهات الفساد للإستعانة والإستفادة من آراءهم وأفكارهم فى رفد برنامجه ، ولكنه بدلا من ذلك ركن إلى روشتات الشلة البائسة التي لم تغادر محطة النشطاء إلى مصاف رجال الدولة ، ركن إلى إسقاطتهم النفسية وإلى حساباتهم الشخصية ، التي إنعكست مخرجاتها على مجمل السلوك السياسي لحكومته .

التي فشلت فى تفعيل آليات الرقابة والمسألة والمحاسبة والإشراف الشخصي ، على ملفات التنمية ، وأداء الأجهزة الإدارية .
للدرجة التي تراجعت فيها الإيرادات بصورة كبيرة مما إنعكس على مجمل الأوضاع الخدمية ،
كما لم ينجح فريق سليمان علي ، المكون من كوادر الأحزاب السياسية وشلة النشطاء ، فى وضع تصور إقتصادي منحاز إلى الفئات الضعيفة من الفقراء ، بل فشلت حتي البرامج الإتحادية فى الوصول إليهم ، بسبب فساد و بروقراطية الأجهزة الحكومية ، رغم الأموال الضخمة التي صرفت على الجمعيات التعاونية ، وبرنامج سلعتي ، وثمرات الذي ولد ميتاً ، نتيجة لحالة التجاذبات السياسية بين مكونات الحرية والتغيير .

فضلا عن الأداء الكارثي فى القطاع الصحي ، و المؤسسات العلاجية التي كانت فى حاجة إلى إستقطاب كتير من الأموال ، أكثر من حاجتها إلى إفتعال المعارك والصراعات مع الأطباء ، ماكان على السيد الوالي ، أن يخوض فى أوحال هذا الصراع لو إستدرك وتدبر قليلا ، لحساسية وخصوصية هذا الملف ، بل كان عليه فتح أبواب الحوار والإنصات لرؤية أصحاب الشأن ، بدلا من إفتعال معركة بلا معترك ، فى قطاع يشهد إنهيارا شاملا بسبب خطل السياسات ، و رداءة الخدمات ، وقلة الكوادر المتخصصة ، وتواضع خدمات التأمين الصحي .

أما أبرز الملفات السياسية التي فشل الوالي المقال ، فى معالجتها وربما ساهمت فى مغادرته المشهد ، فقد كانت تكمن فى فشل الرجل فى ترتيب أوراق التحالف الحاكم ، التي بعثرتها رياح الصراع بين مكونات الثورة ، وبدلا من التعامل مع الملف من منصة محايدة ، تبني سليمان علي ، سياسية منحازة إلى أحد أطراف الصراع بالولاية ، مما منح اللوبي السياسي المتنفذ ، السيطرة على المشهد ، وفرض رؤيته وتصوره للعمل السياسي ، من خلال توجيه سياسات الوالي ، وإحتكار الحديث بإسم الثورة ، وتوزيع ومنح صكوك النضال حتي على الشركاء.

وقد عمل هذا اللوبي من خلال أذرعه الإعلامية ، وخطوطه السياسية المفتوحة ، على مقاومة أي شكل من أشكال التغيير ، لايتسق مع رؤيته ، أو يحافظ على مصالحه ، لذلك ظل يتصدر واجهة الفعل السياسي حتي لحظة إقالة الوالي . ويعمل الآن جاهدا للتنصل من المسئولية السياسية والأخلاقية .

والمفارقة أن أغلب وجوه هذا التيار عناصر هشة التكوين ، وضعيفة القدرات ، ولكن شكلت من نفسها شبكة من الكوادر المنتشرة فى المؤسسات الحكومية والأجسام الثورية ، وقد نحجت فى بناء إمتدادات كبيرة فى الخرطوم مع بعض الشخصيات القيادية المؤثرة. مما أضعف موقف سليمان علي ، الذي فشل فى تحجيم نفوذها السياسي ، الذي تجاوز التنسيق والتشاور ، إلى التحكم فى عملية صناعة القرار برمتها ، فأصبح سلوكها السياسي خصما عليه ، بعد أن نجحت فى شل قدراتها الحكومة ، وأدت تصرفاتها إلى هز ثقة الشارع فى الثورة ، الصورة الذهنية المرسومة عن والي الثورة ، الذي لم يستوعب أن صناعة الإستقرار كانت تقتضي بالضرورة ، تغيير قواعد اللعبة ، و طريقة التفكير السياسي ، لأن الجميع فى حاجة إلى قواسم مشتركة فى حدها الأدني إدارة الفترة الإنتقالية بسلاسة ، و تأسيس حالة أمن وإستقرار سياسي يجنب الولاية الإنزلاق إلى مربع الإستقطاب ، فى ولاية تمتلك كل مقومات النهضة ، بوسعها الإنطلاق بقليل من التعاون الذي يراعي توزيع السلطة بين مكوناتها ، بصورة تراعي التوازن والتعدد والتنوع التركيبة المتنوعة ، ولكن إختار سليمان علي ، الوقوع فى حضن تيار سياسي له أجندة عليها كثير من التحفظات ، رغم أن الوقوف على مسافة واحدة من الجميع هو كان يمثل الضامن الأكبر للإستقرار ، و أن وجود شخصيات مسئوولة ومتوازنة ومقبولة ، من حاضنته السياسية ، ذات إلمام وإدراك بالخارطة الإجتماعية والسياسية للولاية بكل تفاصيلها و تعقيداتها ، كان يمكن أن يجنب الرجل سيناريو الإقالة ، لأن ما كان يحتاجه والي القضارف المقال ، هو تجاوز الشخصي و الإنطباعي إلى العام والموضوعي ، من خلال الإعتماد على عنصر الشباب فى قيادة الولاية ، وتوظيف قيم النفير فى إسناد الحكومة لضمان إلتفاف الشارع حولها .

ولكنه بدلا من ذلك ٱثر السقوط فى أحضان الإنتهازيين والوصوليين ،، و حدث ماحدث .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.