آخر الأخبار
The news is by your side.

هل نحن أهل للتصدي لها؟

 تحت الضوء  … بقلم: د. هاشم غرايبه

 

الشخص المتنور هو المثقف المنفتح المهتم بالمعرفة، مهما كان مصدرها، لكن مسمى التنويريين لدينا يطلق على نفر من المثقفين الذين يضمرون العداء لمنهج الأمة ويسعون الى تهميشه وإلغائه إن أمكن، وعداؤهم هذا جاء تعصبا ضد الإسلام، بعضهم ورثوا العداء للإسلام من أجدادهم الذين رفضوا دخوله حسدا من عند أنفسهم، وآخرون وجدوا أنفسهم مسلمين بالوراثة، لكن لم يدخل الإيمان في قلوبهم إما جهلا أو تملصا من الالتزامات، أوغرورا بثقافتهم المستوردة المجزوءة.

ربما جاءت هذه التسمية كرد فعل على اعتبار اتباع المنهج الإلهي هداية، والهداية لا يمكن إلا أن تكون على نور ووضوح، لذلك جاء ادعاء التنوير لوصم المهتدين بالظلامية، تماما مثلما يعتبر هؤلاء وأسيادهم أن المجاهد لتحرير الأرض من المحتل الغاصب هو إرهابي، والمقاوم للإحتلال مخربا، فمنهجهم قلب المدلولات والمفاهيم الى عكسها.

لو بحثنا عن جذور الحركة التنويرية في العالم سنجد أنها تعود الى الحركة الماسونية، ففي دراسة أعدتها “مادالينا كالانس” أستاذة الاقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة إياسي برومانيا أثبتت أن جميع رواد وقادة عصر التنوير البارزين كانت لهم صلات بالحركة الماسونية، والتي تقف من وراء ستار وتعمل على نشر الأفكار (التنويرية)، الهادفة لتفكيك الروابط المجتمعية الخيرة، مثل التكافل المجتمعي والترابط الأسري، للإستفراد بهم فرادى لا حماية لهم، فتدعم التغييرات في البنية المجتمعية الفطرية، باتجاه حرية ممارسة الجنس خارج العلاقة الزوجية والمثلية، وتمت تهيئة المجتمعات الأوروبية لتقبل تلك التغييرات بواسطة الفلاسفة والمفكرين الذين نشرتهم المحافل الماسونية، ونشروا أفكارهم تلك تحت عنوان تقديس الحريات الشخصية.

أما في بلادنا فقد كان هنالك تلازم زمني بين ظهور جمعية الإتحاد والترقي التركية في أواخر القرن التاسع عشر، التي تبين أن المخابرات البريطانية هي من أنشأتها، وبتمويل من يهود الدونمة.

وأما عربيا، فقد كانت الحركة مموهة برداء القومية العربية، ولما كان الإستقلال عن تركيا مطلبا جماهيريا واسعا، فلم يكن أحد ليجرؤ على التشكيك بنوايا هؤلاء الذين يدعون الى نهضة العرب وتحررهم من (الإستعمار) التركي، لكنهم في حقيقة الأمر كانوا يدعون الى الإنتقال الى حضن الغرب بذريعة أنهم ديمقراطيون متحررون، حتى أن الأمير فيصل جادل الإستقلاليين السوريين وهو ذاهب الى سان ريمو، رافضا تحذيرهم بأن المؤتمر سيكون على حساب العرب، قائلا ان بريطانيا دولة متعاطفة مع العرب وتريد مصلحتهم وتقدمهم.

كان التقدم والرقي البريطاني مقارنة بحال العرب آنذاك حجة دامغة في نظر المأخوذين بها على المشككين بجدوى التبعية لها، بل كان مجرد تنازل موظف صغير في وزارة المستعمرات البريطانية بالتحدث مع أية شخصية سياسية أو ثقافية عربية شرفا كبيرا يتباهى به، فيهرول الى تنفيذ (نصائحهم) بامتثال وحماس، ويتهم مخالفية بالتخلف والظلامية.

إذن هكذا بدأت حركة التنوير، يسقط المثقف في فخ الشعور بالدونية عند مقارنة الأوضاع عندنا وعندهم، فيصبح أداة طيعة، بل ويتبرع لـ (النضال) من أجل نشر مبادئهم لدينا، معتقدا أن العلمانية المدعاة هي سبب تقدمهم، وسبب تخلفنا ليس أوضاعنا الإجتماعية الإقتصادية المهلهلة، وإنما معتقدنا الديني، بل ويندفع الى الإيمان بأن بمجرد التخلص من الإسلام ستكون الطريق سالكة الى التقدم والإزدهار.

المبشرون بهذه الحركة كانوا أكثر ذكاء من أتباعهم، فلم يجابهوا الدين مباشرة، بل التفوا على ذلك بالدعوة الى الفكر القومي كبديل، لذلك لن ندهش إذا ما اكتشفنا أن نواة من سموا أنفسهم بالمفكرين القوميين ترعرعوا في الجامعة الأمريكية في بيروت التي تأسست عام 1866 على يد المبشر البروتستانتي “دانيال بلس”، وكانت لا تخفي أهدافها التبشيرية الواضحة، لذلك ليس مفاجئا أن نجد بعض خريجي هذه الجامعة كانوا قوام الحركة السياسية العربية، ومنهم تقريبا كان أغلب الرؤساء والوزراء.

حاليا، وبعد الهجمة التنويرية التي شنتها مؤسسة راند التابعة للمخابرات الأمريكية بنشر واسع لمنظمات (NGO) في المنطقة العربية تحت شعارات حماية الأطفال وتمكين المرأة والدفاع عن الصحافيين، فقد وظفت عددا كبيرا ممن دربتهم وأشربتهم المباديء الليبرالية الغربية، وتأمل أنها ستحقق تحولا تدريجيا في المجتمعات المسلمة لإلحاقها بالثقافة الغربية طمعا بالتقدم.

لذا فالرهان معقود الآن على الوعي لأبعاد وخطورة هذه الحملة التبشيرية الجديدة لمباديء الليبرالية الجديدة تحت العنوان القديم ذاته ..التنوير.

فهل نحن أهل للتصدي لها؟

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.